عَنْدَمَا شَرَخَ البِتْرُولُ مِرآةَ العَرَبِ

مع تِلْكَ الْأَيَّامُ التي يُدَاوِلُهَا الخالق بَيْنَ الناس، تتميز أيام العرب الراهنة اليوم بشدة إرهاصاتها الحضارية و المدنية ( cultural and civilized stresses )، فإذا هم مظلمون (!؟)، حتى ليبدو الفكر حائراً في العثورعلى سبيل ما للخروج من ظُلُماتِ هذه الشدة. و كوطني – عربي – إنسان، أبدى عزف عود الفنان العربي – الوطني الكبير مارسيل خليفة فعله في تحفيز ( excitation ) المزيد من الارهاص الذي بات يغشى قلبي،

 و هو يردد بإسلوب شدوه المميز، أغنية ” أمي ” في صباح ” عيد الأم ” المقدس بل يوم الأحد 21 آذار 2010، فذكرتني كلمات نشيده الانسانية بمعاناة أمهاتنا العرب الصامدات الصابرات المقاومات للعدوان على وجودنا العربي اليوم. و ليعذرني القاريء الكريم في هذا المقام لدى تمسكي الدقيق بلغة علمي الصوفيزيائي المتواضعة و إستخدام تعبير ” الارهاص – stress ” في اللغة الفيزيائية الحديثة. و بعيداً عن جدليات اللغة العربية الخشبية – المعدنية السائدة اليوم، لا بد لي من التأكيد على أن الارهاص في ” مدرسة العلم العربية الأولى ” يعني ” الاثبات و التأسيس ” كما أكده الشاعر العربي القيسي الكبير، ميمون بن قيس ( الأعشى )، حين قال:

رَمَىْ بِكَ فِي أُخْـرَاهَمُ تَرْكُـكَ العُـلَىْ
و فَـضْــلُ أقْــوامٌ عَـلـيْـكَ مَـرَاهِـصَا

علماً بانه، عبر بضعة عقود خلت، لطالما علمنا طلابنا الفيزيائيين العرب الشباب بأن الارهاص إنما يجسد في واقع الحال ذلك ” التهيؤ الداخلي الذاتي للجسم الصلب لمواجهة، بل مقاومة، أي قوة خارجية مؤثرة …الخ ” ( أنظر مثلاً كتابنا بعنوان: ” مدخل إلى فيزياء الجسم الصلب – 2 “، منشورات جامعة دمشق 1997/1998، سورية “، و باعتماد الادراكين الأولي ذاك و المعاصر هذا في تقويم شدة الارهاص العربي الراهن، لا نجد ثمة فرقاً أو صعوبة تذكر، في تمييز ضعف / تردي حال ذلك ” التهيؤ الداخلي المعهود لدى الجسم العربي الصلب ” في ” مقاومة ” أعداء الأمة العربية اليوم. و في الوقت الذي توفر به عقائد الفيزياء التجريبية الحادة / الدقيقة مناظير واقعية ” لتقويم الأفعال المتبادلة في الوجود “، لا مناص لنا من استخدامها لجلاء الشرخ الكبير القائم اليوم في مرآة وجودنا العربي. و إذ لا تسمح طبيعة و توجه مقال راينا هذا بالخوض في تفاصيل إرهاصات إمبراطورية الظلام البترولية هذه، باعتبار أن شرحها قد يتطلب واقعياً تحرير أكثر من كتاب في هذا الصدد، فجلاءُ هيئة الشرخ العربي البترولي الكبير، البادية جلياً ما بين إشراقات صباح عيد الأم و عيد الهجرة النبوية الشريفة وفق التقويم الشمسي، لا يتطلب أكثر من الشاهدين الواقعيين التاليين:

 

ü ثمة زخم كبير يسم حتى اليوم ” توقٌ – lust ” متعاظمٌ قائمٌ في ” طبيعة أشياء ” أمم الشمال يهدف إلى السيطرة الشاملة على البترول العربي من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي. و قد تم تطعيمه، بعيد سكوت مدافع الحرب العالمية الثانية لدى منتصف القرن العشرين الفارط، بأشرس التوجهات التلمودية الشيطانية، تطورت وحشيته لتشمل احتلال فلسطين، و رفد ذلك بحروب الخلجان البترولية، كما تجسد أحدثها ، قبل سبع سنوات خلت، باحتلال بلاد الرافدين. و لا بد من الاشارة إلى أن مجمل التقويمات الشمالية – الامبريالية لهذا ” الفعل ” قد أكد على أن إرهاصه لبقاء أهلنا في العراق، بل عند بوابة مشرق الحضارة و الصمود العربي، قد أطلق ” نفير ” المقاومة الوطنية – العربية لتنهض بكل شموخ في وجه قوى الاحتلال الأمريكية – الاسرائيلية و تفشل ” مهمات ” ازلام إمبراطورية الظلام ، أولئك الذين جاءوا على ظهور الدبابات التلمودية. و من أبرز مظاهر هذا الفشل مثلاً: تكسر جهود استلاب نفط بلاد الرافدين، و اهتزاز خطط تقسيم العراق، برغم ” الفرح الشديد ” الذي (1) يظهره اليوم قادة العملاء/ المرتزقة الممسكين اليوم بزمام النظام الحاكم ببغداد، تحت غطاء الانتخابات الديموقراطية(!؟) من جهة، و(2) يظهره جهاراً عملاء الموساد في شمال العراق و هم يوقدون حطب جبال العراق الشماء احتفالاً بقيام دولة الانفصال التلمودية / المجوسية في شمال بلاد الرافدين المغتصب من جهة أخرى، و ينسى هذان الطرفان من أعداء الأمة العربية ما جاء في كتاب الله المجيد: ” إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ( القرآن الكريم، القصص، 76 )،

 

ü و مع توجه الفرحين في النظام العربي الحاكم لحضور القمة العربية 22 ( 28 آذار 2010 ، سرت، ليبيا ) و هم في حال انتشاءٍ مثير: بتصريح الرئيس أوباما في البيت الأبيض الداعم للبغي الاسرائيلي، و بتجردات ( stripping ) هيلاري روضام كلينتون الاستعراضية، الرامية إلى تأكيد ” التزام أمريكا بأمن إسرائيل ومستقبلها ، فهي حسب تعبيرها: ” قوية كالصخر لا تتزعزع وباقية للأبد”، مثيرة فرح التلموديين في مؤتمر إيباك الصهيوني، و ذلك بشكل مواكبٍ للأفراح و المهرجانات البترولية المحلية السقيمة المقامة تحت رايات الملوك و الرؤساء العرب (!؟) من جهة، يجري على المسار الأمريكي – الاسرائيلي من جهة أخرى، تفعيل مختلف قوى الامبريالية التلمودية: لهدم المسجد الأقصى مع إنشاء كنيس الخراب، و تهويد القدس عبر تقتيل مع تهجير الصامدين في قلب مدينة القدس الشريف، و تسريع أعمال الاستيطان المباشر في الضفة الغربية فوق أنقاض المدن و القرى العربية، مع توسيع الاستيطان الصهيوني في كل من الأردن لبنان و مصر و العراق و غير المباشر في العديد من الأقطار العربية ( أنظر مقالاً للصحافي اللبناني ثائر غندور المنشور يوم الثلاثاء 23 آذار 2010 ضمن صحيفة الأخبار اللبنانية بعنوان: ” تملّك الأجانب: ” 65.75% من الأرض بيعت أثناء معركة السيادة ” و لخص فيه متابعته الأخيرة لدراسة صادرة عن المركز الماروني للتوثيق والأبحاث، تابع للبطريركيّة المارونيّة اللبنانية، تشيرإلى أن أكبر نسبة مبيع أراضٍ للأجانب في لبنان حصلت بين عامي 2005 و2009، أي حين تولّى فؤاد السنيورة رئاسة حكومة لبنان مثلاً).

 

و مع تأكيد صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية اليوم ( www.guardian,co,uk ، 22 آذار 2010 ) على وجود ” قرار إمبراطوري أكيد ” يقضي: باستخدام عوائد الفرحين و المتباهين البترولية في النظام العربي الحاكم لشراء أدوات دمار شاملة مبتكرة جديدة، تسهل لقواتهم العسكرية – الأمنية الخفية القيام بمهام إسناد حربية لعمليات ” إمبراطورية الظلام البترولية ” على التراب الايراني، لا نعتقد أن دخول الفرحين و المتباهين و المستوطنين العرب في هذا الشرخ المظلم الجديد سيمكنهم من البقاء سعداء على وجه البسيطة، ذلك أن التاريخ لم يزل يشهد كيف يرد الشعب العربي على مختلف إرهاصات زمانه.

 

الدكتور عدنان مصطفى

وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية )

رئيس الجمعية الفيزيائية العربية

profamustafa@myway.com


طباعة المقال طباعة المقال

قد يعجبك ايضا

التعليقات متوقفه