صَفْحَةُ البِتْرُولِ الدَمَويَّةِ:نَحْوَ طَيِّهَاْ أَوْ تَمْزِيْقِهَاْ؟
عند مطلع صباح الأربعاء من شهر آب 2010، إنطلق صوت الرئيس الأمريكي الدكتور باراك أوباما مخاطباً الشعب الأمريكي، ليعلن على رؤوس أشهاد الملأ الأمريكي و الدولي أن ” :المهمة القتالية الامريكية في العراق انتهت (!؟) “. و لَمْ تَخْفَ أمامنا تلك المرارة الكبرى التي سادت روح هذا الخطاب، حيث كان أحد أبرز شواهدها قول الرئيس الأمريكي أوباما: ”
و نحن نواجه تحديات اعادة بناء اقتصادنا واعادة ملايين الامريكيين الذين فقدوا وظائفهم الى العمل، قمنا الآن بسحب مئة الف جندي امريكي من العراق، و اغلقنا مئات القواعد العسكرية، او قمنا بتسليمها الى العراقيين، كما قمنا بنقل ملايين المعدات من العراق…و ذلك بعد أن دفعنا ” ثمنا باهظا ” في النزاع الدائر هناك: فثمة ما لا يقل عن أربعة آلاف جندي أمريكي قتيل منذ غزو بلاد الرافدين في آذار 2003 و حتى اليوم(!؟ (“. كما كشف الرئيس أوباما عن إعتزازه بما تفعله حكومته قائلاً بأن: ” هذا الانسحاب يشكل وفاءاً للوعد الذي قطعتَهُ للشعب الامريكي عندما كنت لا ازال مرشحا لهذا المنصب ( الرئاسي )…فقد حان الوقت كي نطوي الصفحة: Now, it is time to turn the page “.
و على الطرف المقابل، أي في إطار كيان حقل ” الاستقطاب: polarization ” النـاظم للفكـر السياسي الشمالي اليوم، يبـرز فجأةً عند ظهر يوم الأربعـاء ذاته ( 22 آب 2010 ) صوت أحد أزلام ” الحكومة السرية العالمية / إمبراطورية الظلام البترولية”، أي مجرم الحرب المسعور و السفاح التلمودي المدحور: طوني بلير ( رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ) مبرراً من جديد مشاركته للرئيس الأمريكي المهزوم جورج والكر بوش في قيادة عمليات غزو و احتلال العراق و صنع مذابحها الهولاكية السوداء ( يمكن الاستزادة حول تفاصيل هذه الأعمال، المشينة بحق التمدن العالمي كله، من خلال قراءة نصِّ المقابلة الصحافية ” لمجرم الحرب البترولي طوني بلير ” مع كبير محرري صحيفة الغارديان البريطانية، مارتن كيتيل، و المنشورة صباح يوم الأربعاء 1 أيلول 2010 بعنوان: ” World exclusive Tony Blair interview ” ). و المثير للخجل الانساني، كما يقول معظم صحافيو الشمال الأحرار، أن طوني بلير ( و هو يُوَقِتُ توقيع نُسَخَ مذكراته الشخصية مع إنتهاء خطاب الرئيس أوباما المشار إليه أعلاه ) لم ينفك البتة عن: ” التأكيد على ضرورة قيام قوات تحالف الشمال الامبراطورية باحتلال العراق لصالح إقامة بناء و تفعيل ” الديموقراطية التلمودية – البترولية في العراق ” من جهة، و ” مظهراً، و دون أن يرف له جفن، أسفه على موت ما لا يقل عن مليون إنسان بريء ما بين غزة هاشم و لبنان و العراق و أفغانستان “. فباعتقاد بلير التلمودي هذا، ” لا بد من دماء وطنية تقدم على مذبح هذه الديموقراطية (!؟) من جهة أخرى. و حول هذا الفكر الماكيافيللي / الهوبزي / البليريّْ المارق، لـم أجـد بين الآراء الاعلامية الشمالية الشجاعة، المنشورة حتى اليوم، أبلغ و أبسط من رأيٍ كاريكاتوريٍ عبقريٍ عنوانه: ” Ben Jennings On Tony Blair’s A Journey and Iraq”، قام برسمه الفنان البريطاني بن جينينغز لصحيفة الغارديان البريطانية لينشر في صباح الخميس 2 أيلول 2010. فلقد ميز هذا الفنان الكبير جوهر تعبير الرئيس أوباما ” قلب الصفحة “، المشار إليه بدايةً، و ذلك من خلال الحثِّ على ” إخفاء قباحات أعمال طوني بلير المنشورة في مذكراته الأخيرة “.
و في ما بين القطب السالب / المسالم القارّْ لدى المقام الحقيقي للرئيس المرهص أوباما، و القطب الموجب / المتوحش المتكشف عبر تصرفات مجرم الحرب التلمودي بلير الأخيرة، يسود إبتهاج كبير لدى قيادة ” الحكومة / الامبراطورية السرية العالمية “، ليس مَرَدَّهُ فَلاحُ مبادرات (!؟) أوباما – بلير اليوم، بل هو قائمٌ حقاً في ” طبيعة أشياء ” إذعان الاستثمارات البترولية العربية و تلبيتها الأمر الامبراطوري القاضي: ” بحمل أعباء تمويل و تحريك مختلف آليات إستكشاف و تطوير و إنتاج مكامن البترول العربية الرئيسة لصالح تعظيم إمداد خطط نماء أمم الشمال دون حساب (!!!)، و ذلك بدءاً من أعلى أقطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية و أدناها، و إنتهاءاً بكردستان العراق السليب “. ثمة سؤال وطني –عربي قد يثار الآن : ” إلى متى سوف يستمر قبولنا لهذا المقت الظلامي الدموي الرهيب؟ “. أعتقدُ جازماً بأن الجواب كامن فعلاً في كتاب ” رحلة: Journey “، بل في مذكرات مجرم الحرب طوني بلير، حيث أقرَّ الأخير بعظمة لسانه أنه: ” لم يؤخذ في الحسبان دور / كابوس المقاومة العربية في بلاد الرافدين أو إيران في العراق أثناء التخطيط لغزوه، حيث لم يتوقف سفك الدماء بعد هزيمة نظام صدام حسين…الخ “. و لا أحسب أن جواباً عربياً جاداً آخر، كالذي ربانا عليه أجدادنا و آباؤنا منذ الصغر و حتى اليوم، لن يكون إلا بصيغة ” كابوسٍ آخر جديدٍ ” ( حسب تعبير المجرم طوني بلير )، و حينها سيفوق إرهاص هذا الكابوس الصعب، المنظور قريباً بعون الله، كل توقعات المحتلين الشماليين و أزلامهم بخاصة في العراق الحزين.
الدكتور عدنان مصطفى
وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية)
رئيس الجمعية الفيزيائية العربية
[email protected]
الباب، محافظة حلب، سورية
02/09/2010 12:53:15 م

التعليقات متوقفه