بين النفط والسياسة.. أَرْبَاحٌ وَ انْبِهَاراتٌ بِتْرُولِيَةٌ رَهِيْبَةٌ ؟
في يوم الجمعة الثامن من آب 2008، و على أرض ملعب «عش الطائر»، الذي يتسع لـ 91 ألف متفرج، بهرت الصين العالم بافتتاحها المدهش لدورة بكين 2008 للألعابِ الأولمبية.
و قبل ذلك ببضعة أيام، بهرت «إمبراطورية النفط الكبرى» البشرية المعذبة بالفقر و الجهل و الجوع و المرض، بإعلانها مجمل أرباحها عن الربع الثاني من عام 2008 الجاري و الذي بلغ حدود 51.5 بليون دولار أمريكي، و هو حدث تجاري مبهر لا سابق له في تاريخ الإمبريالية الشمالية المعاصرة. فرغم خضوع الإنتاج البترولي في إطار كيان و نفوذ هذه «الإمبراطورية» لعوامل ذاتيةً
خلال الربع الثاني لعام 2008 الجاري، كالإضراب العمالي في نيجيريا و تأميم أحد أكبر مشاريع فنزويلا البترولية، فإن شركة إكسون موبيل البترولية (Exxon Mobil) رأس هذه الإمبراطورية الذي ينتج 3% من مجمل الإنتاج البترولي العالمي قد أعلنت عن صعود أرباحها الصافية بقدر 14%، مؤكدة رسمياً أنها قد حققت ربحاً لا يقل عن 11.8 بليون دولار خلال هذه الفترة. و المثير للاهتمام هنا، أن معظم هذا الربح (أي حوالي 10 بلايين دولار) قد جاءَ عبر «المتاجرة بالبترول»، و ذلك رغم هبوط انتاج الشركة الذاتي بقدر 8 %عن معدلات عام 2007 الماضي نتيجة للعوامل المشار إليها أعلاه. و من جانبها قامت شقيقتها «شركة شل البترولية(Royal Dutch Shell) بالكشف عن أرباحها الصافية المحققة خلال الربع الثاني نفسه من عام 2008، فبلغ قدرها حدود 11.6 بليون دولار، و ذلك رغم هبوط إنتاجها البترولي الذاتي بقدر 1%بالمقارنة مع العام الفائت. و لم تتخلف الشركات الشقيقات الشقيات الأخرى: أي شيفرون ( Chevron ) و كونكو فيليبس ( Conoco Phillips ) و بريتيش بتروليوم (British Petroleum ) و شركة توتال البترولية الفرنسية ( Total ) أيضاًً عن إشهار أرباحها المحققة خلال الفترة نفسها مؤكدةً على أنها قد جنت حقاً ما لا يقل عن: 7،5 بليون دولار، 5.4 بليون دولار، 9.5 بليون دولار، 7.3 بليون دولار على التوالي. و على الجانب البترولي الاحتكاري الأوروبي الأصغر نتبين أيضاً حصول شركة إيني الإيطالية ( Eni SpA ) على 5.4 بليون دولار أمريكي (أي بزيادة قدرها 52% عن العام الفائت)، و تحقيق شركة ريبسول الأسبانية – الأرجنتينينة (Repsol YPe) و شركة ستات أويل هايدرو النرويجية (Sttoil Hydro ASA)أرباحاً قدرها 1.4 بليون دولار و 3.7 بليون دولار على التوالي. و لا نجد البتة في الوطن العربي، أو في عالم الجنوب، من يستغرب حدوث ذلك سواءٌ: في الصين، بلد ثورة الفلاحين الفقراء على الظلم و الطغيان الاستعماري الرهيبين، أو في إطار الصناعة البترولية الدولية، موطن نفوذ «الإمبريالية الظلامية الجديدة». كما لن تجد قوماً مثلنا «يؤمنون بالله و اليوم الآخر»، ينكرون مثل هذه الشؤون الحقة بين الناس، فهي أعمال طبيعية مقدسة من حقوق بقاء و نماء الشعوب، شريطة أن تكون مشروعة حقاً، و غير مضرجة بدماء الأبرياء، تحت شمس هذا الكوكب. فلقد بدأت الألعاب الأولمبية 2008 في الصين أعمالها و هي تستمد قوة تنظيمها و صفاءها و إتقانها و تنوعها الفريد من طيب أصول الحضارة الصينية المقدسة. لهذا، لم تفلح حملات إعلام الشمال، البغيضة بقلة إنصافها، في تلويث سماء العالم عامة، و الصين بخاصة، بسيول «التخرصات الظلامية الضارية» حول خسف الدولة الصينية لحقوق الإنسان و حرصها على عدم نشر الديموقراطية الشمالية إياها، و هي جزء من دعاوى، تافهة مغرضة، لا ينفك الرئيس الأمريكي جورج والكر بوش، حتى قبيل هزيمته السياسية النهائية أمام خيار الشعب الأمريكي اليوم، بالتجوال حول الصين و غيرها، مبشراً بديموقراطية الظلام التلمودية التي أرسله رب التلمود لينشرها فوق جثث ملايين النساء و الشيوخ و الأطفال في عالم الجنوب، و في كل من أفغانستان و العراق خصوصا من جهة، و منذراً بشكلٍ مبهرٍ من جهة أخرى، و بقلم وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس الدموي، بالويل و الثبور وعظائم الأمور من يقترب من أزلام «إمبراطورية الظلام التلمودية»، كالرئيس الباكستاني برفيز مشرف، أو الرئيس الجيورجي ميخائيل ساكشفيلي، و غيرهما في الوطن العربي…الخ، و هم يتابعون اليوم تدمير بقاء و نماء شعوبهم لصالح «المهمة البترولية الظلامية» إياها. و المثير للحزن العربي في شأن هذه المهمة هو «انبطاح» العديد من الأنظمة العربية المنتجة للبترول أمام الإرادة الإمبراطورية، و المبادرة «بأشكال خفية شتى!!!؟» إلى مضاعفة إنتاجها البترولي حتى ليذهب بنا الفكر إلى أن أحد هذه الأنظمة العربية الحاكمة بات يضخ ما لا يقل عن 20 مليون برميل بترول يومياً، و ربما بيعه بأسعار عام 2003 سرياً و العياذ بالله. كل ذلك في الوقت الذي لا ينفك به نساء و رجال السياسة الأمريكية، مثل السيدة نانسي بيلوسي رئيسة الكونغرس الأمريكي، و الدكتور باراك أوباما المرشح الرئاسي الديموقراطي، عن تحفيز الرأي العام الأمريكي للضغط على إدارة بوش الفارطة كي تتصرف بشكل اتحادي مناسب يخفض حدة «المتاجرة البترولية» القائمة هناك على قدم و ساق. و لا يختلف اثنان تحت شمس هذا الكوكب، مع السيدة بيلوسي و الدكتور أوباما، على أن هذه المتاجرة الوحشية هي التي عملت على صعود سعر برميل النفط من 25 دولاراً عام 2003 إلى 147 دولاراً هذا اليوم، و هي التي تحرق حياة البشر من أعلى الأرض إلى أدناها، و هي التي تهدر دماء الأبرياء في الوطن العربي، كل ذلك كي يتحقق تعظيم أرباح الإمبراطورية من أدناها إلى أعلاها، فاعتبروا يا أولي الألباب .
20/08/2008
بقلم:الدكتور عدنان مصطفى وزير النفط الأسبق

التعليقات متوقفه