مَتَىْ يَحِيْنُ فَكَاكُ الْبِتْرُول عَنِ الْطُغْيَانِ؟

في الصراع الانتخابي الدائر اليوم حول رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية تتجلى مباشرةً حقيقة «طغيان» الإمبراطورية البترولية على واقع بقاء و مستقبل نماء المجتمع الأمريكي.

 و ليس ثمة شاهدٌ مؤكد على ذلك أنصع من أقوالُ المرشحين، المتنافسين على منصب الرئاسة، بشقيهم الديموقراطي و الجمهوري على حدٍّ سواء . فَتَحْتَ شعار « وقفة من أجل التغيير: a stand for change ” ، تتحرك آلة المرشح الديموقراطي باراك أوباما الانتخابية مظهرة بأن العامل الحاسم في هذه الوقفة ينطلق مباشرةً من تحرير القرار الذاتي الأمريكي من ربقة «إمبراطورية النفط الكبرى»، لينعم المواطن الأمريكي بإدارة شؤون حياته بشكل ديموقراطي لا ريب فيه، أي بشكل مغاير تماماً لما يجري في ظل حكم إدارة الطُغَمِ البترولية، التي يشكل جورج بوش واجهتها في البيت الأبيض الأمريكي اليوم . و في ختام جولة الانتخاب بولاية نيوهامبشير، ليل الثلاثاء 8/01/2008، قدم السناتور أوباما خطاباً بليغاً تحدث فيه طويلا و بشكل مبسط عن تَرَدِي الحياة الشعبية الأمريكية و تعثر قرار الولايات المتحدة الأمريكية و بخاصة ذلك المعني «بمكافحة الإرهاب» في كل من أفغانستان و العراق و فلسطين المحتلة و لبنان. داعياً بالحرف الواحد: «أيها الأخوة المواطنون المرهصون بضلال الإدارة الأمريكية السائد اليوم هبوا لوقف طغيان البترول!؟». ‏ من منظور السناتور باراك أوباما، و هو زنجي من أصل أفريقي، و ليس من منظورنا فحسب، يبدو أن الشعب الأمريكي بمعظمه مهيأٌ لصنع افتكاك البترول عن الطغيان الإمبريالي الجديد، و ذلك من خلال تبني أصول عقائدية جديدة لحياته و مستقبل أبنائه. لهذا انطلق خطاب السناتور أوباما و ربما السناتورة كلينتون من التبشير: (1) بإيصال رئيس للجمهورية مهما كان أصله لسدة الحكم، حتى لو كان كينياً أصلاً، حيث جاء تحقق البشارة الأولى بإعطاء السناتور أوباما تفوقه على السناتورة هيلاري كلينتون في بدء دورات انتخابات الولايات في ولاية أيوا يوم الثالث من كانون الثاني 2008، و (2) التقدم نحو إنهاء احتلال بلاد الرافدين و وقف حمامات الدم الأمريكية هناك، و ليس العراقية فقط، (3) تدبر عودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى كرسي «الحَكَم النزيه» في الصراعات الدولية المختلفة، و (4) الإنصات إلى صوت العقل في تعزيز تعايش نماء الشمال و الجنوب في شتى أشكال التنمية الإقليمية و الدولية، و (5) احترام الأصول الحضارية لشعوب الأرض بعيداً عن طغيان الأفكار التلمودية الماكيافيللية التي سادت «طبيعة أشياء» حكم الانغليكان الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية و خارجها (6) وقف نشر «قوى الظلام الإمبراطورية» تحت الشمس و بخاصةٍ تلك المتكشفة وضوحاً في توجهات أزلام الإمبراطورية الحاكمين في كل من بولندا و تشيكيا و رومانيا و أوكرانيا نحو بناء الدرع الصاروخي الأمريكي إياه، و المتماهية مع الطغم الأمنية الحاكمة في كل من جيورجيا و باكستان و إسرائيل، و في بعض أقطار الوطن العربي من المحيط إلى الخليج…الخ، و (7) تخليص القوى الأمنية الاستراتيجية الأمريكية من خضوعها الفظيع لطغيان «إمبراطورية تجارات السلاح و المخدرات» التي يعمل بعض قادة طغمة حكم الانغليكان الجديد في الولايات المتحدة و أوروبا )كديك تشيني و دونالد رامسفيلد و طوني بلير مثلاً …الخ) العاملة في الظلام تارة) أي في بعض بلدان أمريكا اللاتينية)، و المتكشفة جهاراً تارة أخرى (أي في بعض أقطار الجنوب، و في أفغانستان خصوصاً، ….الخ). ‏ أما من منظور العارفين حقاً بواقع «طبيعة الأشياء البترولية»، و هم الذين نتعلم على أيديهم الحكمة يومياً في مثل هذه الأمور، فإن التساؤل حول إمكانية حدوث الانفكاك المنشود يبقى دائماً رهن إدراك و تعامل شعوب الجنوب المنتجة للبترول ذاتها، و ليس حكامها، مع الحقيقتين التاليتين: ‏ (1) ـ بعد أن أفلح الكثير من أمم الجنوب، و العربية منها خصوصاً، في صنع صمود قرارها الوطني السياسي و التنموي مؤخراً، كان لا بد للإمبراطور البترولي من التحرك لرأب صدع انكسار أزلامه القائمين على إدارة شؤون العباد، و خصوصاً مع اقتراب حكم طغمة الرئيس بوش من نهايته المشينة، و تعزيز صمودِ من لم يزل واقفاً على رجليه بعد. و بناء على هذا الإدراك جاءت زيارة الرئيس بوش لدولة الطغيان التلمودي في فلسطين المحتلة يوم 09 كانون الثاني 2008 (أي في ذكرى الهجرة النبوية الشريفة تحدياً) و التأكيد للسفاحين هناك بأن إدارته متفانية إلى أقصى الحدود الممكنة في تطوير إسرائيل لتكون «دولة للشعب اليهودي» ومتباهية في رصِّ العقب الحديدية التلمودية على عنق أزلامها في الوطن العربي: بدءاً بحكومة محمود عباس و انتهاءً ببعض حكومات الخليج العربي، ‏ (2) ـ بعد اقتراب رياح الانحسار الاقتصادي (economic recession) من سماوات أمم الشمال، و الولايات المتحدة الأمريكية منها خصوصا (انظر بعض التفصيل مثلاً في كل من: World Economic Outlook, October 2007 p.11 www.ft.co.uk : 2/1/2008) ثمة قلق كبير ينتاب أمم الشمال حول الإمداد البترولي العالمي اليوم. فحقائق احتياطيات البترول المتراجعة (أي أن الاحتياطي البترولي العالمي لم يرتفع خلال عام 2007 إلا بقدر 1.1% ومعظم الاكتشافات الجديدة تم تبريرها اقتصاديا على أساس سعر البترول المرتفع و يمكن أن يتلاشى هذا الارتفاع في حال انخفاض السعر بقليل)، إضافةً إلى ترنح إمكانية الإمداد عند العتبة المنظورة لارتفاع الطلب العالمي بما لا يقل عن 1.4% خلال عام 2008 الجاري، تثير بشقيها تحركاً استراتيجياً يمكن أن يبدأ بشن الحرب العالمية الثالثة في إيران. لهذا يقوم الرئيس الأمريكي جورج بوش بمراجعة من في القرب من المعركة المحتملة لتأكيد الاحتمالات المهتزة. ‏ وَ في جميع الأحوال، سنذكرُ أنفسنا دوما أنه: «من لم يمت بالسيف مات بغيره»، و أن خلاص البترول من الطغيان الإمبريالي ـ التلمودي سيتحقق جدلاً عبر قومة أمم أوبيك جميعاً في وجه التلوث الحضاري المشين (انظر مثلاً: www.telegraph.co.uk: 10/1/2008)، الذي تشكل زيارة الرئيس الأمريكي للوطن العربي اليوم آخر مبتكرات واجهاته المشروخة، و بعداً للقوم الظالمين.

 
الدكتور عدنان مصطفى
وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية )
[email protected]


طباعة المقال طباعة المقال

قد يعجبك ايضا

التعليقات متوقفه