حَوْلَ ظَواهِرِ الأَفْيَالِ و الْتَمَاسِيحِ الْبِتْرُولِيّةِ!
عندما يهُمُّ عقلاء المجتمعات البشرية المعاصرة باستذكار عطاءات الفكر السياسي ـ التنموي العالمي الحديثة. لا بد أننا سنشهد قلةً منهم و هم يغفلون عن إدراك و إظهارِ جوهر «الصراعات الظلامية» المتبادلة اليوم «سِرَّاً» عبر الأسوار المتكسرة بين المستغلين و المستغلين من جهة، و الجارية «علانيةً»، على قدمٍ و ساقٍ، بين عديد المعسكرات الرأسمالية «المتصالحة» من جهة أخرىً.
ومن خلال هذا الوعي الواقعي الجديد، يبدو من السهولة بمكان ملاحظة شمس القرن الحادي و العشرين الجاري و هي تشرقُ على «تنافسٍ وحشي أناني»، يتكشف جَهَاراً عن «ظواهر» شاذة عجيبة، لعل أبرزها على سبيل المثال لا الحصر: «ظاهرة الفيلة البيضاء الجنوبية» و «ظاهرة التماسيح الشمالية» و تبسيطاً لفهم «طبيعة أشياء» التنافس بين هاتين الظاهرتين مثلاً، يبدو من المفيد التذكير بأن: «التماسيح كائنات وحشية ضاريةٍ تحبُّ الاختباء في الأوحال (؟!)، و تتسم طبعاً بتهطال دموعها، بغرض جلاء بصرها و هي تتربص بفرائسها، لهذا يحسبها المراقب و كأنها تبكي فرائسها قبل الانقضاض عليها. لهذا درج الفكر الإنساني على استخدام تعبير «دموع التماسيح» للدلالة على أداء المنافقين تماماً. في حال يستخدم الفكر الشمالي عموماً تعبير «الفيل الأبيض» للدلالة على وجود «أية كذبة فاضحةٍ»، باعتبار أنه لم يشاهد بَعْدُ أي فيلٍ أبيضَ على وجه الأرض. و الحقيقة تقال أنه: ما بين خُرطومِ الفيلِ الافتراضي هذا و ذَنَبَهُ، يمكن للإنسان العادي، و ليس المختص فحسب، التعمق في معرفته عبر وسائل شتى، لعل أبسطها قيامه بقراءة ذلك البيان الأخير الصادر عن الاجتماع ـ العَجُول الأخير لمجلس وزراء منظمة الأقطار المصدرة للبترول «أوبيك» «القاهرة، مصر العربية 29/11/2008»، و الذي كان مخصصاً حتماً للنظر فيما يمكن للأوبك فعله للتأثير في الأسواق و الأسعار البترولية الدولية (؟!)، باعتبارها اللاعب الرئيس في هذا الشأن (؟!). و الجدير بالذكر أنه تم عبر بيان أوبيك الأخير هذا، و دون مبرر، التعبير بدقةٍ عن هيئة فيل أبيض جديد يمتلك القوائم الأربع التالية:
1 ـ يعتبر اجتماع القاهرة مجرد «لقاء تشاوري (؟!)»، و ستقوم المنظمة بما يجب فعله (؟!) عندما تجتمع في منتصف شهر كانون الأول 2008 بالجزائر.
2 ـ رغم أن القلق ينتاب أعضاء المنظمة (؟!) حيال ضعف الاقتصاد العالمي وتأثيره على أسعار النفط، فهم لا بد منتظرون (؟!) حتى الاجتماع في السابع عشر من الشهر المقبل (؟!).
3 ـ لقد قرر وزراء الدول الأعضاء اتخاذ كل الخطوات اللازمة(؟!) في الاجتماع المقبل لضمان توازن العرض والطلب وعودة الثبات إلى الأسواق (؟!)
.
4 ـ تعهدت المنظمة (؟!) باتخاذ أي إجراء ضروري لتحقيق التوازن في أسواق النفط عندما تجتمع الشهر القادم في الجزائر.
و في الوقت الذي نذكر أنفسنا بأن صنع قرار أوبيك الفعلي هو كامن في موقعٍ آخر، فقد كنا نتمنى كثيراً أن «لا يضطر» أصحاب المعالي وزراء أوبيك الكرام، و هم أهل المسؤولية البترولية تحديداً، لحمل عبء اختراع هذا الفيل الأبيض الوليد، و ذلك باعتبار أننا كنا مع المفكرين العرب الخلَّصِ جميعاً، و لم نزل، نعمل على «شحذ قومة الأوبك و الأوابيك معاً » لكي تلعبا الدور المقدر لهما في ضبط الأسواق البترولية و ليس «الفرار به» من القاهرة إلى الجزائر، «انتظاراً للفرج من تحت الدرج» كما يقول المثال الشعبي العربي. و فيما يخص الظاهرة الثانية، أي «ظاهرة التماسيح البترولية»، فتتجلى جهاراً عبر المياه الإقليمية العربية الممتدة بين مضيق جبل طارق، و شواطيء غزة المحاصرة، و المسابح الدولية الخلفية في شرم الشيخ، و قناة السويس، و البحر الأحمر، و بحر القراصنة، و مضيق هرمز و شواطيء البصرة…الخ، حيث اجتذبت مياهها المضطربة، ” الموحلة “، و المضمخة بالعطر البترولي، أصنافاً عديدة من التماسيح البترولية التي تتربص بأي قرار بترولي عربي جديد مسيل للعاب من جهة، و بأية طريدة حربية قد تخرج من جوف الشاطيء الشرقي للخليج العربي (؟!)من جهة أخرى. و لا ريب في أن عقائد صيد الحرب و السلام الشمالية، المشرعة جهاراً، لا تسمح بمزاولة تربية الأصول الكهرونووية في عالم الجنوب، في حال تظهر اعتزازها برعاية حق «إسرائيل» في امتلاك الأسلحة النيترونية و النووية الضاربة، لهذا نجد معظم اجتماعات الوكالة الدولية للطاقة الذرية إياها ( IAEA ) وهي تغرق ببحر من دموع التماسيح الأطلسية المتربصة بخطة إيران الكهرونووية السلمية. و لا مناص لنا في هذا المقام من التصفيق الحار لادارة هذه الوكالة، ذات البواب الأمريكي ـ التلمودي، كونها تمكنت من ركوب قارب مطاطي ما، أوصلها بشكل ما للمنصة الرئيسة لتقول بأن «تهمة» سورية بحيازة «تفكير نووي ما» لا دليل عليه سوى اكتشاف خبراء الوكالة لوجود اليورانيوم الناضب في أعقاب القصف الإسرائيلي ـ الأمريكي لموقع ما في شمال شرق سورية، الأمر الذي زاد من سكب الدموع الأوروبية على خطتها الفاشلة في الكيد لسورية الصمود العربي. و رغم ذلك، فلا يغررك تقلب هؤلاء التماسيح في البلاد.
بقلم: الدكتور عدنان مصطفى
وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية )

التعليقات متوقفه