عالم النفط – الحذر في تقويم الخسائر
21/09/2008
على رغم فداحة الخسائر التي أصابت المؤسسات المالية الأميركية، يجب توخي الحذر عند تقويم آثار هذا الحدث في الاقتصاد العربي والمؤسسات المالية الإقليمية، خصوصاً في هذه المرحلة، فالوقت لا يزال مبكراً للحصول على صورة واضحة وشاملة حول ما يحدث فعلاً.
فالانهيار هو جزء من آثار أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة التي بدأت قبل أكثر من سنة، وثمة خوف من ان تمتد إلى قروض بيع السيارات وبطاقات الاعتماد في الولايات المتحدة. وهنا ستكون الطامة الكبرى، ليس فقط بالنسبة إلى الاقتصاد الأميركي، بل العالمي أيضاً. أما في ما يتعلق بالآثار الإقليمية، فقبل الكلام عن الانعكاسات على البورصات المحلية أو المصارف العربية أو توقع اتجاهاتها، المهم أولاً ان نتمعن في السياسات المالية والنقدية التي ستتبناها الحكومات لمساعدة المؤسسات المالية، خصوصاً في الدول النفطية، وتوقيت هذه السياسات والمبادرات، مع الأخذ في الاعتبار ان معظم المؤشرات مقلقة.
يتزامن الانهيار المالي في الولايات المتحدة مع ارتفاع معدلات التضخم عالمياً وعربياً. فقد أدى ارتفاع أسعار النفط ومواد البناء والغذاء في السنوات الأخيرة إلى ارتفاع سريع وعال في نسب التضخم في الكثير من دول العالم، منها دول الشرق الأوسط. واستعرضت «الشركة العربية للاستثمارات البترولية» (إبيكورب) المتفرعة عن منظمة «أوابك»، ومقرها في الدمام، في تقريرها الشهري الأخير، موضوع التضخم إقليمياً من خلال بحث قيِّم شمل الفترة الممتدة بين عامي 2002 و2007، وصنف دول المنطقة في ثلاث مجموعات:
– الأولى تشهد تضخماً معتدلاً إلى معقولاً (أقل من ثمانية في المئة)، وتشمل المغرب، السودان، تونس، سورية وموريتانيا (سرعة بطيئة للتضخم)، ولبنان، البحرين والجزائر (سرعة متوسطة).
– الثانية: تضخم عال (معدل ما بين 28 في المئة إلى أقل من 15 في المئة)، وتشمل اليمن (سرعة بطيئة)، الأردن (سرعة متوسطة)، ومصر، الإمارات، الكويت، السعودية، ليبيا، عُمان وقطر (سرعة عالية).
– الثالثة: تضخم عال جداً (معدل نحو 15 في المئة)، وتشمل إيران (سرعة بطيئة).
ويشير تقرير «إبيكورب» إلى ان المجموعة الثانية ضمت معظم دول مجلس التعاون الخليجي، أي الدول المصدرة للنفط، باستثناء البحرين، التي صنفت في المجموعة الأولى لأن معدل التضخم فيها لا يزال معتدلاً إلى معقولٍ، كما احتوت المجموعة الثانية دولا استفادت من الريع النفطي، مثل الأردن. وصُنفت إيران وحدها في المجموعة الثالثة (تضخم عال جداً) فقد مرت بتجربة قاسية من التضخم العالي والمستدام.
تكمن خطورة التضخم في أنه انتشر عالمياً مرة أخرى بعد فترة طويلة من استقرار الأسعار، مع انعكاسات سياسية واقتصادية واجتماعية سلبية على فئات متعددة في المجتمع، خصوصاً الطبقات الوسطى وذوي الدخل المحدود.
تعرضت دول الشرق الأوسط، كبقية دول العالم، إلى موجة التضخم العالمي هذه، وان كانت الدول المصدرة للنفط استطاعت، حتى فترة قريبة، المحافظة على معدلات معقولة من التضخم، قبل ان تتردى أوضاعها أخيراً، على رغم ان موازنات معظمها وُضعت على أساس دخل متوقع أقل بكثير من الذي تحقق فعلاً. ولهذا طبعاً علاقة مباشرة بالزيادة الكبيرة في أسعار النفط والغاز. والسبب يعود إلى السيولة العالية التي توافرت لدى الحكومات والقطاع الخاص بسبب الزيادة في أسعار النفط والخام.
وبينما تركز وسائل الإعلام في الشرق الأوسط على ارتفاع أسعار الغذاء والإيجار كمثال على التضخم، تهمل في الوقت ذاته الارتفاع الذي يصيب أسعار سلع بقيت مستقرة لفترة طويلة، وفقاً للتقرير، فحقيقة الأمر هو ان التضخم ظاهرة واسعة، إذ يشمل الارتفاع العام في الأسعار.
ويشير التقرير إلى ان العوامل الخارجية في الاقتصاد المنفتح على الاقتصادات العالمية يمكن ان تؤثر في التضخم المحلي، خصوصاً تضخم أسعار المواد المستوردة. لكن في الوقت ذاته، يكون لسعر صرف العملة المحلية تأثيره أيضاً في معدل التضخم المحلي. من هنا يتساءل معدو التقرير: ما هو تأثير زيادة كمية الأموال في المنطقة في معدلات التضخم؟ ما هو تأثير العوامل الخارجية في معدلات التضخم المحلية؟ ما هي السياسات المالية والنقدية الواجب تبنيها لمواجهة التضخم؟
* كاتب متخصص في شؤون الطاقة
طباعة المقال
التعليقات متوقفه