المُظْلِمُ وَ المضِيءُ وَ البِتْرُولِيُّ
في غياهب عصر الرماد الامبريالي المتوحش الجديد، ثمة شرخٌ أصابَ صدرَ مرآة الوجود العربية الراهنة، فعاثت آثاره فساداً / إفساداً في مختلف مناحي بقاء / نماء الانسان العربي. و لقد تكشفت إرهاصات هذا الشرخ جهاراً عن زمرٍ عربية غافلة / مستغفلة ما و هي تساق راغمة / راضية إلى بؤر الظلام الحضارية السائدة اليوم،
في حال تبدو زمراً عربية أخرى مرابطة / متجاهدة للحفاظ على قيمها الحضارية العربية الحقيقية، و ذلك بكل ما آتاها الله من صبر و حكمةٍ و إخلاص. لهذا و تحت شمس كوكب الأرض، المكسوفة اليوم بآثام إمبراطورية الظلام البترولية، لن تجد مثلاً بين زمر الصنف الثاني هنا سوى قلة كامنة / متربصة ضمن بنيان النظام العربي الحاكم، تتجاهد بأشكال شتى لتخلص أرواحها من ربقة و آثام الظلام الرأسمالي القاهرة، فلعل هذه الزمر الأخيرة تحظى ببلوغ مقام براغماتي مناسب لها يمكنها من التحرر / الانفلات الحق الذي يجعلها قادرة على الالتحاق بالجانب الوطني – العربي المضيء من جهة، في حال ” تشقى: wretched ” زمر الصنف الأول، و أغلبها كامن بطبيعة الحال في الأصول الرئيسة لطبقات الشعب العربي الفقيرة و المحكومة عسفاً / عفساً ” بطبائع استبداد ” ذلك الشرخ المظلم من جهة أخرى. و المؤكد لحقيقة التشرخ هذه، هو أنه ما بين ضحى يوم السبت 27 آذار 2010 و حتى اليوم ( أي 28 آذار 2010 )، حدث أثناء إفتتاحِ ” مؤتمر القمة العربية 22 ” المنعقد بمدينة سرت الليبية التاريخية أن تجلت بشائر خير / أملٍ جديدة لا ريب فيها. فمن جهة، جهر رئيس القمة العربية 21 ( الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر) بكامن رغبته (؟) في فتح الباب أمام قادة النظام العربي الحاكم لالتحاق بالجانب الوطني – العربي المضيء، و معبراًً بشكل مثير للاحترام عن شجاعة سياسية –عربية مؤملة بقول الحق رغم مجاورة دولة قطر للأساطيل الأمريكية – التلمودية في الخليج العربي. مؤكد ذلك هو أن أمير دولة قطر، و هو يقوم بتسليم راية رئاسة القمة العربية 22 الجديدة، لنظيره القائد معمر القذافي، لم يتردد البتة في القول صراحةً بأن ً: ” واجب الأمانة إلى جانب حق الأمة وكرامة الأخوة من ملوك ورؤساء وأمراء الدول العربية، يفرض عليّ أن أقول من فوق هذا المنبر إن العمل العربي المشترك يواجه أزمة حقيقية، ولقد كنا نعرف ذلك من متابعة التطورات، لكن مسؤولية رئاسة القمة العربية في الدورة الماضية أكدت لنا يقينا ما كنا نستشعره ونراه .. فقد توافرت أمامنا الشواهد والأدلة على أزمة عربية مستعصية لم يعد ممكنا تجاهلها أو الالتفاف حولها. ونحن أمام خيارين:
” إما أن نترك العمل العربي المشترك لمصائره ومصادفاتها تذهب به إلى حيث تشاء، أو نقف وننبه إلى أن هناك ضرورة للمراجعة وإعادة النظر.. فنحن لا نستطيع أن نخدع أنفسنا أو شعوبنا أو،
نقف عاجزين أمام مسؤولية التاريخ ولسنا نقبل أو نرضى أن نتقدم إليكم اليوم أو إلى الأمة من خلفكم بتقرير عن إنجازات دورة رئاسية لمجلس الجامعة العربية شرّفنا بمسؤوليتها، ذلك لأن هذه الانـجـازات لم تتحقق وأية نتائج توصلنا اليها لم تكن مرضية “،
وأقول بمسؤولية الحق والحقيقة إن لا هذه الدورة ولا غيرها سابقة عليها أو لاحقة لها يمكن أن تكون ناجحة أو مجدية في ظل هذه الأوضاع “. و ختم أمير دولة قطر خطابه قائلاً: ” لا فائدة من وجهة نظرنا في اتخاذ قرارات أو توصيات أو تبني مشروعات في ظل أزمة عامة مستحكمة تعطل الفعل وتغلق الطرق … فهل تكفي القدس و«الأقصى» قرارات الإدانة؟..وهل نقتنع نحن وتقتنع شعوبنا بأن كل ما بوسعنا فعله هو الإدانة والشجب؟..هل علينا فعلا أن ننتظر «الرباعية» بشأن القدس و«الأقصى»؟..هل يصدق أحد أننا غير قادرين على رفع الحصار عن غزة ؟ “. و المفاجيء أكثر في هذه البداية الطيبة، هو إشراقة نجم سياسي – مسلم، هو الدكتور رجب طيب إردوغان ( رئيس وزراء تركيا )، و شده على يدً القمة العربية 22 و هي تسعى ” لدعم صمود القدس “، مظهراً لكل العرب و المسلمين أن بداية طريق الخلاص ليست بعيدة المنال على المؤمنين بربهم، و مؤكداً على أنه قد أزف الوقت لوقف جنون العدو الصهيوني، و بخاصة إعلانه المهووس القائل بأن ” القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل “. و في هذا الصدد، عبر الدكتور إردوغان، بمنتهى الاخلاص و القوة، قائلاً: ” إن القدس قرة عين كل العالم الاسلامي ولا يمكن قبول اعتداء اسرائيل على القدس والاماكن الاسلامية اطلاقاً “. وتابع اردوغان قائلاً: ” إن بناء 1600 وحدة سكنية في القدس ليس امرا مقبولا وليس له اي مبرر”، معتبرا ان: ” انتهاكات اسرائيل في القدس لا تتلاءم مع القانون الدولي ولا مع القانون الانساني وهي لا تنتهك القانون الدولي فقط ولكن التاريخ ايضا “. واكد أيضاً على ان ” احتراق القدس يعني احتراق فلسطين واحتراق فلسطين يعني احتراق الشرق الاوسط “. و برهاناً على عمق / قوة التزام الشعب التركي بتوجه ” قمة دعم القدس الشريف “، لم يتوانى الدكتور إردوغان عن نقل أمانة هذا الالتزام التركي – الاسلامي حين قال: “نحن نريد في هذه المرحلة رؤية نهاية الطريق وليس خارطة الطريق، فالقدس هي قرة عين العالم الإسلامي، وهي القبلة الأولى، ولا يمكن قبول اعتداءات إسرائيل على المقدسات إطلاقا “. و لربط القول بالفعل، حثَّ الدكتور إردوغان أن تبادر القمة العربية هذه بإنشاء ” تحالف عربي تركي إسلامي قادر على ردع مختلف محاولات المسِّ بمقدسات الأمة الإسلامية، تحالفاًَ يقيم عزاً إسلامياً راسخاً، ويبني مستقبلاً مزهراً للمسلمين جميعاً … فقد ولى زمان العزاء و سكب الدموع “. و عبر هذا الجانب المشرق بالخير، ندرك لِمَ حمل إعلان قمة سرت العربية ( 28 آذار 2010 )، بعض ملامح مضيئة / مؤملة للتحرر و الانطلاق الوطني – العربي الحق و ذلك بعد طول سبات / خنوع عبر تاريخ العرب المظلم الفارط. و في إطار هذا الاشراق الوطني – العربي الجديد، يجدر بنا – بل بكل المفكرين العرب – الابتعاد عن إجترار عقائد الهزيمة / اليأس، و المبادرة العملية الواعية لتعزيز مقاومة الشر / نصرة الخير، و فق توجيه رب العالمين الذي أمرنا، جلت قدرته، قائلاً: ” و قولوا للناس حسناً “، متفادين مختلف مظاهر إنكشاف بعض قادة زمر الاستسلام و سجالاتهم ” المكتوبة لهم / الشاهدة عليهم ” في مختلف فعاليات قمة سرت العربية 22 هذه، و نخص منهم: أزلام كامب دايفيد الصهيونية، و موظفي إمبراطورية الظلام البترولية، و ممثلي المستوطنين الرأسماليين القادمين من كنانة العرب المستلبة، و بلاد الرافدين المحتلة، و المواقع الدائرة ظلماً و عدواناً في فلك شبه الجزيرة العربية العظيم. و تيسيراً لادراك ظلامية هذه السجالات، يمكن الاشارة في هذا المقام مثلاً، الى السجال الذي نشرته قناة الجزيرة التلفزيونية حول: ” كيفية التعامل العربي مع المقاومة الفلسطينية “، و الذي دار بين رئيس الجمهورية العربية السورية و الرئيس الفلسطيني المنتهية ولايته. فإنسجاماً مع ” طبيعة أشياء ” مهمة الأخير الأوسلوية، كاد هذا أن ” ينبرق ” – كما يقول التعبير الشامي الساخر ـ و هو يحاول عبثاً تبرير ” أهمية التمسك بالخيار السلمي ” متجاهلاً / مستغبياً أن الصهاينة قد أزمعوا استغلال أحلك أزمنة الصراع العربي – الاسرائيلي لحسم هذا الصراع لصالحهم عبثاً. على أي حال، حيثما يطرد باعتقادنا ذلك التتابع الحقيقي لمبادرات ” من لا يصانع و لا يضارع و لا يتبع المطامع ” ( كما قال أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه السلام ) لن تكون قومتنا العربية ببعيدة التحقق، فقد أتى أمر الله، فابشروا به ايها الناس.
الدكتور عدنان مصطفى
وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية )
رئيس الجمعية الفيزيائية العربية
3/29/2010 2:33:58 PM
طباعة المقال
التعليقات متوقفه