قِيَاسُ السَعَادَةِ البِتْرُولِيَةِ العَرَبِيَةِ؟
منذ أن أنشأ الله، رب العرش العظيم، وجود الانسان الحق، جرى ” قياس: gauging ” ” حقيقة توجه بقاء و نماء هذا الوجود وفق نهجين لا ثالث لهما: رحماني واسع شامل، و آخر شيطاني ضيِّقٍ باطل. و فيما يخص النهج الأخير، نذكر جميعاً، أنه: حين خلق الرحمان الرحيم الانسان، و سوَّاهُ و نفخ فيه من روحه، قال للملائكة: ” قَعُواْ لَهُ سَاجِدِينْ “، أبى إبليس،
ذلك المخلوق من نار السموم، أن يكون مع الساجدين، مبرراً فعلته اللعينة هذه باعتماده أول ” نَهْجِ قياسٍ ضالٍ في الكون “، و معبراً عن قياسه الباطل هذا بقوله وقتئذٍ: ” لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون…” ( القرآن الكريم، الحجر، 33 ). و لدى تطبيق النهج الخير الأول في معالجة ما يعتري الوجود الطاقي الانساني الراهن من صعاب، و ما قد يواجهه مستقبلاً من تحديات، و ذلك كما حدث و تم خلال أيام إنعقاد المؤتمر السنوي السادس عشر للطاقة ( 8 – 10 نوفمبر / تشرين الثاني 2010 ) في رحاب مركز الامارات للدراسات و البحوث الاستراتيجية ( أبو ظبي، دولة الامارات العربية المتحدة )، حدث و إنفتحت أمام قلوب و عقول: المفكرين العرب خصوصاً، و نظرائهم و أصدقائهم الكرام الحضور من عالمي الشمال و الجنوب عموماً، أفاق تقدم أوطانهم و هم يقفون اليوم عند مفترق طرق نماء الانسانية جمعاء، و ليس ضمن الوطن العربي فحسب. و عند بداية هذا اللقاء العلمي الرفيع، تقدمت كلمة الدكتور جمال سند السويدي ( المدير العام لمركز الامارات للدراسات و البحوث الاستراتيجية ) الصفوف، لتدفع بمركب نهج ” القياس ” المنشود قُدُمَاً باتجاه كشف و محاورة مختلف أبعاد حقيقة: ” وقوف العالم اليوم عند مفترق طرق بين السعي إلى إنتاج مصادر للطاقة المتجددة و الاستمرار في الاعتماد على موارد الطاقة التقليدية التي يرى بعض الخبراء و المتخصصين إزدياد فرص نضوبها…”. و عند هذه البداية الطيبة، عمد الدكتور السـويـدي إلى إثــارة أذهــان المفكرين، حضور هذا الملتقى الدولي الهام، ليدققوا النظر في مختلف إرهـاصـات”: الكثير من التحديات الناشئة اليوم التي تواجه جهود البحث و الاستخراج و الانتاج و الامداد البترولي فضلاَ عن غموض المستقبل من حيث توافر الاحتياطيات أو المدى الزمني الذي تغطيه … ” . كما تمنى الدكتور السويدي، أن تفلح عملية القياس هنا ” بإخراج تقويمات أصيلة و جديدة في هذا الشأن الحيوي قادرة على تمكين صناع القرار التنموي الطاقي و متخذيه في الخليج العربي خصوصاً و في الوطن العربي و العالم عموماً، من إتخاذ نهج التقدم المنشود “.
و تأسيساً على هذه البداية القياسية الحكيمة الشجاعة، اتخذت ” عملية القياس ” الواقعية هنا الأطوار الحوارية العلمية – التنموية التالية:
(1) – فقد تم ” مسح: scanning ” آفاق و تحديات الجغرافيا – السياسية للبترول و الغاز الطبيعي باعتبارهما المصدرين الرئيسين للامداد الطاقي العالمي و ذلك في إطار مهددات فورات طلب المستهلكين الكبار في عالم الشمال تحديداً. مع الأخذ بنظر الاعتبار مقام إنحسار الأمن العالمي العام بوجه طغيان الهيمنة الامبريالية الشمالية المقيتة. و بنتيجة حوارات هذا المسح الواقعية، تبينت ثمة هوة متعاظمة باتت اليوم تفصل بين نفوس و توجهات أمم الشمال من جهة و أمم الجنوب من جهة أخرى. الأمر الذي يستتبع، كما بينت تقويمات دروس الماضي القريب، حدوث إضطراب ” متوحش: wild ” حاد، قد يخرج عن حده الأدني المحقق عبر حروب الخلجان العربية، و يقلب الطاولة في وجه حكماء التنمية الانسانية جمعاء في المنظورين الآجل إن لم يكن العاجل(؟!)،
(2) – و جرى ” رصد: monitoring ” معدلات التغاير في واقع وجود مصادر الطاقة الاقليمية و الدولية عموماً، و الهايدروكاربونية منها خصوصا، لتنكشف جهاراً ” طراوة: susceptibility” مقام الاحتياطيات المؤكدة أمام إطراد الطلب ” التمدني: civilized ” الرأسمالي على الطاقة، و تعاظم العجب ” الحضاري: cultural ” من استهانة أمم أوبيك و أوابيك بواقع الهبوط من قمة الوفرة البترولية العالمية، و تبديد عوائد أمم الجنوب على مذبح الانحسارات الاقتصادية الشمالية القاهرة،
(3) – و تم إيلاء إهتمام كبير ” لمعايرة: calibrating ” أداء الأسواق الطاقية الاقليمية و الدولية، حيث تبين جهاراً ” هشاشتها: fragility ” إزاء توحش الشركات متعددة الجنسيات و هجومها القائم حتى اليوم على الوجود البترولي العربي ( مصادر، صناعات، صنع قرار، التحكم بالعوائد،…) الأمر الذي غيب حقاً حقيقة وجودها في عالم الاقتصاد العالمي التقليدي،
(4) – و أخيراً التعرف على جوهر ” تجاهد: endeavor ” أمم الجنوب عموماً، و العربية منها خصوصاً، للوفاء بعقيدتي أوبيك و أوابيك عموماً، و فيما يخص العمل البترولي العربي، بما يرسي أصول جديدة للاعتماد المتبادل بشقيه الاقليمي العربي و الدولي.
لا ريب في أن بداية معرفية طيبة كهذه قد شكلت منطلقاً براغماتياً لخطوة حكيمة – طبٍّية – تنموية عربية باتجاه ترميم تلك السعادة الحزينة المرسومة هنا مؤخراً على جدار قلب العرب جميعاً من المحيط الأطلسي حتى الخليج العربي، و يبقى التقدم باتجاه تفعيل حوارات قياس هذه السعادة و رسوخ خطاها في ضمير المستقبل المنظور، رهن خضوع صناع القرار التنموي العربي المخلصين لمشيئة رب العرش العظيم ، فهو يفعل كما يشاء، على النحو الذي يشاء، و يبقى رزق العرب المرهصين بالتحديات المشار إليها آنفاً، بين يدي الواحد القهار.
الدكتور عدنان مصطفى
وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية )
رئيس الجمعية الفيزيائية العربية
الباب، محافظة حلب، سورية
15/11/2010 11:26:59 م

التعليقات متوقفه