استثمار قطاع الأعمال في الإنتاج والتوزيع ..خصخصة أم تشاركية ؟!…. بعد المازوت والبنزين ..مقدمات تبشر برفع غطاء الدعم عن الكهرباء

أخيراً، وبعد انقضاء أكثر من عام على إصداره كمشروع قانون، وبعد أن أشبع جدلاً ونقاشاً من جانب وزارة الكهرباء ولجنة صياغة القوانين في مجلس الشعب، تمّ إقرار قانون الكهرباء الذي يتضمن عدداً من القضايا غير المعمول بها سابقاً، وأبرزها، السماح للقطاع الخاص المحلي والعربي والأجنبي في الاستثمار بمجالي توليد وتوزيع الطاقة من خلال إحداث محطات جديدة، مع الإبقاء على مهام النقل بمؤسسة سيتم إحداثها قريباً ومرتبطة مباشرة بوزارة الكهرباء..،

وصدور القانون كان متوقعاً منذ بداية الصيف الماضي، انطلاقاً من وقائع ومؤشرات عديدة، أبرزها، التصريحات الرسمية الصادرة عن مسؤولين في الحكومة، والتي أكدت في غالبيتها. أن القطاع الخاص سوف يدخل في وقت قريب ميدان إنتاج الطاقة. ولمجرد إطلاق هذه التصريحات بكثافة غير عادية، كانت مؤسسة توليد واستثمار الطاقة قد تسلمت طلبات تقدم بها القطاع الخاص لإحداث محطات توليد موزعة على أكثر من محافظة، وأيضاً كان السيد وزير الكهرباء قد وقع خلال هذا العام على مذكرة تفاهم مع الشركة السورية القابضة، لإقامة شركة مشتركة سورية – قطرية يملك منها الجانب السوري (50) بالمائة من أسهمها، وتشير التوقعات الأولية، أنّه مع صدور القانون الجديد، فإنّ مشكلات توليد الطاقة وانقطاعات التيار الكهربائي عن بعض الأحياء سوف تذهب إلى غير رجعة، نتيجة ردم الهوة بين حقيقة الإنتاج والحاجة الفعلية للاستهلاك المحلي، فالأمر الذي كان معروفاً على مدار أكثر من ربع قرن، أنَّ هناك حاجة ماسة لزيادة محطات التوليد، نتيجة التوسع في مشاريع الاستثمار الخاص والتزايد السكاني واتساع حجم السكن والعمران والنشاط الزراعي والصناعي، وفي حال العودة إلى بعض الدراسات المختصة والأبحاث المنشورة في المنابر الإعلامية الرسمية، سنجد أنّ غالبيتها أجمعت على أنّ الزيادة السنوية المطلوبة من الكهرباء، تقدر بنسبة (100) بالمائة، وفيما لو لم يصدر هذا القانون، فإنّ العجز التراكمي من الطاقة كان سيمنع استقبال مشاريع الاستثمار ومنح التراخيص لقطاع الأعمال. وما يعزز هذا الاستنتاج، أنّ الوزارة وفي أكثر من مناسبة، كانت قد أعلنت، أنها تعاني من أزمة لجهة تمويل المشروعات العامة ، بسبب ضعف إمكاناتها المادية التي لا تسمح بتوفير البنى التحتية اللازمة للمحطات، وحسب أرقام رسمية صادرة عن مسؤولين في الوزارة، فإنّ الفواتير المطلوبة للإنفاق في مجال التوليد تقدر بنحو (240) مليار ليرة على مدار السنوات الخمس القادمة، وبالتالي كان لابدّ من إشراك القطاع الخاص في هذا القطاع.

 

وبمنأى عن كل ما يحمله القانون الجديد من بصمات إيجابية على قطاع الطاقة، فإنّ الأسئلة التي تتبادر إلى أذهان الكثيرين: هل دخول قطاع الأعمال على هذا الخط وبهذه القوة غير المألوفة سابقاً.. يعني أن رياح الخصخصة قد بدأت تهبُّ على هذا القطاع الحيوي؟!

 

والسؤال الأهم: إذا كانت الوزارة سوف تبادر بشراء الكهرباء من الشركات الخاصة بأسعار رائجة في السوق العالمية.. فهل يعني ذلك أنها سوف تضطر إلى رفع غطاء الدعم عن هذا المنتج؟!

 

بعد ساعات من صدور القانون، بادر الدكتور أحمد قصي كيالي وزير الكهرباء بالإجابة على السؤال الأوّل من خلال قوله حرفياً: “إن ذلك لا يعني بأي شكل من الأشكال وجود أي فكرة لعمليات الخصخصة باعتبار أنّ هذه العملية تجري بإشراف الدولة”. وبغض النظر عمّا يحمله كلام السيد الوزير من وضوح وغموض في آن، فإنّ المستقبل القريب نسبياً سوف يجيب على الأسئلة الآنفة الذكر، رغم أنّ كل التوقعات الأولية تشير، بأنّ ما يجري فعلياً لا يمكن إدراجه إلاّ ضمن التحرير المتدرج لقطاع الكهرباء، ففي بلد مثل سورية يشهد انفتاحاً متسارعاً على آليات اقتصاد السوق، من غير المستبعد أن تبادر الحكومة في المستقبل القريب أو البعيد نسبياً، في الإقدام على خطوات أخرى تسهم في التحرير الكلي لهذا القطاع، وإنما دائماً على مراحل ومن خلال “جرعات” بعيدة نسبياً عن طريقة ما يسمى بـ”الصدمة” فخلال عامين فقط رفعت الحكومة غطاء الدعم عن المازوت والبنزين، بعد أن سبقت خطوتها بأعذار ومبررات لم تكن مقنعة لغالبية المواطنين، وواقع حال الكهرباء لن يكون أفضل حالاً، خاصة أنّ هناك من يروِّج وبكثافة غير مسبوقة من الفريق الاقتصادي، أنّ سياسة الدعم تكلف خزينة الدولة أعباء مالية تقدر بمئات مليارات الليرات سنوياً، وحجة هذا الفريق، أنَّ هذه الفواتير يفترض إنفاقها على قطاعات أخرى مثل التعليم والصحة، وبالاتكاء على مثل هذه المقدمات، قد تبادر الحكومة في المستقبل القريب بإصدار قوانين جديدة تعلن من خلالها استعدادها لدعوة شركات ورجال أعمال لاستثمار قطاع الكهرباء من بابه إلى محرابه، وكل ذلك ضمن تسميات جديدة عنوانها “التشاركية” أو “التأجير” وسواها من التسميات التي تشجع هذا المسؤول أو ذاك في إطلاق التصريحات “المتباهية” التي تشير أنّ ما يجري لا علاقة له لا من قريب، ولا من بعيد بمفهوم “الخصخصة”!!

 

وما يشجع على التكهن أو الحسم في إمكان رفع غطاء الدعم في وقت قريب، أنّ عدداً من المسؤولين في الوزارة ومن خارجها، بادروا على غير العادة منذ شهور، ليس التذكير فقط بالفواتير العملاقة التي تنفقها خزينة الدولة على الدعم، وإنما أيضاً في الحديث وبأدق التفاصيل حول الأكلاف المرتفعة الناجمة عن الإنتاج، فحسب هذه الأرقام، فإنّ كل كيلو واط من الكهرباء يكلف نحو (7) ليرات، بينما يباع للمستهلك بمبلغ يصل إلى نحو (2) ليرة، بهذا المعنى، فإنّ الخزينة تتحمل نحو (5) ليرات عن كل كيلو، وحسب ذات التقديرات، فإنّ الكلفة الإجمالية للدعم تصل إلى (100) مليار ليرة سنوياً، عدا عن أثمان الفاقد المقدرة بنحو (35) مليار ليرة سنوياً، إلى جانب رواتب وأجور الموظفين وسواها من النفقات، ولا ننسى في هذا السياق أنّ الشركات التي ستحدث في وقت قريب، سوف تعمل على بيع الطاقة لوزارة الكهرباء بالأسعار الرائجة عالمياً وليس على أساس الأسعار التي تأخذ بها الوزارة منذ عقود، وهي قد تكون أقل بكثير من أسعار الشركات، كون الوزارة تقوم بإنتاج الطاقة من خلال محطات تملك أصولها وموجوداتها،.. أمام كل هذه الحقائق، قد تسعى الحكومة ومن خلال “سيناريوهات” متعددة إلى رفع الأسعار وبنسب متفاوتة من شريحة إلى أخرى، فالشركات الصناعية والتجارية قد يكون نصيبها في المرحلة الأولى أعلى من الاستهلاك المنزلي، ولكن في نهاية المطاف، فإنّ الأسعار سوف تطول الجميع وبذات النسبة التي يتوقع لها أن تصل إلى حدود (500) بالمائة قياساً بالأسعار الحالية.. وفيما لو صحت هذه التوقعات التي تصدر عن اقتصاديين ومهتمين في الشأن (الطاقوي)، فإنّ قائمة طويلة من المنتجات سوف تشهد موجات متلاحقة من الغلاء، ذلك أنّ الكثير من السلع تعتمد على الكهرباء في كثير من مراحل وحلقات الإنتاج، وهذا الأمر يذكِّر بما جرى في الأسواق في أعقاب ارتفاع أسعار المازوت، وفي نهاية المطاف فإنّ من يسدِّد الثمن هو المستهلك العادي الذي ليس بوسعه في كل مرة سوى الانحناء على أمل زيادة الرواتب والأجور وتحسين المستويات المعيشية، وأيضاً على أمل ألاّ تهب رياح رفع غطاء الدعم على مطارح أخرى مثل الخبز والرز والسكر، والتعليم والصحة!!.


طباعة المقال طباعة المقال

قد يعجبك ايضا

التعليقات متوقفه