بين النفط والسياسة.. البِتْرُولُ العَرَبِيُّ: ضَيَاعٌ بَيْنَ الضِبَاعِ

كَشَمْسِِ صيف عام 2008 الجاري، تتكشف «طبيعةُ أشياء» ظاهرة الانحسار الاقتصادي العالمي ( Global Economic recession – GER ) ضارية من الغرب ، لتحرق الأخضر و اليابس، ليس لدى أمم الشمال الغنية فحسب، بل في قلب بقاء و نماء أمم الجنوب الفقيرة.

 

ثلاثة أبعاد رئيسة لهذه الظاهرة يهمنا الإشارة إليها في هذا المُقامِ هي:طغيان جشع الضباع الرأسمالية على وجود البشرية، ضياع أزلام الإمبريالية الجديدة في متاهات الصراع على المتاع البترولي العالمي، و نهوض قومة أمم الجنوب سواءٌ لصدِّ هجمات الضباع أو لردع أشكال الضياع. و لإدراك أثر هذه الهجمات في مناخ الضياع هذا، نأخذ من فم الحصان الإمبريالي ذاته، حين وصف بلسان أحد المرشحين لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، أي رجل الحرب الجمهوري الأمريكي السناتور جون ماكاين، إفلاس أحد أكبر أربعة بنوك أمريكية، هو بنك ليهمان الصهيوني، بأن :«قطط الرأسمالية السِمَان، قد حولت وول ستريت ‏

( Wall Street ) إلى كازينو قمار كبير، لا يمكن السكوت عليه بأي حالٍ من الأحوال…!؟» وهو قول كبير لمنظرٍ مثيرٍ في الجهل الاقتصادي (للاستزادة حول هذه الإثارة، يمكن العودة مثلاَ إلى معظم خطابات المرشح الرئاسي الديموقراطي الأمريكي، السناتور باراك أوباما .) ومن جهةٍ أخرى، ينشط السياسيون الشماليون في صب المياه السلطوية الباردة على رؤوس من يأخذه الحال من المنظرين الاقتصاديين الشماليين هناك لتبرير موجة الإفلاس المالية المتعاظمة (أي تلك التي إنتابت بنك ليهمان الصهيوني ـ الأمريكي بدايةً في يوم الأحد 14 أيلول 2008 )، أو الترنح الكبير في الأسعار البترولية، و حثهم على اعتماد التابلويدات الاقتصادية الرأسمالية التقليدية لتأكيد أن الأمر شأن تقليدي في عالم المال و الأعمال، يتخذ سلوكه من شكل حرفي( (M or Wفي جميع الأعمال و الأحوال، فما بعد الانحسار سوى الازدهار و العكس صحيح (!؟)و يعيدني هذا الحديث إلى النصف الثاني من ثمانينيات القرن العشرين الفارط، عندما حمي وطيس الصراع الفكري الطاقي حول «تكييف مسيرة بحوث الطاقة في البلدان النامية » و من بين جوانب هذا الصراع مثلاً، «قياس gauging » فعل العرض و الطلب على الطاقة عموماً، و البترول خصوصاً، في مسيرات بقاء و نماء الشعوب، كونه ـ كما ترى المدرسة الرأسمالية الاقتصادية المدرسية البائدة اليوم ـ هو المحرك الرئيس لمركب النمو الإنساني تحت شمس هذا الكوكب(!؟). و أذكر أيضاً، و بمزيد من الاعتزاز، تلك «الحكمة الإنسانية» الكبيرة التي دفعت قادة «المركز الدولي لبحوث التنميةIDRC ـ كندا و جامعة الأمم المتحدة: UNU Japan »إلى تمويل و رعاية أحد ابرز مشاريع البحث العلمي ـ التنموي الدولية و كان بعنوان: ‏

«بحوث الطاقة: اتجاهات و قضايا للبلدان النامية: ‏

” Energy Research: Directions and Issues for Developin Countries ” ‏

 

و الجدير بالذكر هنا أن هاتين المؤسستين الفكريتين الإنسانيتين الدوليتين قامتا بتسليم مهمة تنفيذ هذا المشروع لعشرة مفكرين تنمويين تطبيقيين جنوبيين تحت اسم:« مجموعة بحوث الطاقة Energy Research group, ERG » بقيادة مباشرة لصديقنا المميز العزيز و الاقتصادي التنموي الكبير الأستاذ أشوق ف. ديساي، و تحت شعار:«يجب على البحث الطاقي الانتماء إلى البحث حول كامل شؤون الاقتصاد و المجتمع و ذلك من خلال النظر في البيئات الطبيعية و التنموية و الحضارية و المدنية و الإنسانية التي تحتويها …الخ ». و تأكيداً على قوة و مصداقية هذا التوجه الاقتصادي الجديد، عمدت مجموعة البحوث هذه إلى «تكليف ما لا يقل عن مئة عالم تنموي ـ طاقي بتحقيق بحوث متقدمة ترسخ منظور هذا الشعار، حيث كتب لنا نيل حظوة المساهمة في«تقويم» العديد منها و شرف تحرير الصيغة العربية لتقرير مجموعة بحوث الطاقة هذه و كان بعنوان: بحوث الطاقة ـ اتجاهات و قضايا للبلدان النامية »و بنشر التقرير بمختلف صيغه الوطنية )أي العربية، و الإنكليزية، و الفرنسية، و الأسبانية…الخ( لم يعد ثمة مجال لأي تقويم طاقي، و بخاصة تبدل أحوال الأسواق البترولية الدولية، أن يفكر به تقليدياً، ففي ذلك بدء مسار الضياع القائم الآن في عالم الصناعة البترولية العربية خصوصاً. علماً بأن الفكر التقليدي بمجمله، سواء كان في العلوم الأساسية أو التطبيقية، أو التقنية، أو التنموية، أو الحضارية، أو الإنسانية، وحتى الكونية ( cosmology ) قد تكسر اليوم عند أقدام الكشوف العلمية الجديدة أو الشطحات الفكرية الماكيافيللية التي خاطت عباءات التوحش الإمبريالي الجديد و مهدت السبيل لتقدم شريعة غاب «امبراطورية النفط الكبرى » و أزلامها «الضباعHyenas » من أعلى الشمال لأدني الجنوب تحت شمس هذا الكوكب المستضعف (انظر بعضُ تفصيل ذلك مثلاً في مقال رأينا بعنوان: «بَيْنَ العدوين القَدِيمِ وَ الجَدِيْدِ: يَتَدَحْرَجُ بِرْمِيلُ البِتْرُولِ ، صحيفة تشرين 17أيلول 2008».و من هذا المنطلق، أتمنى على إخوتنا العرب الوطنيين (تذكر أن لا يكونوا ملكيين أكثر من الملك )أي الابتعاد في تقويماتهم لشؤون التردي العربي الراهن عن المَلَكِيَّةِ الفكرية الاقتصادية التي «بصموها» عندما كانوا طلاباً في جامعاتنا العربية انظر بعض جوانب هذه الحقيقة مثلاً في بحثنا المنشور بمجلة «عالم الفكر»الكويتية بعنوان: مسألة الجامعات العربية ـ منظور القبور الحية المجلد 24، 1 و 2تموز ـ كانون الأول 1995، و ذلك في الوقت الذي تخلى فيه بعض ملوك حكم الأمة العربية (رمزاً، بل بعض من في النظم العربية الحاكمة فعلاً )عن ملكيتهم الفكرية الخاصة بهم إياها، أولئك الذين دخلوا قريتنا العربية غصباً، و جعلوا الانسان العربي مهيض الجناحِ من المحيط إلى الخليج، و من ثم رهن إرهاصات «الأذى و الفساد» في طول و عرض وطننا العربي العظيم. ‏

 

24/9/2008

بقلم الدكتور عدنان مصطفى

وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق (سورية) ‏


طباعة المقال طباعة المقال

قد يعجبك ايضا

التعليقات متوقفه