تصدير الفوسفات خاماً.. يعيدنا إلى زمن النفط الخام..
بدأ استثمار الفوسفات في سورية منذ العام 1970، وكانت كميات الإنتاج بسيطة والاحتياطي محدوداً، حيث لم يتعدَّ حتى العام 1997 نحو 576 مليون طن، ليتضاعفا بعد 1998 مع ازدياد أعمال التنقيب والاستكشاف والمسوح الجيولوجية المستمرَّة. واليوم، يبلغ احتياطي سورية من الفوسفات وفق أرقام الشركة العامة للفوسفات والمناجم، 1.8 مليار طن خام، في حين تشير إحصاءات مسؤولة إلى أنَّ احتياطي الفوسفات في سورية يبلغ 2.1 مليار طن، إضافة إلى احتياطي من نوع أقل جودة يبلغ حجمه 500 مليون طن.
وإنَّ صادراتنا تزيد حالياً على 3.2 مليون طن، تذهب إلى أسواق أوروبا الغربية والشرقية وآسيا وكندا، حتى دول شرق آسيا، من خلال عقود سنوية. ما يهمُّنا، أنه رغم مرور 39 عاماً على اكتشاف هذه الثروة، واحتلال سورية المركز الثالث أو الرابع من بين الدول المصدِّرة للفوسفات في العالم بعد المغرب والأردن؛ رغم كلِّ ذلك، فإننا نقدِّم الفوسفات الخام لمصانع أوروبا بيد ونعيد استيراده مصنَّعاً بيد أخرى، مع فارق سعر البيع والشراء ما بين الخام والمصنَّع، ما يعني هدراً مالياً لثروة وطنية.. فما هي الأسباب التي تعوق قيام صناعة متطوِّرة لثروة ضخمة من حيث الإنتاج والاحتياط؟..
إنتاجنا من الفوسفات
يتمثَّل نشاط الشركة العامة للفوسفات والمناجم في حمص، في إنتاج الفوسفات والملح والرمال، ويتمُّ الاستخدام المحلي لكمية 600-700 ألف طن من الفوسفات سنوياً في معمل الأسمدة في حمص لصناعة حمض الفوسفور وسماد التريبل سوبر فوسفات الذي يستخدم محلياً، أما باقي الكميات المنتجة التي تبلغ 2. 3 مليون طن (80 % من الإنتاج العام) فيتمُّ تصديرها خارجياً. في حين يتجاوز الاحتياطي المستكشف 2 مليار طن، ويعدُّ مخزون فوسفات الشرقية الأكثر أهمية، وستبدأ الشركة خلال فترة قصيرة بإنتاج كمية إضافية من الفوسفات المغسول، ليصبح الإنتاج السنوي العام بحدود 8. 3 مليون طن، أي أنه واعتباراً من 2009 ستصبح الكثافة الإنتاجية للفوسفات 85 .3 مليون طن.
يقول المهندس فرحان المحسن، مدير الشركة: «يبلغ احتياطي الفوسفات في المناجم 1.8 مليار طن خام، في حين بلغت الكميات المنتجة من الفوسفات العام الفائت 3221379 طناً؛ 3.450 مليون طن من منجمي الشرقية وخنيفيس، و650 ألف طن مغسول، طاقة وحدة التركيز، في مديرية مناجم خنيفيس». وهنا نلحظ انخفاض نسبة الفوسفات المغسول والمصدر بكامله إلى دول (تركيا، اليونان، إيطاليا، هولندا، بلجيكا النمسا، رومانيا، بلغاريا، أوكرانيا، وبولونيا) رغم ارتفاع سعره عالمياً، وأما لماذا…؟!.
غياب التعاون والتنسيق
مادة الفوسفات مادة متعدِّدة الصلة بين وزارة الزراعة والصناعة والنفط، كونها جهات مستفيدة من هذه المادة، ومع ذلك نجد غياب تنسيق وتعاون بين هذه الجهات من جانب الاستغلال الأمثل لهذه المادة، فصناعة الفوسفات صناعة موجودة على الورق وحسب، ووزارة النفط تصدر الخام، لتعاني وزارة الزراعة في تأمين مادة السماد الفوسفاتي اللازمة للزراعة.. وما حدث العام الماضي من فقدان هذه المادة وارتفاع سعرها عالمياً، يجب أن يدفع هذه الجهات باتجاه إقامة مشروع وطني رائد تشترك فيه جميع الجهات المعنية.
تعاون وتنسيق
يقول المهندس فرحان: «لا يوجد غياب بالمعنى المذكور، إنما هناك تعاون وتنسيق بين وزارة النفط كجهة منتجة لمادة الفوسفات، ووزارة الصناعة كجهة مسؤولة عن الصناعة، وهناك لجان مشتركة من وزارة النفط والصناعة ووزارة النقل، لدراسة خطة تطوير مستقبلي للفوسفات وصناعة الأسمدة الفوسفاتية وحمض الفوسفور، وزيادة الكميات المنتجة وصولاً إلى عشرة ملايين طن، يخصَّص منها قسم للصناعة، وتمَّ تحديد حاجة الخطوط الحديدية لنقل الإنتاج من مواقعه إلى مواقع التصدير الخارجي والاستهلاك المحلي، وقد أعدَّت هذه اللجان محاضرها وحدَّدت كلُّ جهة المطلوب منها، وحالياً بانتظار إنهاء مهمة الجانب الهندي لتقديم دراسة الجدوى الاقتصادية لهذه العملية».
• أسعار الفوسفات
ارتفع سعر الفوسفات عالمياً ليصل إلى 752 دولاراً للطن، بعد أن كان لا يزيد على 252 دولاراً العام الماضي، هذا الارتفاع، وبحسب تصريح سابق للمهندس فرحان، تجلَّى في ارتفاع وسطي لأسعار الفوسفات بحدود 130 يورو للطن، ما أدَّى إلى زيادة في إيرادات الشركة الفعلية وتحقيق فوائض إضافية لرفد الخزينة العامة للدولة، موضحاً أنَّ أرباح الشركة خلال العام الماضي تُقدَّر بمليارين ومليوني ليرة سورية».
وضمن نطاق الأسعار، ومن جانبه وزير النفط والثروة المعدنية سفيان العلاو، صرَّح: «إنَّ الفوسفات كثروة يحقِّق إيرادات جيدة للموازنة بعد الارتفاع الكبير في الأسعار العالمية التي وصلت إلى 70 يورو للطن الواحد من الفوسفات المغسول، بعد أن كانت 30 دولاراً عام 2006، هذا الارتفاع أدَّى إلى التفكير في رفع الطاقة التصديرية لنحو 6 ملايين طن في العام، وقد بلغت إيراداتنا في العام 2007 نحو 85 مليون يورو، و175 مليون يورو للعام 2008 الحالي عن نفس الكميات التي تصدر».
• واقع صناعة الفوسفات
إدارة الشركة العامة للفوسفات، وجدت أنَّ مهمتها في خطة التطوير المستقبلي هي الوصول بالإنتاج إلى 10 ملايين طن.. أما مستقبل تصنيع الفوسفات، فوزارة الصناعة هي المسؤولة عن هذا الجانب. ومن هذه الزاوية نجد مدى عدم التنسيق والتكامل بين الجهات المختلفة حول مستقبل هذه الصناعة؛ فواقع الإنتاج الذي وصل إلى 3.8 مليون طن، يصدَّر منه 80 %، ولايستخدم في الصناعة المحلية أكثر من 20 % (600 – 700) وتستخدم في صناعة حمض الفوسفور وسماد الفوسفات. أما خارجياً، فتدخل الكميات المصدّرة في صناعة حمض الفوسفور الغذائي والصناعي والفوسفور الأصفر، وكافة أنواع الأسمدة الفوسفاتية البسيطة والمركَّزة، وكذلك في صناعة الأسمدة المركبة التي تحتوي على عنصر الفوسفور لتغذية الأراضي الزراعية، وكذلك يستخدم الفوسفات السوري لصناعة العلف الحيواني (دي كالسيوم فوسفات).
وبالمقارنة هنا، نجد مدى قصور الصناعة القائمة حالياً، وعجزها في الاستثمار الصناعي الأمثل لهذه الثروة الحيوية، رغم أنَّ وزير النفط أشار إلى الفارق الكبير في المردود ما بين المادة الخام والمصنَّعة، حيث قال: «إنَّ سعر الطن الواحد من الفوسفات المغسول يصل إلى 70 يورو، بينما الجاف بحدود 55 يورو، ومعمل الغسل الحالي لا ينتج سوى مليون طن، ومؤخراً تمَّ الإعلان عن استيراد وتركيب معمل ثانٍ ينتج 1.2 مليون طن. ويفترض أن يتمَّ الإعلان عن معمل ثالث. وتُقدَّر تكلفة المعملين الجديدين نحو 100 مليون يورو».
كما أشار العلاو إلى: «مشكلات مستقبلية في موضوع تصدير الفوسفات الجاف غير المغسول، نظراً إلى انخفاض تركيز خامس أوكسيد الفوسفور، وسيصبح الغسل إلزامياً لتأمين أسواق للتصدير، وهي خطوة تتطلَّب مياهاً وافرة، وهي حالياً متوافرة، لكن مستقبلاً لا تُحَلُّ المشكلة إلا بجرِّ مياه الفرات إلى الصوانية، لأنَّ الهدف الأساسي هو تصنيع الفوسفات وتحقيق قيمة مضافة».
الأزمة المالية أثرت
أنتجت الشركة العامة للفوسفات والمناجم خلال الربع الأول من العام الجاري ما مجموعه 472545 طناً من الفوسفات مقابل 935900 طن مخطَّطة باعت منها 460014 طناً من الفوسفات والأسمدة مقابل 913300 طن مخطَّطة بنسبة تنفيذ 50 %. ويعود انخفاض معدلات الإنتاج، حسب قول المهندس فرحان مدير الشركة، إلى الأزمة المالية العالمية التي أوقفت الإنتاج في العديد من مصانع الأسمدة الفوسفاتية في العالم، الأمر الذي أثَّر بشكل ملحوظ على صادرات الشركة من الفوسفات.
خسارات
لا شكَّ في أنَّ وزارة النفط والخزينة العامة تتكبَّدان على حد سواء، خسارات جراء تصدير الفوسفات خاماً واستيراده مصنعاً، وهو جانب لم يتوقَّف عنده كثيراً المهندس فرحان، لجهة أنَّ مهمات الشركة تتعلَّق بالاستخراج، aوالخسارة الصناعية تقع على عاتق وزارة الصناعة، حيث قال: «إنَّ مهمات الشركة وفق مرسوم إحداثها رقم 122 للعام 1970 هي إنتاج الفوسفات الخام وتركيزه وتصديره خارج القطر كفوسفات خام، إضافة إلى تلبية حاجة مصنع الأسمدة الفوسفاتية في حمص.
أما صناعة أسمدة فوسفاتية، فهي من مهمات وزارة الصناعة، مع التأكيد على أنَّ القيمة المضافة الناتجة عن صناعة أسمدة فوسفاتية تعتمد على الفوسفات السوري كمادة خام، هي أعلى من القيمة المضافة الناتجة عن إنتاج وتصدير خام الفوسفات»
بلدنا

التعليقات متوقفه