القَرَارُ البِتْرُولِيُّ العَرَبِيّْ:طَرِيقَانِ شَتَّىْ…؟

مع أفول زمن العقد الأول من القرن الحادي و العشرين الجاري، تأكد لصناع القرار التنموي الطاقي العالمي أن سنوات هذا العقد تشكل حقاَ استمراراً ” لسنوات ضياع إمبريالية ” لا ريب فيها. فلم تفلح ضربات إمبراطورية الظلام البترولية الحربية في الوطن العربي،

و لا الأزمات الرأسمالية المالية في عالم الشمال الرأسمالي، و لا حروب السلاح و الأفيون في مناطق الصراع الجنوبية، أي التي إمتدت ” ما بين القصرين ” الرئاسيين الأفغاني و الأمريكي، إلا في ” تلطيخ ” الأول باللون الارجواني و الثاني باللون الأسود (!؟). و من نوافذ قصور الحكام، عشاق هذين اللونين ( المميزين في هيئة الراية الامبريالية التلمودية ) في الوطن العربي خصوصاً و في عالم الشمال الامبريالي / الرأسمالي عموماً، لم تعد أعين سكان مثل هذه القصور تبصر خارجها سوى لافتة شعبية معارضة / غاضبة تكرر ( وفقاً لحكمة أرسطو ) مطلع تلك القصيدة العربية التاريخية للشاعر العبقري إبن الرومي تقول:

أَمَامَـَك فأنظر أي نهجين تنـهـجُ
طريقان شتى مستـقـيـمٌ و أعـوجُ

فكان أن ساهم العرب مجددا، سامح الله شاعرهم العظيم إبن الرومي، في إغضاب سكان هذه القصور الدموية / السوداء و جعلهم يركبون رؤوسهم، يمضوا في غيهم، منتهجين الطريق الآخر بدلاً عن الاستقامة الحضارية التي باتت تنشدها البشرية المرهصة اليوم، مفتدية توقها الانساني هذا بأرواح ملايين الشهداء الأبرار.

 

و مع مضي استراتيجية الطاقة الامبريالية الجديدة في تنفيذ غاياتها، لا يملك صناع التنمية الطاقية العربية سوى اتباع أي تكتيك ناظم لتوجهاتها في المنظورين العاجل و الآجل. و من أبرز هذه المتابعات، على سبيل المثال لا الحصر، أن:

 

أولا – لا يتواني قادة الصناعات البترولية العربية الرئيسة عن بذل منتهى جهودهم الاستكشافية و التطويرية و التوصل إلى إكتشاف مصادر بترولية مؤكدة جديدة، الأمر الذي يهديء من روع الأسواق البترولية العالمية، بل تأكيد تغلب العرض على الطلب في المنظور البعيد من جهة، و يريح قلب صناع القرار التنموي الرأسمالي و هم يعملون على رأب تصدعات الأزمة المالية العالمية القائمة اليوم من جهة أخرى،

 

ثانياً – لا يتوانى صناع القرار السياسي / التنموي العربي عن إرتداء عباءات سلطوية / أمنية / كارازائية / بترولية ( أي بدون أكمام مثلاً )، تمكنهم من الانشغال بمختلف تشكيلات / أزياء هذه العباءات الانسان العربي بدلاً عن التفكير بعواقب ” رفع الأسعار الطاقية ” على لقمة عيش أسرهم و من ثم بقائهم تحت شمس الكوكب،

و

ثالثاً – لا يتواني المستوطنون – من أزلام امبراطورية الظلام البترولية – عن تهيئة ذاتهم و رص صفوفهم استعداداً للحرب المنظورة ما وراء بلاد الرافدين.

 

و تأسيساً على أول هذه الأعمدة، يمكن مثلاً فهم لم تم ظاهرياً ( و المخفي أعظم ) رصد / صرف ما لا يقل عن 454.0 بليون دولار أمريكي لصالح الاستكشاف و التطوير و الانتاج البترولي، خلال السنوات القليلة المقبلة، و ذلك في إطار منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول ( أوابيك ) مثلاً. و بالتأكد من متانة بناء العمود الثاني يمكن مثلاً فهم ” رضوخ ” الفقراء، و أهل الريف العربي خصوصا، لقرارات أزلام الرأسمالية العربية الخاصة برفع أسعار المنتجات البترولية و الكهربائية. و يبقى الأدهى قائماً في ” التلاعب: manipulation ” تحت ” حطاطة و عقال ” الديموقراطية العربية، و في بلاد الرافدين المحتلة خصوصاً، بغرض إشعال نار الفتنة ما بين مصر و بلاد الشام و العراق تمهيداً لكسب الحرب البترولية الجديدة المقرر شنها على جمهورية إيران الاسلامية. و لن نقترح على القاريء الكريم أن يمعن النظر ” بتناغم ” هذه الخلفية الثلاثية قبل أن تقوم الساعة. و نعتقد أنه لن يفوت نظر الانسان العربي عموماً، تلك التفاصيل السياسية الجارية على قدم وساق داخل النظام العربي الحاكم، فهذه الأشغال ضرورية لضمان نجاح الحرب البترولية المقبلة، باعتبار أن درس فشل كارازاي في إدارة السيطرة على أفيون و يورانيوم أفغانستان لن تنساه الادارة الامبراطورية قطعاً.

 

و عند هذه العتبة الدموية / السوداء، يبدو أن ” مؤتمر الطاقة العربي التاسع الجديد : 9 – 12 أيار/مايو 2010 ” مقبل على الانعقاد قريباً في دولة قطر. و بتذكر أن الذين – تشرفت بمواكبتهم – في صنع مثل هذه القومة الفكرية / الطاقية / العربية / المشتركة العملاقة، كانت غايتهم صنع تلاحم الفكر الطاقي الوطني – العربي مع صناعة القرار التنموي – السياسي العربي المشترك، و ذلك بغرض إرساء عقائد براغماتية للاعتماد المتبادل بين الأمم، و قد كتب للمؤتمرات السابقة تحقيق فلاحات لا يستهان بها رغم ظروف الانكسار العربي، هل نتوقع المزيد من هذا التقدم؟ و أن المؤتمنين على هذا الواجب المقدس لم يغشى قلوبهم ذلك اليأس العربي القاهر الذي بدأ في مؤتمر قمة الكويت الاقتصادية الماضية و انتهى قبل بضعة اسابيع في جنبات قمة سرت العربية 22 ؟. أرجو الله أن تفلح منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول – أوابيك ” في رفع راية آباء هذا المؤتمر الكرام. فباعتقادنا، أن هذه الضرورة لازمة و كافية لهذه المنظمة العظيمة ( بل عشيرتي التنموية العربية العتيدة ) كي لا تفقد شماغها و عقالها للأبد حسب التعبير البدوي العربي (!؟)، مذكرين في هذا الصدد بقول الله جلت قدرته: ” وَلَن يُؤَخِّرَ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِذَا جَآءَ أَجَلُهَا‌ۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ ” ( القرآن الكريم، المنافقون، 11 ).

 

الدكتور عدنان مصطفى

وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية )

رئيس الجمعية الفيزيائية العربية

[email protected]


طباعة المقال طباعة المقال

قد يعجبك ايضا

التعليقات متوقفه