الحُرُوبُ البِتْرُولِيَةِ الكُبْرَىْ:لِمَاذَا تَمْضِي قَدُمَاً؟!
و قد بلغت حرب البترول الظلامية الشاملة في بلاد الرافدين حدود هاوية فشلها الذريع، برزت في الوطن العربي قوى وحشية فاعلة نصبت كي تصنع غاشية إقليمية مماثلة جديدة (!؟). و في مقدم هذه القوى الامبريالية – التلمودية الناشئة اليوم، ياتي مثلاًُ: تفشي سميات نفايات صواريخ هذه الحرب، و تكاثف ملوثات رماد مدافعها، و تراكب آثام عصاباتها الأمنية السوداء (!؟)،
و تخندق موآمرات تشكيلاتها الماكيافيللية الاستيطانية الدائرة اليوم تحت عباءة الديموقراطية، و تكالب أزلامها على ما ظهر و ما بطن من أنفال حرب العراق البترولية عبر ما لا يقل عن عقد مضى من الزمان، كل ذلك إضافة إلى تفجر العديد من الصراعات الوحشية بين مختلف زمر المستوطنين ( من عرب و روم و عجم…الخ ) – الذين جيء بهم على متون دباباتها و طائراتها العمودية – بل تلك القوى الرأسمالية الرامية إلى بسط السيطرة و النفوذ على صناعة القرار الوطني – العراقي لصالح إمبراطورية الظلام البترولية. و من جهة أخرى، لا يسع أي منصف في العالم من أن يقرًّ واقعياً اليومً: ” بواقعية الفشل الذريع الذي ضرب مهمة إمبراطورية الظلام البترولية في الصميم، بل ذلك الذي قتل محرك التوق الشيطاني الرامي إلى بسط السيطرة الشاملة و الكاملة و الفاعلة على بترول العراق! “. و إنصافاً للحقيقة و الواقع، لا بد لنا من الاقرار موضوعياً: ” بأن الذي أعطى الفشل هذا عاقبته المخزية هو جدلاً ذلك الدم العربي الغزير المبذول على مذبح مقاومة الاحتلال و الظلم و العدوان الامبريالي الذي تقوده – و لم تزل – الولايات المتحدة الأمريكية، و ذلك بشكل مواكب لازهاق ملايين الأرواح العربية البريئة تقتيلاً و تشريداُ و تهجيراُ على يد القوى الشمالية – التلمودية الحاقدة على الأمة العربية العظيمة “. و فيما بعد هذه الكارثة الحضارية يبدو ثمة تساؤل كبير يقول: ” أثمة احتمال بأن تشهد البشرية عموماً، و أمم الجنوب خصوصاً، مرحلة سكوت حقيقي للمدافع الامبريالية، أم أن النظم الاقليمية الحاكمة ( كالتظام العربي الحاكم اليوم ) ستؤثر الالتهاء بالعاجل و تذر الآجل؟. و الجواب هو أن قيامة الترتيبات اللوجستية الامبريالية باتت قاب قوسين أو أدنى من التحضير لشن حرب بترولية على إيران في المنظور القريب. و يبقى محفز هذه الرغبة كامناً في حقيقة إطراد نمو المجتمعات البشرية عموماً، و لا يتم ذلك دون إرتفاع الطلب العالمي على البترول بمعدل أكبر. و إذ يتم نمو الأخير بقدر لا يقل عن 1.53 % سنوياً منذ مطلع القرن الحادي و العشرين الجاري و حتى اليوم، فإنه ليتوقع أن يستهلك العالم ما لا يقل عن 110 مليون برميل يوميا في عام 2020. في حال لا يملك نمو الاحتياطي البترولي الدولي مثل هذه القدرة على النمو. و بتأكد قيادة الرأسمالية العالمية من حقيقة دخول العالم مرحلة الهبوط من قمة الوفرة البترولية، كان لا بد لها من التحرك للسيطرة على ما تبقى خارج سيطرتها من مصادر بترولية كبرى كالتي تمتلكها إيران مثلاً. فمن منظور المصلحة الامبريالية الجديد لا يمكن البتة التغاضي عن سلوك رابع أكبر منتجة للبترول في العالم، أي جمهورية إيران الاسلامية، و هي تمضي مستقلة بتعزيز مختلف قواها النهضوية التنموية الوطنية، و تحت إبطها ثاني أكبر مصدر بترولي مؤكد في إطار أقطار أوبيك( أي 138 بليون برميل بترول ) و ثالث إحتياطي بترولي في العالم. و بصدد الحرب الامبريالية المنظورة على إيران، يقتضي الواجب الفكري – الانساني لفت الانتباه إلى دور واحد من أكبر محرضاتها، ألا و هو ذلك التفسخ السياسي الآخذ بناصية أزلام الامبريالية الأمريكية – التلمودية المستوطنين في العراق، فهو باعتقادنا سيؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى فشل أي نظام حكم تبعي عراقي مقبل بمهمة تصعيد إنتاجية العراق البترولية حتى 12 مليون يومياً حسب المنظور الامبريالي المحدد للعراق. و ليس ثمة من ينكر اليوم أهمية المرونة / العزيمة السياسية التي تتحلى بها القيادة الايرانية و هي تحاور قادة الامبريالية العالمية الجديدة فيما يخص قرار النماء / المضاء الايراني حول معظم التوجهات الايرانية – الاسلامية. كما لا يمكن البتة التغاضي عن مظاهر الاحباط التي باتت تغشى قلوب المفكرين / السياسيين / العسكريين الامبرياليين عبر محاولاتهم الترغيبيةً / الترهيبيةً لثني عنان القيادة الايرانية عن: (1) متابعة برنامجها الكهرونووي – الوطني، أو (2) تهدئة مسيرات التقدم المدني الايراني باتجاه تعزيز السيادة الوطنية، أو (3) التخلي عن الالتزام الايراني بدعم و تعزيز قوى التحرر الاسلامية و العربية، و ذلك على سبيل المثال لا الحصر. و على هذا الأساس، يمكن لنا في هذا المقام التنبيه إلى ” عبثية ” الاعلام الشمالي و هو يسعى لاثارة الرعب في قلوب الايرانيين و العرب من أهوال محتملة ستواكب تلك الحرب المنظورة على إيران ( أنظر تفصيل ذلك مثلاً في تقرير www.wsws.com بعنوان: Washington ratchets up war threats against Iran ،حول لعبة معهد بروكينز الخاصة بموضوع الحرب المنظورة على إيران ) ، مع الأخذ بنظر الاعتبار ” جدية ” التحركات الامريكية – الاسرائيلية السياسية / العسكرية في رأب هذا الصدع المعنوي القائم اليوم في قلب إمبراطورية الظلام البترولية، بما في ذلك من تخزين قنابل و صواريخ مضادة للحصون العميقة في المستوطنات العسكرية الأمريكية في كل من جزيرة دييغو غارسيا، و فلسطين المحتلة، و ربما في بعض الخلجان العربية (!؟)، كل ذلك إضافة إلى ” بيع ” العديد من حكومات الجنوب ( الدائرة في فلك إمبراطورية الظلام البترولية ) مزيداً من العتاد الحربي المناسب لدعم عمليات الهجوم على إيران. و لا يسعنا في ختام هذا المقام سوى الاشارة بمزيد من التقدير الكبير للمفكرين الشماليين المنصفين القائمين اليوم على توضيح مخاطر الحرب المنظورة على إيران، حيث يجمع أكثرهم على أن: ” الهجوم الأمريكي – الاسرائيلي على إيران لن يقتصر دماره على شواطيء الخليج الشرقية فحسب، بل ستشهد ساعاته الأولى إراقة دماء الآلاف من سكان شواطيء الخليج الغربية قبل الشرقية، و ستتجسد تداعياته الاقليمية و الدولية بتفجر حروب نووية أقليمية وحشية دامية لا يعلم مدى دمارها سوى الله “.
الدكتور عدنان مصطفى
وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية )
الجمعية الفيزيائية العربية
طباعة المقال
التعليقات متوقفه