بين النفط والسياسة.. بَيْنَ العَدُوَيْنِ القَدِيمِ وَ الجَدِيْدِ: يَتَدَحْرَجُ بِرْمِيلُ البِتْرُولِ
بعد حمد الله، يذهبُ الشكرُ الجزيلُ،ومن أعماق القلب، لكلٍ من رئاسة تحرير بعض المواقع الالكترونية، إضافةً إلى رئاسة تحرير صحيفة تشرين السورية العتيدة: www.tishreen.inf “.
و ذلك لإخلاصهم الوطني الوثيق لحضارتهم العربية المجيدة، الذي تجسد مؤخراً في جرأتهم بنشر بضعة آراء طاقية متراسلة لنا يمكن أن تقع في إطار ما سميناه فيزيائياً ” بنظرية كل شيء البترولية: Theory of Every Oily Thing TOEP “، حيث جاء التطبيق الأول لها عبر «فرزٍ» مبسطٍ لآثار موضوعتي « القوة الاستيطانية البترولية الموحدة الضاربة» و «تكشف هيئة عدو الإمبريالية الجديد البشعة». و باعتبار أن «ناقل الكفر ليس بكافر»، فإنني أقرُّ بأن هذا الشكر يأتي نقلاً أميناً لرضى القراء العرب عموماً و المختصين الطاقيين الشباب منهم خصوصاً، الذي أبدوه لنا مؤخراً، حول هذا الابتكار المتواضع. و من فم أحد أحصنة الإمبريالية الجديدة، بل أحد صبيان مكتب نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني في شركة هاليبرتون البترولية، ذلك الذي كان مزروعاً من قِبَلِ المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) في جماعة صبغة الله مجددي الأفغانية، و هو الرئيس الأفغاني الحالي حامد كارزاي إياه، جاء كفُّ مشقة حديثنا التفصيلي عن نهوض/ أفول الأعداء عبر محاورته، الغاضبة و الجريئة نسبياً، للكيفية التي ينظر بها قادة «إمبراطورية النفط الكبرى» لواقع تفسخ هيئة العدو القديم (أي الإرهاب الدولي)، و تبريراً لمساعٍ قادته إلى البحث عن هيئة عدو بترولي جديد. و قبل الدخول في صلب هذه المحاورة، يجدر بنا التذكير بالمبررات الأساسية التي ساقها حامد كارزاي بالنيابة عن سادته، من تجار البترول و المخدرات و السلاح، حول «الحرب على الإرهاب»، و التي أكد فيها على ضرورة «مقاتلة / إفناء» أولئك المهووسين دينياً (بل إسلامياً) و الحاقدين على «المدنية الغربية: Western Civilization….الخ». و في معرض الإجابة على سؤال مراسل التايم المتحدي له و القائل: «كيف يمكنكم محاربة عدوٍ لا يملك أمامه سوى التضحية و الفداء بالذات من أجل قضيته»؟ ، قال كارزاي ما معناه: أشعر بأنني مضطر للاعتراف بأن العدو القائم قد تم «اختراعه» من قبل الولايات المتحدة الأمريكية خلال عقد الثمانينيات من القرن العشرين الفارط، لنزع أفغانستان من يد الاتحاد السوفييتي وقتئذٍ، باعتبارها بلداً ضخماً يتوسط مكامن البترول و الغاز الطبيعي و اليورانيوم ما بين الصين و أوكرانيا. على أي حال، لاستئصال هذا العدو على المدى الأوسع يجب علينا مداواة جراح ثلاثة عقود خلت من الزمان، و أولئك الذين تخلوا عنا و تركونا مع كل هذه الفوضى انتشروا في الأرض، هم الذين أسسوا لحدث 11 أيلول 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية دون جدال قطعاً…الخ». و عندما احتج مراسل التايم قائلاً: ” ليس المسئول عن هذا هو الغرب وحده أليس كذلك؟»، رد كارزاي قائلاً: «ربما كان المسئول الرئيس عن ذلك هو حلفاء باكستان في النظام العربي الحاكم (!!؟)… و جماعة صبغة الله مجددي، التي كنت واحداً منها… الخ، لكن المخابرات المركزية الأمريكية (CIA ) كانت «سيدتنا المطلقة» تلك التي قدمت لنا جهاراً ما لا يقل عن 2 بليون دولار أمريكي سنوياً منذ عام 1979 و حتى اليوم. و أوكد بأن مشروع أفغانستان الأمني – الأمريكي التحتي، كان من أكبر مشاريع الحرب الباردة السرية، و هو الذي دمر البنية التحتية الوطنية عموماً و الزراعية منها خصوصاً، كما أرغم الشعب الأفغاني على التضحية بما لا يقل عن مليون شهيد و قرابة مليون و نصف جريح، مع هروب خمسة ملايين أفغاني إلى باكستان المجاورة… و لقد حفز انهيار الاتحاد السوفييتي كل النخب الأمريكية الحاكمة (وهي الموظفة بشكل مطلق لدى إمبراطورية النفط الكبرى) على توظيف العديد من الذرائع لاحتلال العراق و نشر ما لا يقل عن نصف مليون جندي أمريكي في الخليج العربي ما بين عام 1991 و حتى اليوم…”. و بالإطلاع على تفاصيل مقابلة التايم للرئيس كارزاي، نجد أنفسنا متفقين تماماً مع السؤال المتحدي الكبير الذي أورده محررها في ختام تقويمه لتطور هيئة العدو القديم و الذي جاء فيه: «هل تتفقون معنا في أن عبث الولايات المتحدة الأمريكية بشؤون أفغانستان تحديداً، خلال 30 عاماً خلت، كان صندوق باندورا الحقد على الإمبريالية الجديدة و مبعث كل الشرور حتى الآن؟»، حينها انتاب كارزاي الاضطراب وسكتت شهرزاد عن الكلام المباح، في حال مضى أصحاب كارزاي في تحمل عناء دحرجة برميل النفط صُعًداً حتى مرتفع 147 دولاراً للبرميل الواحد حتى مطلع شهر آب عام 2008 الجاري، الأمر الذي كشف جهاراً حال الانحسار الاقتصادي الرهيب السائد اليوم في عالم الشمال و في بريطانيا بشكل خاص. و مع تعاظم زخم تقدم ما أطلق عليه اسم: ” مقاومة التمدن: civilization resistance “، بل عدو الإمبراطورية البترولية الجديد، نتوقع أن يمضي العديد من أزلامها، من أمثال الرئيس الباكستاني المهزوم برفيز مشرف، في عزو فشلهم إلى ” اضطراب العقل الإمبريالي ” إزاء نجاحات المقاومة الوطنية الجنوبية و صمود العديد من أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبيك) في وجه الطغيان (كما فعلت فنزويلا سياسيا مؤخراً، و أكد ذلك مؤخراً الأستاذ شكيب خليل رئيس مجلس وزراء أوبيك مهنياً : أنظر نصَّ تصريح الوزير في جريدة الحياة، فيينا، 10/9/2008)، و سيمضي سعر البترول العالمي في الترجح بين 104 دولارات و احتمال تجاوزه 160 دولاراً قبيل أفول عام 2008، إن لم يمضِ ثقل وزن هذا البرميل في الازدياد وفق منظور «نظرية كل شيء البترولية TOEP» و ربما يمضي هذا البرميل الثقيل في تدحرجه بين عقيدتي العدوين الجديد و القديم ليسقط عنيفاً فيكسر رأس أزلام الإمبراطورية البترولية من المحيط إلى الخليج، و ذلك بعزم العرب المؤمنين بحقهم بالحياة الكريمة العزيزة، حيث نعتقد أن هذا الحلم الوطني ـ العربي ليس على الله بعزيز.
* الدكتور عدنان مصطفى
وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق (سورية)
profamustafa@myway.com
نشرت المقالة في جريدة تشرين بتاريخ 17/9 /2008

التعليقات متوقفه