العُشْبُ، البِتْرُولُ، وَ الضِبَاعُ

أثناء متابعتنا برنامجنا الرياضي اليومي، المقتصر على المشي الريفي الهانيء و التفكير العلمي الهاديء معاً، ذكرني ” العشب : grass ” في ريف الباب الذي نتريض فيه كل صباح، ” بطبيعة أشياء ” بقاء و نماء هذا المخلوق المتميز في المملكة النباتية العظيمة. فلقد أكرمه الله، جلت قدرته، بالمرونة اللازمة لتحدي قوى البيئة الطبيعة التي تحتويه،

 و بشدة التمسك في المشاركة بتكوين طيب عبق تراب الأوطان، و بالصبر على أنواء التمدن الظاهري للانسان عبر الزمان. فالعشب، كما هو معروف علمياً عبر ” التاريخ الطبيعي للأحياء ” تحت شمس كوكب الأرض اليوم، ” يجسد عنوان القناعة في البقاء: فبعضُ نَدَىْ الليلِ قادرٌ على جعله يسكر و ينام في تراب الريف ( rural ) بانتظار أن يغيثه الله، الرحمن الرحيم، ببعض المطر، الثلج،…الخ، ليهب من أحلامه و ينتصب فوق سطح الأرض موحداً المبدع الخلاق، يبتسم للشمس و هي تمنحة الطاقة لتحريك آلية التمثيل اليخضوري فيه، لا يابه لقطعان الأغنام و هي تلتهم سريعاً بعض مكوناته، و لايعطي أي بالٍ لعبث الانسان مهما كان. يتعامل براغماتياً مع الرياح: فهو ينحني دون إي إرهاصٍ لها بأشكال مرنة مناسبة، و يحكي – كما العشاق من المخلوقات الخيرة – حكايا الطريق نحو وحدة الوجود. و يجب أن لا ننسي بعد كيف يقوم بتطوير مرابطته ضمن مختلف أرجاء المناطق الحضرية ( urban ) فيتحدى أرجل المارة و دواليب السيارات و يتحمل قذارات المدن التي لا تُحد. و لربما، ربما، يحاكي حاله هذا أبناء مدرسة العلم العربية المستضعفين، و مفكري التنمية الطاقية الحائرين اليوم ( أنظر رأينا بعنوان: يَا عُلَمَاءَ العَرَبِ إِتَحِدُوُا: حَانَ إِيْقَاظُ الهِمَّةِ، www.syria-oil.com، 8-03-2009 ) و هم يواجهون ” عشبياً ” عسف أزلام إمبراطورية الظلام البترولية داخل الوطن العربي و خارجه إضافةً لجور صناع الحروب البترولية المأفونين هنا و هناك. و في هذا الوقت تحديداً، يبدو أنني لم أكن الوحيد الذي يفكر ” بالعشب “: إذ قامت محطة سي إن إن ( CNN )الأمريكية العتيدة يوم الخميس 16 أيلول 2010 الجاري بنشر نبأ عجيب حول ” قوة العشب ” أبداه أحد أبرز صناع قوانين الغاب الامبريالي البترولي ما بين غزة هاشم و كابول ( أفغانستان ) اليوم، و هو الجنرال الأميركي ديفيد بترايوس و أعلن فيه: ” ان التقدم الذي يتحقق في هذا البلد ( أي تركيع أفغانستان بترولياً ) هو ” بطيء جداً ” الى حد يشبه مراقبة العشب وهو ينمو (!؟)…الخ “. و في موقعٍ آخر، هو ” أي بي سي : ABC “، أوضح مراقبته العشبية هذه قائلاً: ” خلال وجودنا في أفغانستان حتى اليوم، عاينا تقدم القوات الأميركية والأجنبية ( أي الأطلسية ) على المتمردين ( أي المقاومة الأفغانية المجيدة )، و لكن المعارك بقيت صعبة جداً، ويبدو التقدم بطيئاً جداً أحيانا، كما تضيق رقعة سيطرتنا الميدانية في أفغانستان…الخ ” ( بترايوس: التقدم في أفغانستان بطيء كمراقبة عشب ينمو ” ، www.arabic.cnn.com “، الخميس 16 أيلول 2010). و ربما، ربما، أيقظ صمود العشب الأفغاني هذا ذرة من ضمير هذا الدموي الرهيب إن وجد!؟، فاضطر إلى تغطية فشله في تنفيذ السيطرة الامبراطورية البترولية على حقول أفيون السي أي أي ( CIA )، التي يديرها حامد كارزاي و مرتزقته ( أنظر التفصيل في مقال رأينا بعنوان: ” حُرُوبُ المُخَدِرَاتِ البِتْرُولِيَةِ: عِنْدَ ضَلالِ السُبُلِ !؟، موقع أخبار النفط و الغاز السوري، www.syria-oil.com ، 10-05-2009 ) و مناطق الاستكشاف البترولية الجديدة التي يديرها ريتشارد هولبروك ( الموفد الخاص للرئيس الأمريكي في أفغانستان ) ( أنظر التفصيل في رأينا المنشور بعنوان: ” إِمبرَاطُوريَةُ الظَلامِ البِتْرُولِيَةِ: وَهْمٌ أَمْ حَقِيْقَهْ؟،موقع أخبار النفط و الغاز السوري، www.syria-oil.com، 1-08-2010 ) بِعَزْوِ تعثر مهمته اليوم للمهووس الأمريكي التلمودي توم جونز الذي أضحك العالم الحر أجمع على محاولته حرق نسخ من المصحف الشريف في ذكرى 11 أيلول عام 2001 إياها، حيث يتجاهل الأخير و من وراءه أن من أنزل الفرقان هو الحافظ له من كل عبث. المشكل في العشب الوطني- العربي و غيره أن طغما من الذئاب البترولية تتراكض ضارية الان، ما بين المحيط الأطلسي و الخليج العربي، تمَّ أطلاقها مؤخراً لترويع الشعب العربي و أرهاص بقائه و خنق مقاومته الوطنية، و لقتل مقومات نمائه، ناهيك عن وجود شبكة مترامية الأبعاد للضباع المتوحشة النائمة ( حسب التعبير التجسسي الشمالي ) هي مرصودة الآن لتسوية فشل ثنائي الارهاب الامبراطوري البترولي: الرئيس الأمريكي السابق جورج والكر بوش المهزوم و رئيس وزراء بريطانيا الأسبق المأزوم، في تنفيذ السيطرة الشاملة – الكاملة على مصادر بلاد الرافدين البترولية. و من بين ابرز شواهد هذا المقام الارهابي السائد في المشرق العربي اليوم، نتبين على سبيل المثال لا الحصر:

 

(1) دور من تم إيقاظه من ضباع التطرف الطائفي – العنصري العراقية التي تساوم على حصصها البترولية مقابل السماح بتشكيل الحكومة العراقية منذ ما لايقل عن ستة شهور حتى اليوم،
(2) تحرك زمرة أبناء آوى (!؟) التلمودية المهيمنة على السلطة الفلسطينية و الآخذة اليوم بناصية حسم الصراع العربي – الصهيوني، تحت عباءة اليمين العربي الهابطة، لصالح إرضاء أوروبا ببترول شواطيء شرقي البحر الأبيض المتوسط، و(3) زحف حلفاء إسرائيل في قلب لبنان، ذلك المتجلي اليوم في تعاظم فجور الواجهة اللبنانية – الصهيونية ( و هي التي تضم عناصر مرتزقة في العديد من التنظيمات السياسية اللبنانية ) و دعوتها لتوجيه السلاح نحو صدور المقاومين الحرار من جهة، و إنفلات عهر القوات الميلشيا اللبنانية – الاسرائيلية ( و هي التي تضم بشكل متسارع عناصر مأجورة لصالح الرأسمالية الأوروبية – الاسرائيلية )،
و السؤال الذي يثار الآن، هل نحلم اليوم برؤية ” عشبنا الوطني – العربي ” المرابط في بلاد الشام و الرافدين، بمفاجأة الجميع، الأصدقاء قبل الأعداء، و يطرح مجدداً نموذجاً مقاوماً يضارع ذلك الذي يقوم بابتكاره و تطويره ” عشب أفغانستان النضر المقاوم “، بل ذلك الذي كسر الشوكة الأطلسية مؤخراً و ردها في أعناق مصوبيها في بؤرة الظلام البترولية إياها؟، و بذلك يتمكن هذا العشب العربي، المرابط عند الثغور العربية الصامدة الأخيرة، أن يكرم شعبنا العربي مهيض الجناح بتحقيق نصر مؤزرٍ جديد؟، يجعل من أعداء الحق العربي هباءاً منثوراً.

 

الدكتور عدنان مصطفى
وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية )
رئيس الجمعية الفيزيائية العربية
[email protected]/25/2010 7:56:00 PM

تقدمة: إلى إبنتي الأستاذة هند مصطفى


طباعة المقال طباعة المقال

قد يعجبك ايضا

التعليقات متوقفه