الْطَاقَةُ العَرَبِيَةُ: زَرْعُ العَاصِفَةِ أَمْ حَصَادُ الْرِيَاحِ؟؟!
قبل بضعة أيام خلت زارني بعض طلابي من أبناء الجزائر الأوفياء، وهم الآن أساتذة جامعيون مميزون في الفيزياء والأنظمة المتشابكة معها. وتداولنا معاً حول متابعاتهم البحثية في الشأن الطاقي المحلي والعربي والتعرف منهم بخاصة عن مدى استمرار تواصلهم مع إدارة الملتقى الدولي حول الفيزياء الطاقوية بجامعة بشار الجزائرية
وبقدر مساهمتهم المباشرة وغير المباشرة في تطوير عقيدة هذا الملتقى الدولي المهم منذ مطلع العقد الأخير من القرن العشرين الفارط وحتى اليوم، فكان أن قادنا هذا التداول الموضوعي إلى خيبة أمل كبيرة، مردها انضمام هذا الملتقى العربي ـ الدولي الطاقي إلى جملة الملتقيات العلمية العربية المعنية بالفكر الأكاديمي التقليدي البحت، علماً بأننا منذ مشاركتنا الرئيسة فيه أردناه مع معظم علماء الفيزياء والتنمية الطاقية الأمجاد أن يترسخ مؤسسياً فيجمع تحت عباءته الأكاديمية المشرفة شمل كل الباحثين الطاقيين العرب وأصدقائهم في عالمي الشمال والجنوب، وبذلك يتوفر لمدرسة العلم العربية العتيدة مركب بحث طاقي ـ تنموي تنطلق بواسطته نحو إنشاء وتطبيق استراتيجية طاقية وطنية ـ عربية مستقلة تحاكي معظم ما لدى أمم الأرض من استراتيجيات فاعلة اليوم وبعيداً عن باب الخوض في نشر غسيل مسببات هذا التردي الآخذ بناصية هذه التطلعات البحثية ـ التنموية هنا وهناك، ما بين المحيط الأطلسي والخليج العربي فقد «شطح» بنا الفكر ليسترجع البعض من ضيوفنا الكرام بعض ذكريات طيبة لهم أثناء دراستهم بجامعة دمشق العتيدة، فلقد تذكر أحدنا جمال الطبيعة في شمال ـ غرب سورية مثل جبل حارم وإطلالته الغربية على وادي العمق الذي يغذيه نهر العاصي ويدور منه ليصب غرباً في البحر الأبيض المتوسط بينما تنحدر إطلالته الشرقية لتتصل بجبل سمعان بواسطة «باب الهوا» الذي يشكل معبراً للحدود السورية ـ التركية سألني أحد الضيوف لماذا سمي «باب الهوا» هل لأنه موقع مناسب لتلاقي العشاق أم لعبور الهواء؟
فأجبت إن الصحيح هنا هو الهواء حقاً ولقد قادنا الحديث عن هذا «الهواء المميز» في كل الفصول الأربعة إلى تذكر «حكمة» آبائنا وأجدادنا في شمال سورية وتوجههم نحو استغلال «طاقة الهواء» هذه كمصدر طاقي متجدد لإدارة شؤونهم المعيشية الريفية فأضاءت هذه الذكريات ـ كما يحدث في أفلام الكرتون ـ في ذهني دعوة الأخ الأستاذ الدكتور عبد القادر حريري «عميد كلية العلوم بجامعة حلب» الكريمة للمشاركة في أعمال «ملتقى دولي» يقيمه قسم الفيزياء، هناك وباعتبار أنني أنوي التحدث فيه بعون الله، مثيراً بعض أفكار تخص توجهات البحث والتطوير في الفيزياء المعاصرة بل «العلم الذي ينفع» كما وجهنا إليه خاتم الأنبياء والمرسلين جدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم فقد «بدأت التفكير» بإثارة الاهتمام ببحوث فيزيائية تطبيقية مباشرة في قسم الفيزياء بجامعة حلب يمكن أن تعيد تاريخ استغلال أهل الشمال السوري بخاصة «لطاقة الرياح» بدءاً من طبيعة أشياء باب الهوا إياه هناك ولسوف أعتبر مقال الرأي هذا مجرد «تبشير أولي» لهذه الفكرة يمكن أن ينظر في أهميته أخوتنا الكرام من علماء وطلاب جامعة حلب خصوصاً، وذلك باعتبارهم أهل دار الملتقى المنظور وبعيداً عن «رياح الخنوع العربية» التي تدفع بقلوع مراكب أعداء العرب ما بين شمال الأرض وجنوبها اليوم «أنظر أحدث أحوالها في الخطابات الرسمية الملقاة في جلسة حوار الأديان التي انعقدت تحت مظلة الأمم المتحدة في 13 تشرين الثاني 2008 مثلاً »، فإنه ليسعدني التذكير من منطلق شحذ همة الباحثين العلميين ـ التنمويين الوطنيين على العلم الذي «ينفع مباشرة» ببعض أبرز مبررات استغلال «طاقة الرياح» في أقرب الأقاليم إلينا ألا وهو الإقليم الأوروبي وذلك باعتباره قائداًَ بارزاًَ في هذا الشأن، وباتجاه حصاد الرياح الأوروبية تم تبني استراتيجية عامة «استراتيجية لشبونة» تقول: إن الإتقان المتقدم في استغلال طاقة الرياح: 1 ـ سيوفر مصدراً طاقياً متجدداً نظيفاً داعماً لأي نمو اقتصادي معزز، 2 ـ سيخفض من استيراد البترول ، 3 ـ لسوف يلبي التزامات الأمم الأوروبية باتفاق كيوتو «بل الحد من ظاهرة الدفآن العالمي»، 4 ـ سيسهم بشكل فعال في التنوع البيئي ، 5 ـ يوفر وظائف جديدة ، 6 ـ يحقق ريادة أوروبية في البحث والتطوير الطاقي، إضافة إلى 7 ـ إثارة تنافس تقني طاقي عالمي، ورغم أن «حصاد الرياح» بات اليوم في موقع متقدم في المنافسة الاقتصادية مع بقية المصادر الجديدة والمتجددة فتعزيز الاستثمارات المادية والتقنية الأوروبية في شتى مجالات البحث والتطوير سيحقق مكاسب كبرى للتقنية الأوروبية عبر التنافس في الأسواق الطاقية العالمية لهذا تم تحديد ما لا يقل عن 3 بليون دولار أميركي لتمويل بحوث طاقة الرياح الأوروبية، وبعد هزيمة الجمهوريين ـ التلموديين مؤخراً في الولايات المتحدة الأميركية، والتقدم المحتمل باتجاه اسكات المدافع عبر العالم نتصور أن جلاء هذه المكاسب اليوم لن يساعد في ثني عنان «زراعة العاصفة» عبر العالم فحسب بل سيسهم بقوة في تعزيز مسيرة «حصاد طاقة الرياح» وأعتقد أننا قادرون في الوطن العربي وفي سورية بخاصة على التحضر تقنياً لهذا الحصاد التنموي الكبير وليذهب مزارعو العاصفة ما بين المحيط والخليج لمجهولهم المتوحش والأمر يومئذ لله.
الدكتور عدنان مصطفى
وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية )
profamustafa@myway.com

التعليقات متوقفه