العَرَبُ فِيْ البُعْدِ البِتْرُوْلِيِّ الوَاحِدْ !؟
عندما خلق الله السماوات و الأرض، و قال لها كوني فكانت، و لم تزل، تحمل أربعة أبعاد فيزيائية تنظم حتى اليوم طبائع أشياء الأكوان ( و هي :الطول، العرض، الارتفاع، و الزمان ).
و قد تلطف الله، جلت قدرته، قبل 1431 عام، و أنعم على أمتنا العربية المجيدة بإرسال جدنا المصطفى، محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه و سلم )، خاتماً للأنبياء و المرسلين، قَدَّر ( جلَّ و عَلا ) أن يعزز من بقاء هذه الأبعاد الأربعة في الوجود العربي بشكل مواكبٍ لتمسكنا – نحن العرب خاصةً – بحفظِ و نشر رسالة الاسلام الحضارية الخالدة. و عند النظر فيزيائياً في الكيفية التي خلق الله بها الأكوان عموماً، لا مناص للفيزيائي و الرياضي، من أمثالنا، من أن يتعاضدا للاسترشاد بفكرة ” الأبعاد ” هذه، و اعتمادها لادراك و تقنين حقائق الخلق الكبرى. فيتمكن الناس جميعاً، و ليس الشماليون فحسب، من استغلالها لتطوير بقاء البشرية عبر آفاق الخير الرحبة ( للاستزادة حول فكرتنا هذه، أنظر مثلاً بحث الدكتور بلاك وينتر، الباحث في قسم الرياضيات بجامعة بوفالو الأمريكية، بعنوان: Experience, the Present, and Four Dimensionalism “ “، و المنشور في ” مجلة مينيرفا الفلسفية: Minerva – Journal of Philosophy, Vol.12, 2008 “. و إنطلاقاً من وعي وجود الأشياء من حولنا بأشكاله: الفراغي، أو المسطح، أو الخيطي، يمكن لنا الآن إدراك ” تسطح ” الكيان الرأسمالي – التلمودي – المتوحش، الذي يتميز في عصر البترول العربي الناضب، ببعدين فقط و هما: ” طول و ارتفاع اليد “، فوق رؤوس البشرية المستضعفة في عالم الجنوب اليوم. و بتحويل النظر نحو الوطن العربي نتبين أيضاً أن وجودنا العربي قد أصبح، مع مزيد الأسف، ” خيطياً ” ، فاتسمت طبيعة أشياء بقائنا ” ببعد خَطيٍّ واحد ” ألا و هو زمننا المقيت الراهن. فأين اختفت بقية أبعاد وجودنا العربي اليوم؟. و تيسيرا لوعي عميق مدلول إجابتنا، الواقعية المتواضعة، على هذا التساؤل الكبير، ” نستعير ” لغة الحواسب الالكترونية: فنشير مثلاً إلى أنه عندما يرغب المرء بتعزيز تواصله مع حاسبه الالكتروني ( interfacing ) ، لا بد له من ربط وسائل فيزيائية / تقنية مساعدة به ( كالسماعة الصوتية، المايكروفون، الطابعة، القرص الصلب الالكتروني،…الخ )، و عندها يمكن أن يصادف و لا يفلح الحاسب في التعرف ( أي: cannot see ) على هذه الرابطة، و ذلك لأسباب فيزيائية / رياضية / الكترونية عديدة تتعلق بغياب واحد أو أكثر من إمكانيات هذه الرابطة أمام ذاكرة الحاسب الالكتروني، و ذلك كما حدث قبل قليل، و حاولنا التعرف على الوجود العربي، حيث لم نعثر إلا على بعد بقاءه الزمني ” الخطيّ ” الوحيد !؟. و من بين أبرز الامكانيات الواقعية العربية ” الغائبة ” حقاً عن ” حاسب إدراكنا الانساني – الوطني – العربي “، نتبين مثلاً حقيقة ” قيمة البترول العربي ” المُصَدَّرِ للأسواق البترولية العالمية اليوم: فكما هو معلوم، يقوم العرب جميعاً بانتاج و بيع ما لا يقل عن 24.3 مليون مكافيء برميل نفط يومياً، و باحتساب أن وسطي سعر برميل البترول اليوم هو في حدود 75 دولار، نجد أن ” الأمة العربية ” قد حصلت في عام 2009 على ما لا يقل عن 665 بليون دولار ( البليون = ألف مليون ) ( بل: 30.6 % من تجارة البترول العالمية ). فأين ذهبت هذه النعمة الالهية العظيمة التي حبا الله بها شعبنا العربي العظيم من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي؟. الجواب بمنتهى البساطة و الموضوعية: ” لقد غيبها العديد من أنماط النظام الرأسمالي العربي الحاكم ( و المتصالح منه جهاراً و خفية مع العدو الصهيوني في فلسطين المحتلة ). و لعل أقسى أشكال عملية الاخفاء هذه، متابعتهم صرف ما لا يقل عن 70 % منها تحت بند الدفاع (!؟)، في حال يصرف الضئيل الباقي، من حقِّ وعرق جبين الناس، لتجميل هيئة بعض هذه الأنظمة الحاكمة، و إسكات البنى الشعبية التحتية في البلاد بمنتهى برود الأعصاب “. فمن خلال جدران الأسلحة العتيقة الصدئة المكدسة، في المجاهيل و الصحاري العربية (!!؟)، لا يمكن للوطني – العربي رؤية ” مكان : أي طول، عرض و إرتفاع ” بقاء أمته العربية، و لا مشاريع نمائها، حتى لو استخدم لتحقيق هذا الغرض أحدث مناظير الرؤية الليلية اللازرية. و في ظل هذا الواقع المقيت، نفهم لِمَ نبصر اليوم فقط ذلك الكيان ” الخيطي ” للشعب العربي: و نفهم أيضاً ” لم لا يجد الشعب العربي نفسه ” يدخل تحديات بقائه / نمائه قوياً واثقاً منتصراً ( التي سنتمكن بعون الله من الحديث عنها في مقامات مقبلة )، و ذلك كما حدث عبر تاريخ الأمة العربية المجيد عموماً، و بشكل فريد خصوصاً على يد المقاومة اللبنانية في إيلول من عام 2006. فلقد سجل التاريخ العربي المعاصر كيف أقحم العديد من أنظمة الحكم العربية ( أي تلك التي تتعربشُ بالبعد الزمني – العربي الواحد ) بقاء / نماء أمتنا العربية في العديد من التحديات الرئيسة و أوصلها ” لحال الخيط القنبي المقطوع “، كما حدث ( على سبيل المثال لا الحصر ) في احوال المجابهات:
ü ” الحربية – النظامية ” مع العدو الرأسمالي – التلمودي، و خرجنا بنتيجتها خاسرين للأرض قبل الطول و العرض،
ü ” الطاقية – الغذائية – الشعبية ” مع الجوع، وتم قهرنا بمزيد من ضحاياه المتعاظمة في مختلف البنى الاجتماعية للريف و الحضر العربية،
ü ” العلمية – التقنية – البحثية ” اللازمة لصنع الصمود الوطني – العربي، وللتغلب على التخلف و الفقر و المرض، إلا و تم طعننا بخيانة أبناء ” مدرسة العلم العربي المجيدة ” و بغارات تجار العلم و التمدن المزيفين على أجيالنا الشابة الفقيرة.
و بناءاً على هذه الحقيقة المغثة ( حسب التعبير البدوي العربي ) يحق للشباب العربي، بل يتوجب عليه، أن ينفض عن روحه الأبية سمة ” الخيطية “، فيقوم الشباب هؤلاء: للهِ و لأوطانهم المرهصة بالظلم و الاستغلال الرأسمالي الاستيطاني، و يرابطوا على ثغور العلم و البحث العلمي. فمن خلال ذلك سيتحقق استنصارهم بقوة الله. و نعتقد هنا جازمين: ” بأن ليس هذا الشأن الوطني – العربي الكبير بعسيرٍ على الذين ربيناهم على حب ربهم و علمهم و وطنهم “.
الدكتور عدنان مصطفى
وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية )
profamustafa@myway.com
1/31/2010 7:49:27 PM

التعليقات متوقفه