الْعَرَبُ: أَيْنَ هُمْ عَنْ بِتْرُولِهِمْ؟

ما بين هَرَجِ و مَرَجِ عامة طيف المتسائلين حول تولي / تخلي العرب عن الامساك بزمام صنع قرار نفوطهم الوطنية – العربية اليوم، يبرز ثمة تساؤلٌ جادٌّ يقول: ” إذا لم نعد متأكدين من أن عرب اليوم باتوا يملكون / لا يملكون صنع قرارهم الطاقي / البترولي، فأين هم من واجب / مسؤولية التجاهد للفرار من الثقب الكارثي الأسود هذا ؟!،

 و إن توفرت انتفاضة ما في هذا الشأن هنا أو على شاكلتها هناك، هل إلى خروج من سبيل؟”. و تجنباً لفخ ” التنظير الاقتصادي / السياسي الافتراضي “، الذي وقع فيه الكثير من المفكرين الطاقيين الجنوبيين عموماً، و العرب منهم خصوصاً، سوف ندخل هذا ” الواقع العربي الحقيقي المريض ” في قلب جهاز ” الطنين المغناطيسي النووي – NMR ” ( الذي ساهمنا في تطوير فكرته الفيزيائية قبل بضعة عقود خلت ) فلعله يمنحنا تشخيصاً علمياً قد يساعد الانسان العربي على تمييز مقام بقائه / نمائه عبر إدارك هذه العلة قبل أن يفوت عاجل الأوان، و يضيع آجل الزمان.

 

من صورة ” الطنين المغناطيسي النووي – NMR ” ثلاثية الأبعاد للجسد البترولي العربي، يمكن تمييز الحقائق التالية:

 

البعد الأول: آخذين بنظر الاعتبار أن البترول ثروة ناضبة حبا الله العرب بها في هذا الزمان، و برغم الجدال الكبير الدائر حول ” قدر ” إحتياطي الثروة البترولية العالمي المؤكد حتى اليوم، يمكن الأخذ بوسطي التقديرات لنؤكد: أن ما تبقى للعرب من بترولهم قد يقارب 56.6 % من إجمالي الاحتياطي البترولي العالمي البالغ اليوم حدود 1.17 تريليون برميل. و المؤسف أنه منذ منتصف العقد الأول الجاري من القرن الحادي و العشرين و حتى اليوم، لم يُلحظ سوى ارتفاع طفيف في الاحتياطي العربي المؤكد ( أي في حدود 5 بالألف !؟! ) عما هو مقدر أعلاه، في حال حدث إرتفاع لا يقل معدله عن 6.4 % من الانتاج البترولي العربي الفعلي خلال نفس الفترة ( أي أن العرب يقومون اليوم بطرح ما لا يقل عن 24.7 مليون برميل يوميا في الأسواق البترولية الدولية ). لهذا إنزلق واقع الاحتياطي العربي جدلاً على منحدر مشهد القمة البترولية المعروف للقاصي و الداني في العالم اليوم،

 

البعد الثاني: و بالرغم من تعثر خطط التنمية الوطنية – العربية، ما بين الأطلسي و الخليج العربي اليوم، و تبدد أشكال المشاريع التنموية العربية المشتركة، يتواكب حتماً نمو الاستهلاك الطاقي العربي الراهن ( الذي يعتمد كلياً على المصادر البترولية و الغازية العربية ) مع نمو سكان الوطن العربي ( حيث بلغ حدود 0.37 بليون نسمة عام 2009، و يتوقع بلوغه 0.47 بليون نسمة في عام 2025 ) ليقارب حدود 6.2 % من الاستهلاك العالمي للطاقة ( أي أن العرب يستهلكون في حدود 5.4 مليون برميل يومياً ). و رغم ضآلة هذا الطلب العربي على الطاقة اليوم، لن تفسح إمبراطورية الظلام البترولية في المجال للانسان العربي أن يزود مركبه الوطني ببتروله الخاص، لكي يتقدم على دروب المدنية الحديثة، و إلا لماذا تم احتلال بترول بلاد الرافدين، و حجب قرار بترول الخليج العربي عن أهله، و يسرق أزلام كامب دايفيد بترول و غاز شواطيء شرقي المتوسط لصالح العدو الصهيوني المحتل،…الخ،

 

ثالثاً: و فيما بين المقام المصدري البترولي العربي الراهن ( المشار إليه أعلاه ) و الضلال الاقتصادي التنموي الوطني – العربي، الشارد كلياً عن عقيدة ” التنمية العربية المشتركة “، و تبديد العوائد البترول شذر مذر ( كتبليط البحار، و تشغيل المجتمع العربي الفقير في لهو الليل و نوم النهار، و إنشاء الاهرامات المعاصرة للتطاول بعيداً عن أمر الواحد القهار،….الخ ) يسحق البؤس و الفقر و المرض مفاصل حركة المجتمع العربي، إن لم يذهب بكبار اللاعبين بالعوائد البترولية الرئيسة، و على سبيل المثال لا الحصر، إلى: ( 1 ) تسليم مهمة ” تثقيف الانسان العربي الستضعف ” لكبار الصهاينة من أمثال روبرت مردوخ، ذلك التلمودي البريطاني الرهيب، و (2) إدارة أعمال السلام العربي – الصهيوني إياها لكبار مرتزقة إمبراطوريةالظلام البترولية ( كالذي ستحاكمة لجنة شيلكوت البريطانية قريباً )، و (3) تنصيب مستوطنين مهرجين عرب من أزلام الرأسمالية العالمية لممارسة ” التجربة و الخطأ – trial and error ” في إدارة شؤون بقاء – و ليس نماء – الانسان العربي في العديد من أقطار المشرق العربي التعيس اليوم.

 

و بالعودة إلى المتسائل الوطني – العربي في مطلع هذا الرأي، ذلك الانسان الذي حفزنا إلى التفكير ملياً بجواب مخلص لتساؤله، نتمنى عليه النظر ملياً في الصورة الطبية ( ثلاثية الأبعاد ) التي عرضناها لواقعنا الطاقي العربي المريض. و ربما ننتظر منه و من جميع الوطنيين العرب الأحرار العمل على إستنهاض همة الرأي العام العربي، ذلك الذي يملك القدرة على شدِّ عضد المريض بالعقار الطبي الوحيد، و تخليصه من براثن الاعياء الشديد، ألا و هو التغيير السياسي – العربي الأكيد، و ما ذلك على الله بصعب أو بعيد.

 

الدكتور عدنان مصطفى

وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية )

رئيس الجمعية الفيزيائية العربية

1/24/2010 8:38:32 AM


طباعة المقال طباعة المقال

قد يعجبك ايضا

التعليقات متوقفه