حَوْلَ مُسْتَجِدَاتِ الْحَفْرِ الْبِتْرُولِيّ فِيْ الْوَطَنِ الْعَرَبِيْ
مبدئياً، الحفر حفران في الصناعة البترولية الدولية: استكشافي و تطويري، يتم في الأول منه تأكيد استطلاعات المسوحات الجيوفيزيائية، بينما يجري في الثاني حفر الآبار الشاقولية و المائلة و الأفقية و غيرها (!؟) عبر طول و عرض الحقل البترولي المكتشف بهدف استجرار ما فيه من مخزون مؤكد، و ذلك عبر مختلف آليات الاستخلاص الأولي و الثانوي و الثالثي…الخ المعروفة اليوم في هذه الصناعة الاستراتيجية.
و باعتبار أن الأنظمة البترولية الحاكمة، مولهة، بل ” ملزمة مصيرياً “ بتلبية مشيئة “ إمبراطورية النفط الكبرى ” و رعايتهم لمصالحها داخل الوطن العربي، فهي لن تنفك البتة عن بذل منتهى جهدها لإمداد أمم الشمال، و الولايات المتحدة الأمريكية خاصة، بالنفط الرخيص نسبياً ( أي تقلُّ كلفة إنتاج البرميل عن الدولار الواحد الأمريكي )، و قيامها بكل همة و نشاط لتأكيد وجود المزيد من المصادر البترولية التي حبا الله بها الأمة العربية من المحيط إلى الخليج العربي لصالح ” النظرية الفندقية البترولية الإمبراطورية ” ( أي: النظرية التي تعتبر كل مصادر البترول العربية هي ملك لإمبراطورية النفط الأمريكية التلمودية، حيثُ يعتبر البترول ضيفاً مقيماً لها في الوطن العربي إلى حين رحيله كلياً عنه ). و من لم يدرك بَعْدُ في الشارع السياسي العربي هاتين الوظيفتين الرسميتين العبوديتين، نتمنى عليه العودة و الاستماعَ إلى أفكار و تصريحات العديد من وزراء خارجية هذه الأنظمة منذُ انعقاد ” مؤتمر وزراء الخارجية العرب ” في بيروت ( الاثنين 07/08/2006 ) و حتى اليوم، و ذلك حين يحاصرهم الصحفيون العرب – المثقلون برؤية دماء و معاناةِ أخوتهم المذبوحين على بطاح لبنان و فلسطين المحتلة – بسؤال هام و دائـم يقول: ” لقد افلح إشهار سيف النفط العربي في وقف إطلاق النار أيام حرب تشرين التحريرية 1973، فلماذا لا يشهر اليوم وقد دمر العدو الصهيوني – الأمريكي معظم بنى لبنان الأساسية و شرد الآلاف و قتل المئات من الأطفال و النساء و الشيوخ على تراب لبنان الوطني العربي الصامد ؟ “، فيكون ثمة جواب إجماعي لا يتغير يقول: ” و من قال أننا لا نستخدم النفط العربي كسلاح؟… “، وحينها ينظر السائلون إلى بعضهم، مرددين معاً بعجب شديد: ” و كيف يا صاحب المعالي ؟! “، حيث يجيبهم الأخير: ” إننا نستخدم يومياً سلاح البترول في بناء قدراتنا الاقتصادية الذاتية و نحقق بعوائده المعروفة مختلف خططنا التنموية القطرية…الخ “. و إذ يشكلُ هذا التعبير السياسي العبثي تجاوزاً مبيناً لحديث جدنا المصطفى، و خاتم الأنبياء و المرسلين صلى الله عليه و سلم، ذلك القائل: ” لا تُـجَـدِفُـــوا بِـنِــعَـــمِ الله “، فانه لا يمكن لنا – و نحن في آخر صف العارفين بالصنعة الطاقية عموماً – من التذكير بأن دحض مثل هذه الديماغوجية الرسمية العربية الجديدة هذه، يتطلب منا التذكير فقط بشاهد سياسي شمالي ذَكَّـرَنا به المفكر البريطاني المحترم باتريك سيل في مقالته التي نشرتها له جريـــدة الحيــــاة (يوم 04/08/2006 ) تحت عنوان: ” إسرائيل و أمريكا تخسران الحرب على ثلاث جبهـات” ( www.daralhayat.net ) حيث ترد في هذا الشاهد نصيحة تقول: ” حين تكون في حفرةٍ توقف عن الحفر “. علماً بأن حقائق الصناعة البترولية العربية الحديثة عامة و الخليجية منها بخاصة، تؤكد على أن تجديف، النظام البترولي العربي الحاكم هذا، هو في الحقيقة متواكب صُعُداً مع النشاط الحفري البترولي الرسمي العربي، ذلك الذي لا يقل معدل تحققه سنوياً – وفق تقديرنا العلمي – عن ( 8.8 % ) و ذلك بشقيه الاستكشافي و التطويري. على أي حال، و بمنتهى البساطة المهنية البترولية، يمكن لنا هنا عزو هذا الفعل التقني المستهجن، إلى ” حقيقة خضوع رؤوس النظام العربي البترولي الحاكم اليوم لتوجيه إمبراطوري صارم: يحث فيه الصناعات العربية البترولية، العاملة تحت إمرة النظام الأمريكي – التلمودي إياه، على تأكيد المزيد من وفرة الاحتياطيات البترولية و الغازية العربية، و ذلك بعد أن أدرك معظمُ مستشاري الإمبراطورية البترولية إياها حقيقة أن ” نمط نمو الاحتياطيات العربية المؤكدة اليوم ” ينحدر فعلاً دون ( 1.0 % ) سنوياً، في حين أن المطلوب شمالياً ( أي حسب خطة بوتين – بوش للأمن الطافي العالمي، التي تم الاتفاق عليها في قمة ثمانية سانت بترسبورغ عام 2006 ) هو أضعاف ذلك. و الخوف، كل الخوف، من أن يتكشف الحفر التطويري العربي، في المنظور العاجل، عن هبوط معتبر في قدر المخزون البترولي العربي المنظور من جهة، في حين تمضي النظم البترولية الرسمية العربية ذاتُها في هبوطها الذاتي داخل الحفر التي تقوم بحفرها على مختلف الأصعدة الوطنية العربية من جهة أخرى. و لا مناص لنا في هذا المقام من التأكيد هنا على أن أحدث و أعجب أعمال ظاهرة الحفر البترولية السياسية العربية قد تجسد حقاً في تنوعٍ ” للحفر التطويري السياسي ” يتبارى النظام العربي الكسير بمتابعته، حتى اليوم، بأشكال منحرفةٍ و أفقيةٍ شتى من تحت سطح قواعد الصمود العربي العتيدة، و ذلك بغرض تغطية العدوان الأمريكي – التلمودي الجاري اليوم على قدم و ساق في كل من لبنان و فلسطين و بلاد الرافدين”، متغافلاً عن ذكر العبرة الحضارية القائلة: ” من حفر حفرةً لأخيه وقع فيها “، و لات حين مناص.
بقلم الدكتور عدنان مصطفى
وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية )

التعليقات متوقفه