بين النفط و السياسة.. عِنْدَمَا يَغْشَىْ الخَيَارَ انْحِسَارٌ
المهمة البترولية الإمبراطورية إياها، تلك التي فَجَّرَتْ حروب الإمبريالية الظلامية ما بين بلاد الشام و أفغانستان، «تأكدت استحالتها» اليوم حقاً عبر: دَحْرِ المقاومة العربية للطغيان الإسرائيلي في جنوب لبنان،
و بَطْحِ العشائر العربية لتحالف الشمال في العراق، و كَسْرِ عشائر البشتون صَلَفَ و عنفوان حلف الأطلسي في أفغانستان. الأمر الذي أثار غضب «إمبراطورية النفط الكبرى» على «النُخَبِ الإمبريالية الشمالية» التي أوصلت هذه المهمة إلى «مقام الاستحالة» المتحجر اليوم. مشاهد و شواهد هذه الحقيقة أكثر من أن نحصيها في هذا المقال، و لو أننا أتينا على «رؤية» تفاصيلها و «تقويم» عواقبها عبر أعمدة رأينا المتواضعة المنشورة في صحيفة تشرين العتيدة تحديداً منذ احتلال الموصل و حتى اليوم. و لا بد من الإقرار هنا بأن هذا الغضب الإمبراطوري الجارف بات لا يضاهيه الآن أي غضبٍ شمولي شهدته البشرية في هذا الزمان المقيت ما بين أعلى الأرض و أدناها. و لن يجد القارئ الكريم معنا هنا أية مشقة في كشف زخم عواقب هذا الغضب على نماء و بقاء البشرية الراهن، و الذي تجسد اليوم حقيقة في حدوث الانحسار الاقتصادي العالمي من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب.
ربما تودُّ الإمبراطورية البترولية، حسبً رؤيتنا الواقعية المتواضعة لأسباب حدوث هذا الانحسار الكبير، أن تقلب الطاولة في وجه المؤسسات الرأسمالية الغربية عموماً، و الأمريكية منها خصوصاً، باعتبارها قد «أخفقت» حقاً في إدارة شؤون و شجون: «الدعم» الظاهر لمؤسسات الحرب الشمالية، و «التمويل» الباطن لأجهزة الأمن و الحرب الغربية قبل و خلال و بعد الهزائم الإمبريالية التي تحققت على بطاح الوطن العربي بشكل خاص. و بعيداً عن «فضح» قادة هذه المؤسسات الاقتصادية المنهارة، لم يملك حكام أمم الشمال ـ و معظمهم من أزلام هذه المؤسسات ـ كثيراً من الوقت للإجابة على تساؤلات دافعي الضرائب الشماليين، و الأوروبيين منهم تحديدا، و الخاصة منها مثلاً: «بالكيفية التي أدت إلى إفلاس المصارف الشمالية الكبرى»، أو حول «الطرق التي تم عبرها سرقة أموال العباد» أو «إلى أين و لمن ذهبت أصول المؤسسات الرأسمالية المنهوبة سرّاً و علانيةً»، بل بادر هؤلاء الحكام ـ بأشكال شتى ودون أدنى تردد ـ «إلى تسديد» العجز المالي القائم صاغرين، بدون جدوى، و من جيوب دافعي الضرائب. شاهدُ ذلك قيام الكونغرس الأمريكي مثلاً بتقديم دعمِ ما لا يقل عن 700. بليون دولار أمريكي للمؤسسات المالية المفلسة هناك، و مبادرة الحكومات الأوروبية الكبرى لتطبيق خطة دعم أوروبية مواكبةٍ لا تقل عن 7،2 تريليون يورو لوقف انهيار الأسواق المالية الأوروبية، حيث نتبين منها، على سبيل المثال لا الحصر، قيام المجلس الوطني الفرنسي بحسم الجدل العام حول هذه الظاهرة القاهرة، و إقراره بتقديم دعمٍ وطني لا يقل مقداره عن 360 بليون يورو لإنقاذ المؤسسات المالية الفرنسية من الإفلاس الأكيد. كل ذلك مع ترك المؤسسات المالية العربية تحديداً تلاقي وعدها المحتوم بالسقوط المهين لدى أقدام من يقوم بحفظ ودائع الأموال البترولية لدى مصارف الشمال المتداعية، بل و رهن إرادة من يقرر تحريكها هناك.
على أي حال، يمكن تفسير هذا «التلازم» الوثيق القائم اليوم، بين الانهيار الاقتصادي الرأسمالي و ظاهرة «الانحسار» الجديدة هذه، باعتباره يشكل منطلقاً رئيساً و حاسماً «لاستئصال المرحلة الرأسمالية الفاشلة القائمة اليوم». الأمر الذي سيسهل البدء بتطبيق مهمة إمبراطورية بترولية منظورةٍ جديدة لا مجال فيها لأي استحالة. و بناء على ذلك، يمكن للشعب العربي ـ من المحيط إلى الخليج ـ توقع شهود عمليات استئصال سياسية /أمنية/داخلية/مثيرة على أرضه العربية، قد تتناول العديد من الصفوف الأولى لأنظمة الحكم القطرية القائمة اليوم. كما لا بد من التأكيد على أن: مردُّ هذه البداية إمبريالياً، كائنٌ في ضرورة «إعادة تصويب» المهمة الإمبريالية البترولية نحو قطع يد أي قرار بترولي وطني ـ عربي قد يتمكن من الوقوف، بأي حالٍ من الأحوالِ، بوجه أية حركة من حركات هذا التصويب المقرر. أضف إلى ذلك، التصميم إمبراطورياً على وضع الأنظمة العربية، الموالية لهذه الإمبراطورية و المتصالحة مع الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين الشهيدة، ، أمام امتحان الفرصة الأخيرة. لهذا نشهد اليوم جهاراً عمليات: «إيقاظ» مثيرةٍ «لصحب كامب دايفيد» هنا و هناك، و «تفعيل» ما قد تبقى لديهم من وسائل تلمودية قادرةٍ على (1) حشد اليائسين من أزلامهم، و في لبنان بخاصة، و(2) وعازمةٍ على رصِّ صفوف هؤلاء العملاء التلموديين عند زوايا المؤسسات العربية المالية /السياسية/ الأمنية المفلسة (!!!؟؟). كل ذلك تمهيداً لقيام حرب إقليمية / عالميةٍ جديدة حاسمة غايتها الرئيسة «تحقيق وضع الثروات البترولية العربية بيدٍ من لا يعرف للاستحالة و الرحمة و المدنية و الحضارة أي معنىً يذكر»، و الغد لناظره قريب.
الدكتور عدنان مصطفى
وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية )

التعليقات متوقفه