ارتفاع أسعار السلع والنفط…..كيف يتعامل الاقتصاد السوري مع المتغيرات العالمية…??

تطورات واختناقات ومشكلات اقتصادية على الصعيد العالمي شهدتها الآونة الأخيرة وخاصة عامي 2007-2008 تمثلت في تذبذب الأسواق المالية التي أدت إلى ظهور اضطرابات في الاقتصاديات الدولية ,

ما أدى إلى ظهور أزمات في القطاع المصرفي العالمي نتيجة الانكماش الائتماني والتي كان سببها أزمة انهيار سوق العقارات الأميركية وما صاحبها من أزمة قروض عقارية بالإضافة إلى استمرار ارتفاع النفط الذي أخذ يلامس 120دولاراً للبرميل واستمرار ارتفاع أسعار السلع نتيجة أسباب مناخية وعوامل تجارية وأسباب موسمية مثل الجفاف والأمراض بالإضافة إلى بطء النمو في الاقتصاد العالمي وتدهور القدرة الشرائية للأموال المرتبطة بالدولار. أمام هذا الواقع الصعب لابد من إلقاء الضوء على الأثر الاقتصادي لتطورات أسعار السلع والنفط على الاقتصاد السوري وكيفية التعامل مع هذه المتغيرات..‏ استخدام الحبوب في إنتاج الوقود الحيوي‏

الدكتور مطانيوس حبيب وزير النفط الأسبق واستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق يرى أن ارتفاع الأسعار ظاهرة عالمية وليست مقصورة على سورية فقط وأن لها سببين رئيسيين أولهما هو ارتفاع أسعار النفط الذي يدخل في انتاج كل السلع والخدمات وبالتالي ارتفاعه يعود إلى زيادة التكلفة لكل السلع والخدمات في العالم, والسبب الثاني هو النفقات العسكرية الكبيرة التي تنفقها الولايات المتحدة الأميركية ما يقلص انتاج السلع فيقل عرضها في السوق العالمية وبالتالي ترتفع أسعارها.‏

وبرأي د.حبيب إنه يجب إضافة عامل ثالث قد لا يهتم به العالم إلى الحد المطلوب وهو استخدام الحبوب في انتاج الوقود الحيوي ما يزيد الطلب على الأراضي المزروعة بالحبوب لتلبية الاحتياجات الصناعية لانتاج الوقود على حساب المواد الغذائية فيقل عرضها في الأسواق وترتفع أثمانها بالضرورة.‏ آلية السوق حديثة العهد‏

ويشير د. حبيب إلى أن في سورية عوامل خارجية وعوامل داخلية أيضاً وهذه الأخيرة تتمثل أولاً في ظاهرة الجفاف وثانياً في ارتفاع أسعار القطع الأجنبي ما يزيد من تكلفة المواد المستوردة سواء أكانت مواد بسيطة تدخل في الانتاج الزراعي في سورية أم كانت مواد استهلاكية نهائية ,حيث يضاف إلى ذلك انتقال سورية من اقتصاد تخطيط مركزي شديد الضبط إلى اقتصاد سوق شديد الانفلات بحيث إن الطاقم الحكومي كان يعتقد أن آلية السوق تكفل تحقيق التوازن بين العرض والطلب سواء بطريق زيادة الانتاج أو بانفتاح الاقتصاد على الاستيراد الخارجي.‏ لهذا يرى الدكتور مطانيوس حبيب أن آلية السوق حديثة العهد, لم تستطع أن تفعل فعلها بالسرعة المطلوبة, معتقداً أن الحكومة خففت في البدء من تدخلاتها في السوق خوفاً من أن تسيء إلى عملية الانتقال إلى اقتصاد السوق وبالتالي قد يحجم قطاع الأعمال عن ممارسة دوره في تنمية الاقتصاد الوطني خوفاً من تدخل الدولة.‏ أسلوب التدخل الإيجابي‏

وأضاف: عندما لم تستطع آلية السوق أن تفعل فعلها لجأت الدولة إلى أسلوب التدخل الايجابي وهو أسلوب يمكن أن يكون ناجعاً فيما اذا عمدت المؤسسات الرسمية إلى استيراد السلع ولو كانت منافسة للانتاج المحلي وكما اتخذت الحكومة تدابير حديثة مثل رفع سعر شراء القمح والذرة والشعير والقطن, هذا من شأنه أن ينشط العمل الزراعي ويزيد في الانتاج ما قد يخفف من ارتفاع الاسعار,

واعتقد د.حبيب أنه كان يجب على الحكومة أن تهيئ لمرحلة انتقالية أطول زمناً للانتقال من الاقتصاد المخطط إلى اقتصاد السوق.‏ ارتفاع الأسعار يقلل حجم السيولة‏ بينما المستشار الاقتصادي الدكتور خالد الزامل يرى أنه بالرغم من جميع المحاولات التي قامت بها الحكومة لضبط الأسعار إلا أنها استمرت في ارتفاعها, وهذا بدوره سيؤدي إلى آثار سلبية ليست فقط على الصعيد الاقتصادي بل على الاجتماعي والصحي وكذلك على المستوى الإداري والانتاجي, ما سيكون له آثار كبيرة اذا ما استمرت, حيث إن استمرار الزيادة في أسعارالسلع والمنتجات سيؤدي إلى تفاقم المعاناة.‏

ويشير د. الزامل إلى أن فقدان الدولة للميزة التنافسية في جلب وتطوير الأعمال, وتأثر الصناعات المحلية بالمنافسة الخارجية, وضعف وتراجع الاستثمارات المحلية والأجنبية بالإضافة إلى زيادة التكلفة الانتاجية وتكلفة التطوير والإدارة, وظهور مشكلات وقضايا اقتصادية واجتماعية سلبية وخلل الميزان التجاري, هي إحدى الأسباب التي أدت إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية ويضيف:‏ إن ارتفاع السلع يؤدي إلى تقليل حجم السيولة المتوفرة للمستهلكين وهذا يؤدي إلى تغيير في نمط الاستهلاك للسلع وبما أن التضخم مرشح للارتفاع في الفترة القادمة بسبب قرار رفع أسعار المحروقات فإن على الحكومة اتخاذ اجراءات احترازية لحماية الفئات الأكثر تأثراً .‏

وبرأي د. الزامل أنه بتقديم المعونات المالية المباشرة للفقراء العاملين وتخفيف الضرائب عنهم يمكن تجاوز هذا الأمر.‏ ويشير الدكتور الزامل إلى أن سبل مواجهة ارتفاع الأسعار في يد الحكومة السورية التي تمتلك بعض الأدوات والتي تمكنها من تقليل الشطط الحاصل في الأسعار وذلك من خلال تنشيط الأسواق المتمثلة بالمؤسسات الاستهلاكية ودعم ميزان المدفوعات من خلال زيادة الصادرات بالإضافة إلى استقطاب الاستثمارات التنموية وتقليص حجم المديونية الخارجية والاتفاق على سياسة ضريبية عادلة وتخفيض الرسوم الجمركية لتقليل التكاليف على المستوردين الذين سيبادرون بدورهم إلى تخفيض هامش أرباحهم. منوهاً إلى أن هذه الحلول قد تكون مؤقتة ولمرحلة محدودة وبالتالي فإن التحليل الموضوعي لقاعدة الاقتصاد السوري سيمكننا من معرفة الأسباب الحقيقية ومن ثم اقتراح المعالجات المناسبة وفقاً لذلك.‏ تحييد أثر الارتفاع في أسعار النفط‏ يقول الدكتور زياد زنبوعة استاذ الاقتصاد في جامعة دمشق: في حالة الاقتصاد السوري فإننا يجب أن نميز بين أربعة تصنيفات للسلع التي نستوردها وهي على صعيد النفط… بما أن المشتقات النفطية لدينا مدعومة وأسعارها إدارية لاعلاقة لها بالتغييرات السوقية داخلياً أو خارجياً من جهة أولى وباعتبار أن هناك تركزاً في استيراد النفط في مؤسسة حكومية واحدة وبالتالي التحكم التام بأسعاره من جهة ثانية فإن هذا معناه تحييد أي أثر يمكن أن يعكسه ارتفاع الأسعار العالمية للنفط على مستويات الاسعار المحلية ويبقى أثره الوحيد على مقدار الدعم الذي تتحمله الدولة لفارق السعر العالمي عن السعر المحلي.‏ وعلى صعيد المواد الأولية… ارتفعت اسعارها بسبب الرواج العالمي واشتداد الطلب عليها, منها الاسمنت والحديد.‏

وعلى صعيد السلع الغذائية فلا نستطيع القول إن ارتفاع أسعار المواد الغذائية الذي حصل مؤخراً سببه خارجي فلدينا شبه اكتفاء غذائي ذاتي وما نستورده ليس نقصاً كبيراً في السوق بقدر ما هو تعبير عن الانفتاح الاقتصادي وخاصة مع الدول العربية التي ازيلت القيود أمام صادراتها إلينا, وإذا ركزنا على هذه النقطة الأخيرة فإننا يمكن أن نستنتج أثراً ايجابياً على الأسعار المحلية إذ إن شدة المنافسة للمنتجات المحلية أدت إلى تخفيض أسعار بعضها والحد من ارتفاع اسعار بعضها الآخر, أما سبب ارتفاع أسعار هذه السلع في السنة الأخيرة بشكل خاص فأعتقد أن سببه دوري وطارئ يتعلق بعوامل مناخية بالإضافة إلى ارتفاع الطلب عليها ونأمل أن يكون الموسم القادم أفضل.‏ التركيز على المحاصيل ذات المردودية العالية‏

ويؤكد المستشار المالي عبد القادر حصرية أن العجز التجاري والعجز في الميزان النفطي والسياسات الزراعية التي ينبغي اتباعها للتعامل مع هذه المعطيات هي أولى الأمور التي تدفع بأسعار النفط والمواد الأولية والمنتجات الزراعية إلى أرقام غير مسبوقة مضيفاً أن موضوع الدعم الذي لم تعد الدولة قادرة عليه نظراً للعجز في الميزان النفطي واعتمادها بشكل أساسي على الموارد الضريبية هو من الأمور التي تدفع لارتفاع الأسعار.‏ ويوضح حصرية أنه في حال ارتفاع أسعار المواد الأولية وفي ظل العجز التجاري المالي وتثيبت سعر صرف الليرة السورية فإن العجز التجاري سيزداد من حيث الكم والقيمة وهو ما سيؤدي إلى استنزاف الموارد بالقطع الأجنبي التي تتوفر لدى القطاع الخاص وستزداد قيمة هذا العجز. ما سيؤدي إلى ازدياد الضغوط على الليرة السورية.‏

وأضاف: من الممكن أن يعاد النظر بالمحاصيل ذات الجدوى والمردود الاقتصادي المنخفض مقابل التركيز على المحاصيل التي توفر عائدية عالية ويمكن أن يستفاد منها في تحقيق قيمة مضافة أعلى للاقتصاد السوري وحتى زيادة الصادرات وكذلك يمكن تعزيز قدراتنا على إدارة الموارد المائية وزيادة البقعة الزراعية.‏ وحول التعامل مع هذه المتغيرات يرى حصرية أن النقطة الأهم هي تعزيز دور المصرف المركزي ومنحه المزيد من الاستقلالية وتوفير الأدوات السياسية النقدية التي تساعده على التدخل في الأسواق إضافة إلى الاصلاح الإداري والتركيز على الصناعات التصديرية بما يكفل قيمة مضافة وطنية أكبر وهو ما يساعد على توفير مرونة في التعاطي مع المتغيرات الاقتصادية.‏

وأضاف: لابد من زيادة تنافسية الاقتصاد السوري وكفاءة استخدام الموارد وتوفير المرونة الكافية لدى المؤسسات لتستطيع المنافسة وتوفير بنية تحتية تساعد على تطوير القطاع الصناعي والزراعي.‏

 

الثورة


طباعة المقال طباعة المقال

قد يعجبك ايضا

التعليقات متوقفه