بين النفط والسياسة.. فُجْرُ عَصْرٍ بِتْرُولِيِّ جَدِيدٍ: عَاشَتِ القَرْصَنَةُ!
المعروف عن نظام الفيزياء الحرارية هو تحديه الجريء لأنظمة الفيزياء النيوتونية الماكسويلية الكمومية والكونية واختراقه الآفاق التي «حطت لديها رحل أم سالم» فيها. وذلك عندما ابتكر بداية ما يعرف اليوم بمفهوم «النظيم: Ensemble» الذي يربط بين مختلف «صور» تغير أحوال الجمل الفيزيائية مع الزمن خلال الوقت المحدد لملاحظة هذا التغير،
ومن ثم الخروج بقانون فيزيائي شامل راسخ الأركان. وكوني من أنصار هذا النظام الطاقي ـ المادي العتيد، الذي تجاهدت في تعليمه، عبر أربعة عقود خلت، لعلمائنا الشباب الأبرار في جامعة دمشق العتيدة، فإنه لامناص لي من العودة لاستخدام مفهومه النظيمي في محاورة الأيام البترولية الراهنة، وهي أيام يمكن أن يشار إلى طبيعة «نظمها» بقول الله عز وجل:
«إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين» (القرآن الكريم، آل عمران، 140). وانطلاقاً من «نظيم» هذا المقام، نبدأ حوار شأن «نظيم العصر البترولي الجديد» بإظهار صورته الأولى المعبرة عن هزيمة الرئيس الأمريكي ـ التلمودي جورج والكر بوش، في صباح الأربعاء 5تشرين الثاني 2008، بل يوم إعلان نجاح مرشح الحزب الديمقراطي الدكتور باراك أوباما، في حال جاءت الصورة الثانية لتعبر عن فقد الرئيس المهزوم بوش هذا لأعصابه، والاستغاثة» بصحبه (أي صحبة الذئب وفق التعبير الغربي) قائلاً: «لقد أزف الرد يا أصدقاء: الساعة ساعتنا قد بدأت..» الصورة الثالثة وما تلاها، تجلت عجيبة، كأفلام الكارتون الصبيانية، في بحر العرب وما أدراك ما بحر العرب؟. إنه بات، دون ريب، المكان المصطفى لمواكبة الزمان البترولي الجديد. «والساعة» الإمبراطورية البترولية، المعلن عن بداية عملها على لسان الرئيس الأمريكي المهزوم بوش، قد بدأت «تتك» على صدر أمواجه، فاستحال بحر الفقر والتخلف والعجب، بإدارة نخبة من شركة أمنية «خفية» تابعة للمخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، مثل بلاك ووتر (BLACK WATER)، إلى بحر للقرصنة البترولية الإمبراطورية الجديدة. وسرعان ما تكشفت «صورة النظيم الرابعة» عن مبادرة هذه الشركة بتشكيل «لواء أرجواني» جاء معظم جنوده من «مرتزقة الحروب الأفريقية» الذين تعاملت معهم الولايات الأمريكية من قبل أثناء تدخلها ما قبل عام 2008 الجاري في تشطير كيان الصومال الوطني. والمنسق الرئيس في قيادة شركة بلاك ووتر إياها، والقار في بلاد الرافدين، أي ذلك «المنجطل: بل المستلقي باللهجة العراقية» على «تشرباية: بل أريكة» المالكي ـ كروكر» المكللة بقوائم الشهداء في بغداد، أرسل أمراً باختبار هذا اللواء الأرجواني على نطاق واسع، فكان أن بدأ بخطف سفينة السكراب «بل المنتهية صلاحيتها» التابعة لتجار السلاح الأوكرانيين والتي كانت محملة بدبابات روسية سكراب أيضاً متوجهة لإمداد الصراع في جمهورية الكونغو الديمقراطية (؟!). فتم بمنتهى السهولة تنفيذ المهمة «كقطعة من حلوى كما يقول المثل البريطاني العام» مع تأكيد إيصال الحمولة بعد أخذ العمولة المناسبة إلى هدفها المرصود (انظر التفاصيل في محطة تلفزة CNN مثلاً). والجدير ذكره، أن تشكيلات القرصنة هذه ـ ما قبل تشكيل اللواء الأرجواني ـ قد حصلت خلال الشهور العشر المنصرمة من عام 2008 على ما لايقل عن 150 مليون دولار نتيجة عمليات اختطاف السفن مابين البحر الأحمر وبحر العرب (انظر التفصيل في التقرير الخاص بهذا الشأن والذي أصدره في بريطانيا مركز «شاتام هاوس» للدراسات في لندن).
ومع خروج الإفلاس المالي الأمريكي الكبير، الذي أعقبته سلسلة من الافلاسات اللاحقة عبر أوروبا، تشكلت صورة النظيم الخامسة خلال شهر تشرين الثاني الجاري 2008، فلم يجد الرئيس الأمريكي المهزوم بوش سبيلا لتجاوز نصيحة مستشارته الحميمة» بل المولية: حسب التعبير البدوي الدارج «الدكتورة كوندوليزا رايس والقاضية برسم صورة النظيم السادسة، والهادفة إلى البدء بابتزاز أهل أوبيك تحديداً. وبناء على ذلك تم في يوم السبت 15 تشرين الثاني 2008 إخراج صورة النظيم السابعة عبر عقد قمة العشرين في نيويورك حيث تشعبت في بيانها المعلن ثلاث صور نظيمية جديدة متناغمة: ترسم أولاها تفاصيل خطة «فرض» الاتفاقية الأمنية مع حكومة المالكي إياها، وتسجل الثانية «وضع اليد» نهائياً على قرار أوبيك الرئيس، في حال تؤكد الثالثة على ضرورة قيام كبار أعضاء أوبيك بفتح أكياسهم المالية لإنهاء «متواليات» نظم الإفلاس الإمبريالي الكبير، الآخذ بناصية الرأسمالية العالمية اليوم. لهذا جرى اختطاف ناقلة البترول السعودية العملاقة «سيريوس ستار» المحملة بنحو مليوني برميل بترول.. وبذلك يأخذ الابتزاز الإمبراطوري هذا مداه في المنطقة العربية من جهة، وليبدي قاهر إرهاصه داخل معظم تطلعات التغيير التي يقوم برسمها الرئيس المنتخب باراك أوباما ضمن «نظيمات تشكيلاته السياسية والاقتصادية والعسكرية والعملية والاجتماعية» المختلفة الجارية حتى الآن من جهة أخرى. فالإمبراطورية عازمة جهاراً، بالرصاص أو القرطاس، على أن تبعد الجميع عن مجمل أنفال حروبها في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان، ومن لا يستوعب هذا القَدَرِ العالمي، المضرج بدماء العرب الأبرياء خصوصاً سيصحو نظامه ـ مهما كان حكيما أو قوياً ـ على صرخات «عاشت القرصنة» المتوحشة الانقلابية، هذا إن لم يجد صاحب النظام، هذا أو ذاك، نفسه يعيش أبد الدهر تحت «قانون غاب» نظيمات الألوية الأرجوانية الوحشية الضارية، «فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون».
بقلم: الدكتور عدنان مصطفى
وزير النفط والثروة المعدنية الأسبق ( سورية )

التعليقات متوقفه