فِيْ ظَلامِ المَنْجَمِ البِتْرُوْلِيّ العَرَبِيّْ: أَ ثَمَةَ بَصِيصَ نُوْرٍ؟

دَعْكَ إن إستطعتُ، أيها القاريء الكريم، من شوفينية الفكر الديماغوجي العربي السياسي الراهن، و لنطالع معاً ذلك البعد الرئيس ” للجناية التلمودية – الشمالية ” المقترفة جدلاً بحق الحال العلمي العربي المعاصر، و ذلك إنسجاماً مع أمر الله عزَّ و جلّْ القائل: ” قًلْ إنَمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحَدَةٍ أنٍ تَقُومُوا لَلَّهِ …” ( القرآن الكريم، سبأ، 16 ).

 

و سواء كنت من المؤيدين لنظام صدام حسين السياسي الزائل في بلاد الرفدين أو من المضادين له مثلنا، يمكن لنا بدء هذه المطالعة بتذكر أحد مبررات إمبراطورية الظلام البترولية لاحتلال العراق العظيم منذ مطلع القرن الحادي و العشرين الجاري و حتى اليوم، و التفكر ملياً، دون تعقيد، ببعض أبرز وقائع التدمير الوحشي ( the wild destruction ) لِبُنَىْ مدرسة العلم العربية التي بدأت نهوضها في مشرق الصمود الحضاري العربي. باختصار شديد – حسب التعبير التمنطقي لبعض إعلاميي العرب المتشاطرين عند مقابلاتهم الشحيحة للعلماء العرب الأحرار – يمكن القول جهاراً بأن العقد الأول من الحادي و العشرين الفارط قد شهد معنا – نحن العرب الأحياء – تحقق هذا التدمير، شاهدُ الحال هو قيام قوات الاحتلال الشمالية – التلمودية و شركاتهم الأمنية السوداء، و عصابات أزلامهم من العراقيين الذين جاءوا على ظهور الدبابات الأمريكية – الاسرائيلية، باعتقال و تعذيب و إغتيال و تشريد ما لا يقل عن مئة ألف عالمة و عالم من أخوتنا العلماء العرب الأفذاذ في العراق خصوصاً و الوطن العربي عموماً. و من منظورنا نحن أبناء ” مدرسة العلم العربية ” المستضعفة، و بدون أدنى أي تعقيد يذكر، ما حدث لنا جميعاً، و من ضمننا أخوتنا في العراق هو شأن يحاكي ذلك الذي أصاب عمال منجم النحاس المنهار في سان خوزي في البراري التشيلية، مع فارق في العلة و ليس المعلول. و السبب الذي دعاني لحبك الحالين معاً، هو أن:

 

ü – شركات التعدين متعددة الجنسيات، التي تدير معظم مناجم الثروات المعدنية في عالم الجنوب، كما في البلاد التشيلية، تشكل فروعاً استثمارية إقليمية لامبراطورية الظلام البترولية التي تصنع الحروب بغرض إقامة مصالح أمم الشمال على حساب ثروات و عوائد الجنوب، كما حدث و لم تزل تفعل حتى الآن ما بين شرقي البحر الأبيض المتوسط و غربي باكستان مثلاً. و حيث يتعاظم الجشع، لا تعير الشركات التعدينية هذه بالاً لحماية أرواح و صحة و أمن عمال المناجم ، كما لا يعير العديد من أنظمة الحكم العربية بالاً لوجود أبناء ” سكان مدرسة العلم العربية الأحياء “. لهذا إنهار ” منجم الذهب العلمي العربي ” على رؤوس الشعب العربي ما بين المحيط الأطلسي و الخليج العربي، مثلما إنهار منجم نحاس ” سان خوزي ” في شمال التشيلي على رؤوس 33 عامل عند الخامس من آب 2010.

 

ü – و بحدوث إنهيار منجم ” سان خوزى “، إنهارت أسواق المعادن الرئيسة، فأيقظت رؤوس تجارة المعادن الأولية على التهديد الرأسمالي الذي سيحيق بمصالحها الاستثمارية هنا و هناك، لتتوجه ” إنسانيا ّ؟! ” كما إدعت / صدقت، نحو ” إنقاذ 33 عاملاً محتجزاً عند عمق 700 متر تحت الأرض. و قبل أن تشرق شمس الخميس 14 تشرين الأول 2010 ( أي اليوم )، تحقق للانسانية الحقة إنتصار علمها على ظلام استهتار مستغليها، و تم إخراج العامل المحتجز الأخير من منجم ” سان خوزى ” المنهار، في حال لم يأبه صناع القرار التنموي العربي للانهيار المعنوي / المادي الآخذ بناصية أسواق البحث و التطوير العلمية العربية لهذا لم يزل مئات الآلاف من أخوتنا العلماء العرب محتجزين في جوف ” منجم اليأس البترولي العربي ” المنهار!؟.

 

ü و بتتبع تفاصيل إنقاذ عمال منجم ” سان خوزى ” النحاسي، تبرز صورة رئيس الجمهورية التشيلية و هو يقود مباشرةً عملية إنقاذ أبناء وطنه المحتجزين في قلب منجم الثروة النحاسية. و عند خروج كل عامل محتجز، تقوم فرقة حكومية بعزف النشيد الوطني التشيلي بحضور معظم صناع القرار التنموي التشيلي الوطني، ومتابعة الاشهار الاعلامي الدولي المحتشد في ” سان خوزى ” لتغطية هذا الحدث التاريخي المجيد. ومن جهة أخرى، لا نجد سوى بضعة من ملوك و رؤساء و أمراء النظام العربي الحاكم يقاربون باستحياء بعض نداءات المجتمع العلمي العربي المسحوق في اعماق الفقر، و لدى شحّ تمويل البحث العلمي العربي، و في ظلام التهميش المسؤول عن نشر فلاحات العلماء العرب العلمية و التقنية التي طالما تلقفتها مؤسسات التطوير الصناعية الشمالية دون عائد يذكر. في حال تقوم كثرة من صناع القرار التنموي العربي بتزيين صدور و جيد المهرجين و المتجردين و السارحين شرقاً و غرباً في قلب هيئات الفن العربي الممسوخ.

 

على أي حال، لولا أن العرب يعيشون أمامنا اليوم المراحل المبكرة لأفول عصرهم البترولي و نشهد مع المجتمع التنموي الدولي كله بمنتهى الحسرة بدء إنزلاق خطط نمائهم على منحدر الهبوط من قمة الوفرة البترولية، ما كنا لنجري هذه المحاكاة. فكم جفت أقلامنا و رفعت صحف نداءاتنا في هذا الصدد خلال العقود القريبة الماضية؟. و مع ذلك يبدو أن إلتزامنا / قدرنا بات مرصوداً في قلب إيماننا بعزتنا العربية ليعيننا على إخراج أنفسنا – نحن العلماء العرب – من منجم عزنا الحضاري، الذي نعتقد جازمين بأنه رغم إنهياره لن ينضب كما ينضب البترول العربي، و لله في خلقه شؤون.

 

الدكتور عدنان مصطفى

وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية )

رئيس الجمعية الفيزيائية العربية


طباعة المقال طباعة المقال

قد يعجبك ايضا

التعليقات متوقفه