- أخبار النفط والغاز السوري - https://www.syria-oil.com -

مَنْ هُوَ المُنْكَسِرُ: البِتْرُولُ أَمْ أَهْلُهْ ؟

للحقيقة و التاريخ العلمي الشخصي المتواضعين، يبدو أن لا مناص لي من الاعتراف بأنني واجهتُ، عبر تاريخ تجاهدي العلمي الانساني المخلص، تحديين مميزين: في التحدي المبهج الأول – و تم أثناء حواراتي الأكاديمية بجامعة دمشق – توصلتُ مع طلابي الكرام إلى حقيقة إدراك ” مدرسة العلم العربية العتيدة ” لجوهر ” مفهوم الزمن ” و ذلك قبل عشرة قرون من الزمان سبقت قيام البرت آينشتاين بنشر نظريته النسبية الخاصة عام 1905.

 

 مؤكد ذلك ما هو مسجل في قلب الرسالة القشيرية حول الوقت ( أنظر التفصيل في ” الرسالة القشيرية “، الامام أبي القاسم عبد الكريم القشيري، القرن الرابع هجري، تحقيق الدكتور عبد الحليم محمود و محمود بن الشريف، مطبعة حسان، القاهرة، 1974 )، حيث تمَّ ابتكار فكرة ” التواقت : simultaneity ” المنشورة ( و المأخوذة نصاً و معنىً ؟!) في بنيان نظرية آينشتاين النسبية هذه. أما التحدي المبهج الآخر، فقد حدث و جاءني في قمة حيرتي الطاقية / السياسية الفكرية الخاصة بجلاء أقدار المنتصر و المنكسر في وجودنا التنموي العربي الراهن؟. و يكتسب هذا التحدي زخمه من طبيعة ذلك المتحدي البدوي الصغير / الكبير، بل حفيدي الأصغر عبد العزيز بن تركي حمش ( الذي لا يتكلم الا بالعربية الفصحى منذ بلوغه السادسة من عمره و حتى اليوم )، الذي سألني قائلاً: ” من هو المنكسر؟ “. و حسماً لترددي في الاجابة، بادر بالقاء كأسه الزجاجي على الأرض قائلاً: ” ذلك يا جدي هو المنكسر “. و باعتبار أن إسم حفيدي هذا هو عبد العزيز، أعتقد أن رب العزة، جلت قدرته، هو الذي ألهم هذا ” الفيزيائي التجريبي البدوي الجريء ” أن يضحي بكسر كاسه الزجاجي ليخرج جده ” الفيزيائي التجريبي البدائي الصابر ” من حيرته الراهنة؟.

 

و باستلهام شاهد التحدي الأخير هنا للتعرف على المنكسرين، يبدو ضرورياً الاحتذاء بحفيدنا عبد العزيز و إلقاء ” إناء الذات العربية ” على أرض الواقع العربي المتحجر لنكتشف جهاراً من هو المنكسر العربي الحق. بطبيعة الحال، لا يمكن ” للبترول “، رغم لزوجته المعهودة، أن ينكسر فهو سائل، و من شأنه في حال وقوع كأسه أن يمضي في ميوعته كالدم العربي المراق اليوم عبر مواطن عديدة من الوطن العربي. في حال يبقى وعاءه الوطني الأصيل ( أي الشعب العربي الذي حبا الله به هذه الثروة الناضبة ) أو إنائه البديل ( أي الأنظمة العربية الحاكمة ما بين المحيط الأطلسي و الخليج العربي ) هما القابلان فقط للانكسار لدى سقوطهما الفيزيائي على صخور التحدي الحضاري المحيطة بنا، و ذلك منذ أن أنزل الله جلت قدرته على جدنا محمد بن عبد الله المصطفى ( صلى الله عليه و سلم ) قوله: ” ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَـٰمَ دِينً۬ا‌ۚ ” ( القرآن الكريم، المائدة، 3 )، و حتى احتلال قوات الشمال الظلامية لبلاد الرافدين. حتماً الذي تكشف حاله هو ذلك ” الاناء البديل ” المنكسر عند أقدام النظام الرأسمالي الدولي. و هو وحده – دون غيره حتماً – هو الذي ترك البترول يسيل غزيراً ( بمعدل وسطي معلن رسمياً لا يقل عن 24 مليون مكافيء برميل نفط في اليوم ) مع ملايين الدماء العربية المراقة قهراً و بلايين العوائد البترولية المنفقة قسراً على برامج الاستكشاف و التطوير في الصناعات البترولية العربية التي تدير معظمها إمبراطورية الظلام البترولية. و تيسيراً لهذا الفعل الوحشي القاهر، تتناثر شظايا الوعاء العربي المكسور لتجرح أقدام الأبرياء و هي تركض في سبيل لقمة عيشها هنا و هناك، و لتشتت مسيرات الناس بعيداً عن صنع إشراقات مستقبل أطفالها، و لتقض مضاجع الباحثين عن النماء و حسن البقاء.

 

و مع تبدل أحوال الناس في مناخ هذا الانكسار التاريخي الرهيب، لم يبق أمام تحقق شاهد تحدينا الأول سوى رؤية فلاح التربص العربي في ضبط ” وقت ” اليقظة العربية المناسبة الجديدة حسب أصول النظرية النسبية العربية، أو صنع ” التواقت : simultaneity ” الدقيق في إطار النظرية النسبية الخاصة. و إضفاءاً لمزيد من الوضوح في هذا الأمر، نذكر بما جاء حول ” الوقت ، بل التواقت ” في الرسالة القشيرية، حين قال الشيخ أبو القاسم القشيري ( رضوان الله عليه ): ” حقيقة الوقت عند أهل التحقيق: حادث متوهم علق حصوله على حادث متحقق. فالحادث المتحقق، وقت للحادث المتوهم، تقول: آتيك رأس الشهر، فالاتيان متوهم، و رأس الشهر حادث متحقق، فرأس الشهر وقت الاتيان…” ( الرسالة القشيرية، مكرر أعلاه، الجزء الأول، 201 ). من لا ينسجم معنا في توقع مثل هذه الرؤية المعهودة للانسان العربي الحرّ عبر الزمان، نذكره برأس شهر تموز عام 2006، الذي كان ” وقت إتيان يقظة ” المقاومة العربية الشجاعة في لبنان التي كسرت شوكة العدو الصهيوني في ” وقت ” خروجه عن حدود طيشه عام 2006 مثلاً. و استكمالاً لتذكيرنا بمدلول ” التواقت ” العربي – الاسلامي، يقول الامام القشيري ( رضوان الله عليه ): ” الوقت: ما أنت فيه، إن كنت بالدنيا فوقتك الدنيا، و إن كنت بالعقبى، فوقتك العقبى، و إن كنت بالسرور فوقتك السرور، و إن كنت بالحزن وقتك الحزن…” ( الرسالة القشيرية، مكرر أعلاه، 201 ). و بذلك يقودنا إدراك التحدي الأول الذي واحهناها، إلى الاتفاق مع النظرية العربية النسبية في : ” أن الوقت ما كان هو الغالب على الانسان “. و التساؤل الذي لا بد من طرحه في ختام هذا المقال هو: ” ألم يحن للوعاء العربي الأصيل ( أي الشعب العربي ) أن يُغَلِبَ وقته كي لا يسقط مع ” الوعاء البديل “، فيجنب ذاته عـدم الانكسار و هو يتمسك قوياً ” يلحظ نعمة ” بتروله الذي بات دون جدوىً يسيل؟”.

 

الدكتور عدنان مصطفى

وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية )

رئيس الجمعية الفيزيائية العربية

[email protected]

4/9/2010 1:22:22 AM