هل تعود السوق النفطية إلى مرحلة التوازن عند سعر 70 دولارا للبرميل؟

مع أن قرار منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) الأربعاء الماضي، تمديد العمل بالسقف الإنتاجي الحالي كان متوقعا، إلا أنه على غير العادة جاءت تصريحات وزراء (أوبك) تعبر عن ارتياح بسبب حالة التوازن التي تنتظم السوق خاصة في الجانب السعري.

 

السوق عبرت عن مشاعرها الإيجابية تجاه هذا الوضع بالتحسن في سعر البرميل قبل انتهاء الاجتماع الدوري للمنظمة وعقبه، ما جعل سعر البرميل يستقر عند 72 دولارا. وهذا المعدل وصفه وزير النفط السعودي المهندس علي النعيمي أنه مرضِ وأنه يتوقع أن يستمر هذا المعدل إلى فترة من الوقت.

 

وهذا المعدل السعري يعتبر ملائما للمنتجين والمستهلكين، إذ يوفر للمنتجين مداخيل مالية تمكنها من القيام بالتزاماتها خاصة في جانب الإنفاق على مشاريع التوسعة والمشاريع الجديدة الخاصة بالصناعة النفطية في بلدانها، كما أنها تسهم في جعل تكلفة الوقود أكثر قليلا بالنسبة للمستهلكين بما يساعد في برامج الترشيد وتوفير هامش يسمح بالإنفاق والاستثمار في ميادين الطاقة المتجددة والبديلة.

 

وكانت السعودية، وعلى لسان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، أول من حدد أن معدل 75 دولارا للبرميل يعتبر ملائما للجميع. وتتالت التأكيدات على هذا لتستقر عند نطاق سعري يراوح بين 70 و80 دولارا للبرميل من بعض أعضاء المنظمة حتى من يعتبرون في جانب الصقور ومن المستهلكين وحتى الشركات النفطية.

 

وانتقل موضوع الأسعار إلى الملعب السياسي، حيث يقود رئيس الجمهورية الفرنسي نيكولاس ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني جوردون براون اتجاها لأن تلعب حكومات الدول المستهلكة دورا في ضبط الأسعار، وكتب الرجلان مقالا مشتركا نشر صبيحة انعقاد قمة الثمانية في تموز (يوليو) الماضي، تطرقا فيه إلى حالة التقلب في أسعار النفط التي سادت في السوق، ويريان أنها مضرة بالمنتجين والمستهلكين على حد سواء لتجاوزها للقواعد الاقتصادية المعروفة، وأن عدم الاستقرار هذا يشكل خطرا على الانتعاش الاقتصادي المنتظر.

 

ويعترف المسؤولان أنه ليست هناك حلول سهلة، وأن أي تقدم على هذه الجبهة ينبغي أن يتم بالتعاون بين المجموعة الدولية ككل منتجين ومستهلكين وأركان الصناعة النفطية، كما عبرا عن التزامهما باستمرار الحوار، ويريان في المنتدى الدولي للطاقة الذي تستضيفه الرياض شريكا رئيسيا في هذا الحوار. وخلصا إلى أن المنتجين والمستهلكين في الوقت الراهن أقرب إلى بعضهما البعض لأول مرة منذ 30 عاما عندما انطلقت الدعوات إلى بدء هذا الحوار، كما دعيا إلى مزيد من الشفافية وأن الوقت قد حان للعمل سويا من أجل المصالح المشتركة.

 

وتعتبر هذه الدعوة نقلة لمجيئها من دولتين مؤثرتين على الساحة الدولية سياسيا واقتصاديا، فالدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة، ظلت إلى وقت طويل تعارض أي طرح لموضوع الأسعار في حوار المنتجين والمستهلكين، لكن دعوة ساركوزي وبراون تعتبر أقوى تحول خاصة وهي تأتي في وقت يشهد فيه الوضع الاقتصادي العالمي تحولات بسبب الأزمة الأخيرة وبروز مجموعة العشرين، التي تضم الاقتصادات الرئيسية في العالم، وهي ممثلة من جانب المنتجين بالسعودية التي تعتبر العمود الفقري لمنظمة أوبك وللصناعة النفطية عموما بسبب المزايا التي تتمتع بها من احتياطي نفطي ضخم وطاقة إنتاجية عالية ومنافذ تصديرية وسجل جيد في التعامل مع السوق في مختلف أحواله وتقلباته. وهناك أيضا روسيا التي تمثل المنتجين من خارج المنظمة، كما أنها في الوقت الحالي أكبر منتج، وذلك بسبب القيود على الإنتاج التي فرضتها (أوبك) على أعضائها.

 

يلفت النظر كذلك في رؤية ساركوزي وبراون لموضوع الأسعار أنها تقارب الرؤية التي طرحتها السعودية، وذلك أن يكون سعر البرميل في مستوى يسمح بترشيد الإنفاق وتشجيع المنتجين على التوسع في المشاريع التي ستضيف إمدادات إلى السوق، وتوفير أرضية تمكن من الاستثمار في بدائل الطاقة الأحفورية. وتتجه هذه الرؤية إلى الجانب العملي كما أشار ساركوزي عندما أبلغ السفراء الفرنسيين أنه اتفق مع براون على إطلاق حوار بين المنتجين والمستهلكين للوصول إلى السعر العادل للطرفين.

 

وفي انتظار تحرك في هذا الاتجاه تظل الأعين على أساسيات السوق، وإذا كان وضع الطلب يمكن أن يمثل أرضية صلبة للأسعار حتى بوضعها الراهن في حدود 70 دولارا للبرميل، فالكثير من المحللين يرون أن وضع العرض والطلب لا يسند تصاعد السعر بنحو 60 في المائة منذ مطلع العام، وأن اتجاه المستثمرين للتعامل مع السلع بما فيها النفط كفرص استثمارية وضعف الدولار مسؤولان إلى حد كبير ويفسران المعدل الذي عليه الأسعار في الوقت الحالي أكثر من وضع الطلب.

 

لكن قبل يوم من اجتماع (أوبك) في فيينا صدر التقرير الفصلي من رابطة كمبريدج لأبحاث الطاقة، الذي يراقب تطورات الصناعة النفطية. الرابطة التي يترأسها الباحث المعروف دانييل يرجن، مؤلف كتاب «الجائزة»، يشير إلى أنه بعد مضي عامين من التراجع في الاستهلاك النفطي، فإن العالم موعود بعكس في هذا الاتجاه والعودة إلى جانب النمو العام المقبل. ويتوقع التقرير حدوث نمو في الطلب بنحو 900 ألف برميل يوميا، وهو ما يمثل أكبر نقلة منذ تجربة تراجع السوق المماثلة التي شهدها عقد الثمانينيات.

 

ويمضي التقرير ليتوقع أن تعود معدلات الاستهلاك إلى ما كانت عليه في العام 2007، أي 86.5 مليون برميل يوميا. وشهد الطلب تراجعا بنحو 2.8 مليون إلى 83.8 مليون هذا العام، وهو ما لم تشهده السوق منذ أن فرضت التخمة النفطية على (أوبك) خفض إنتاجها وأسعارها لأول مرة في تاريخها، واستغرق الأمر نحو تسع سنوات ليعود الطلب إلى تلك المعدلات التي كان عليها في 1979، بينما لم يحتج الوضع إلى أكثر من عامين هذه المرة ليعود إلى معدلاته السابقة.

 

اختلاف آخر في ميدان الاستهلاك، يتمثل في أنه في المرة السابقة لعب قطاع التوليد الكهربائي الدور الأكبر في زيادة الطلب، لكن المتغيرات التي لحقت بهذا القطاع جعلت التركيز على قطاع النقل والمواصلات يشكل حجر الزاوية في الاستهلاك النفطي.

 

وتضيف الرابطة أنها ترى أن الدول النامية وتلك الآسيوية بقيادة الصين والهند تمثل القوة الدافعة الرئيسية للنمو في الطلب، وذلك على حساب دول منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي. وبسبب هؤلاء فإن الطلب سيرتفع من 83.8 مليون برميل يوميا هذا العام إلى 89.1 مليون في 2014. وستكون 83 في المائة من هذه الزيادة أو 4.4 مليون برميل يوميا من نصيب الدول غير الأعضاء في منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي. وفي الوقت الذي سيبلغ فيه نصيب الصين 1.6 ملايين برميل، فإن الدول الصناعية الرئيسية في منظمة التعاون ستحتاج إلى 900 ألف برميل يوميا فقط بصورة إضافية.

 

ودعم هذا الاتجاه التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة التي توقعت أن ينمو الطلب بمعدل نصف مليون برميل يوميا هذا العام والعام المقبل. وتضيف الوكالة أن حجم التراجع في الطلب الذي كان 2.6 مليون برميل في أيار (مايو) الماضي، تقلص إلى 2.3 مليون الشهر الماضي، وها هو في تقرير هذا الشهر يتراجع إلى 1.9 مليون. وهذه المراجعة إلى أعلى في حجم الطلب المتوقع يمكن أن يصل إلى 700 ألف برميل يوميا، تعادل إنتاج دولة عضو في (أوبك) مثل قطر.

 

ويرى كثير من المحللين أن التقرير التالي للوكالة سيعيد رفع التقديرات إلى أعلى مرة أخرى، ويمكن أن يرتفع الطلب بنحو 1.3 مليون برميل يوميا العام المقبل. وأرجعت الوكالة التحسن في تقديراتها هذه إلى أن الربع الثاني من العام شهد سجل أداء اقتصاديا أفضل من المتوقع ويمكن بالتالي للنصف الثاني من العام أن يحقق نموا أفضل مما كان مقدرا في السابق.

 

وترحب (أوبك) بمثل هذه المراجعات، وكما قال المهندس النعيمي فإن نمو الطلب هو أس اللعبة، وما دام هناك طلب فإن السعر سيرتفع. وتوقعت «جولدمان ساش» أن يستقر سعر البرميل عند 85 دولارا بنهاية العام.

 

هل يمكن أن يؤدي تصاعد الطلب إلى انفجار سعري يؤثر في الانتعاش الاقتصادي الذي بدأت ملامحه في البروز؟ لا يبدو ذلك واردا حتى الآن، وذلك لسببين، أولهما أن الدول الأعضاء في (أوبك) على غير العادة أبرزت انضباطا غير معهود في الالتزام بقرارات خفض الإنتاج، إذ تظل نسبة الالتزام تقارب 70 في المائة متراجعة من 80 في المائة عند بدء تطبيق الاتفاق، لكنها تظل عالية بمقاييس (أوبك) السابقة. أما السبب الثاني وهو الأهم فيتمثل في الطاقة الإنتاجية الفائضة التي تصل إلى ستة ملايين برميل يوميا، نحو 4.5 مليون منها موجودة لدى السعودية وحدها والباقي يتوزع على الأعضاء الآخرين وعلى رأسهم الإمارات والكويت. والسعودية، التي لعبت الدور الأساس لوصول السوق إلى حالة التوازن الحالي، ستكون أكثر استعدادا لبذل مزيد للحفاظ على هذه الوضعية وتطويرها.


طباعة المقال طباعة المقال

قد يعجبك ايضا

التعليقات متوقفه