40 سنةً 50 عامْ: ثُمَّ إلىْ حَيْثُ تَنْضِبُ الأَحْلاَمْ؟!

” أعتقدُ أنه: خلال الـ: 30 – 40 سنة مقبلة ستبقى المملكة المتحدة ( بريطانيا ) ملزمة، وفق نهجٍ ما، بتنمية، و إدارة، و إصلاح القطاع الأمني في أفغانستان..!”، هذا هو جزء رئيس من تصريح عسكري – سياسي فريد: نشرته صحيفة التايمز اليومية البريطانية يوم الجمعة 14 آب 2009 ،

و أدلى به الرئيس الجديد لأركان حرب صاحبة الجلالة البريطانية، ( الجنرال السير دايفيد ريتشاردز )، فذكرني تعبيره هذا بإشارة حضارية يتداولها أهلنا البدو (!؟) في شمالي سورية تطلق في حال التشاؤم المستقبلي قائلة: ” ستون سنة سبعون يوم…الخ ” بديلاً عن ذلك المثل الشعبي – الحضري الصعب القائل: ” عيش يا كديش حتى ينبت الحشيش…”. و نعتقد، نحنُ أيضاً، في هذا المقام، بأن قائداً عسكرياً بارزا، كالجنرال ريتشاردز، لا يمكن للسانه العسكري – السياسي الذّرِبِ أن يفلت كذلك جزافاً، ما لم يكن قد أراد أن يستهل مسؤوليته الجديدة في قيادة الجيش البريطاني بالصدق مع الرأي العام البريطاني من جهة، و معبراً من جهة أخرى عن ضجر الجيش الذي سيقوده من ذلك ” النفاق السياسي الامبريالي الشمالي ” السائد اليوم، فكان في ذلك تيسيراً ما لجهره ” بطبيعة المهمة الطاقية الامبريالية الشمالية “، قيد التنفيذ في بلد متميز (!؟) كأفغانستان. و من هذا المنطلق، لا نستبعد أن تمرَّ هذه البداية بشكل عابر دون أن يخضع قائله، و بشكل ما قريباً، لعاصفة لوم سياسية شمالية ما، قد تخترعها له حكومة غوردون براون البريطانية. كون الجنرال ريتشارد هذا، قد ” كشف ” عن طوية الوجود البريطاني خصوصاً، و أمم حلف الأطلسي عموماً، في بلاد الأفغان الأبية. و في أبسط تفسيرات ” فلتة اللسان ” هذه، يمكن القول أنه: ” باعتبار متابعة الجنرال ريتشاردز لأصول الحروب الطاقية التي شتنها إمبراطورية الظلام البترولية و لم تزل حتى اليوم، فقد تصور أنه قادرٌ – و ليس معلميه فحسب، في إحدى شقيقات الأسرة الامبراطورية الكبرى، أي شركة البترول البريطانية ( BP ) – على توظيف حقيقة ” الهبوط من قمة الوفرة البترولية العالمية ” لصنع أول مقاربة إعلامية – سياسية – عسكرية في هذا الشأن، و ” ليفضح ” – بدون وعي مهني إعلامي – مبرر نشوب الحروب الامبراطورية البترولية منذ إحتلال بلاد الرافدين و حتى اليوم “. الفرق بينه و بين ” إنذار ” وكالة الطاقة الدولية ( IEA ) الأخير في هذا المجال، هو لجوء منظري هذه الوكالة إلى اعتماد ” القساوة ” في إظهار الغضب الشمالي على أمم أوبيك، في حال سادت لغة ” الطراوة ” طبيعة اشياء تصريح العسكرتاريا البريطانية المشار إليها أعلاه ( أنظر مثلاً: مقال راينا بعنوان: ” هبوط من القمة البترولية:النقمة تكتسح النعمة؟! “، المنشور في موقع ( كلنا شركاء في الوطن ) المميز: www.all4syria.info ، 13/8/2009 ، و مقال الصحفي البريطاني هارفي تومبسون، المنشور في صحيفة المستقلة البريطانية في 14 آب 2009 الجاري بعنوان: ” ؟! British Army chief says military may have 40-year Afghan role”). و تلبية لنصح صديق وطني – عربي مختص في هذا الشأن، أتوجه مجدداً للقاريء العربي العزيز – غير المختص – بتبسيط شديد لحقيقة ” قمة الوفرة البترولية ” هذه. بدايةً، لا بد من التأكيد على الحقيقة العلمية الراسخة بالقول : ” أن البترول ثروة ناضبة بطبيعة حالها “. و منذ أن كشف علم الجيولوجيا هذه الطبيعة و أوضح تقنيات كشف وجودها المؤكد و من ثم استغلالها حتى اليوم، لم يعد خافياً على الانسان المهتم بهذه الحقيقة أن يدرك مختلف أصول تقويم ” وفرة ” هذه النعمة الالهية الطيبة ، والتي ” أجمعت ” على أن قدر هذه الوفرة – و في أبسط الأحوال – بات يتخذ شكل الجرس المقلوب الذي تجاوزنا اليوم جانبه الأيسر الصاعد – بنتيجة ابتعاد أمم الشمال عن الرشد في استغلال البترول لتوليد الطاقة بالحرق المباشر – لتبدأ البشرية جمعاء مرحلة الهبوط من ” قمة الجرس ” على الجانب الأيمن منه. و يجمع معظم أهل الخبرة في تقويم المخزون البترولي المتقدم على أن زمن الهبوط ، بل النضوب ، من قمة الوفرة البترولية و حتى نهايتها قد لا يتجاوز نصف قرن ( و هو الرقم الذي عبر عنه أعلاه تصريح قائد الجيش البريطاني الجديد الجنرال ريتشاردز). ربما يجادل أحد الناطقين بازلية الوجود البترولي الأرضية، و هم قلة، قائلاً: ” رغم اقتناعنا بشكل الجرس فقمته يمكن بسطها للأبد عن طريق متابعة جهود الاستكشاف و التطوير، و هذا يتطلب من الأمم المنتجة للبترول، كالعرب خصوصاً، أن يتوقفوا عن وصم زيوتهم ” بأنها عكرة ؟؟!!” و المبادرة فوراً إلى إعطاء الامبراطور” شيفرة ” و دائعهم البترولية لاستثمارها في وقف التدحرج على جانب الجرس النضوبي السريع، و بذلك يريحوا أنفسهم من عناء ” حوارات المنتج – المستهلك ” التي تحاول منظمة أوبيك أدارتها بالعدل و الانصاف. كل ذلك إضافةً إلى التمتع بما بقي لديهم، في إطار تصريح الجنرال ريتشاردز، و متابعة تبليط البحار و عيشهم اللاهي في متاهات فحش الليل قبل النهار، و الأمر يومئذٍ للواحد القهار.

 

الدكتور عدنان مصطفى:

وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ، رئيس الجمعية الفيزيائية العربية


طباعة المقال طباعة المقال

قد يعجبك ايضا

التعليقات متوقفه