الهبوط من القمة البترولية:النقمة تكتسح النعمة؟!

” كونياً الفوضى تزدادُ “، ذلك هو قانون أزلي لا ريب فيه. و العجيب في العصر البترولي الراهن اليوم هو خروج هذه الفوضى عن وتيرتها القانونية الطبيعية، بل تسارعها بعيداً عن ” النعمة الطاقية الانسانية ” و ذلك باتجاه السقوط في حضيض ” نقمة التوحش الرأسمالي الضاري ” الآخذ بناصية البقاء البشري اليوم.

 فمن هي القوة، بل القوى، الرئيسة التي تدفع بالبقاء البشري الحضاري العزيز في هذا الاتجاه؟. و باعتبار أن ” المجرم في معظم الأحوال يكاد يقول خذوني “، فلا جدال في وجود ثمة قوة ظلامية ما، يمكن أن تنتسب بشكل ما مثلاً لامبراطورية الظلام البترولية المهيمنة اليوم، و قد تتحمل مسؤولية هذا الحدث الفوضوي العالمي الجلل. و في الوقت الذي يحق به لكل إنسان متحضر ( cultured ) ) أن يتساءل جدياً عن من: ” سرق ” ما لا يقل عن 7.7 تريليون دولار من عرق جبين الشعب الأمريكي ( أي نصف الدخل المحلي الأمريكي العام GDP ) مثلا، و ” سلب ” ضعفه في أوروبا، و ” إغتصبَ ” ثلاثة أضعافه من أرصدة العرب البترولية منذ مطلع عام 2008 و حتى اليوم، و استفسر عن من رفع حدة مقتُ البطالة العالمية من مستوى 190 مليون عاطل عن العمل عام 2007 إلى سوية 210 مليون عام 2009 الجاري؟، يتوجب على كل متمدن ( civilized ) شمالي أن يفكر عميقاً في من: جعل أسواق السندات و الأسهم العالمية تفقد ما لا يقل عن 25 – 30 تريليون دولار من قيمة موجوداتها، و أخفى 38 % من قيمة الشركات الأميريكية، و بدد ما لا يقل عن نصف مليون فرصة عمل فيها، و جعل قرابة 12.3 مليون بيتاً بلا سقف في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الشهور الستة الماضية ؟، و بتعبير أدق: عن من : ” جعل الانحسار الاقتصادي – الأخلاقي يسود العالم كله اليوم؟ “. و في حال البحث عن قاسم مشترك يجمع بين الاجابة على كل هذه التساؤلات الانسانية الحضارية المسؤولة هذه، لا نبتعدُ كثيراً عن تمييز فعل قوة وحيدة هي ” قوة الظلام التلمودية ” التي أكدت ” بعظمة لسانها ” قائلة بلسان حكمائها: ” بهذه التدابير نتمكن من القبض على السلطة التي تدمر بها شيئاً فشيئاً، و خطوة خطوة، ما نريد إزالته من دساتير العالم، تمهيداً للانتقال الكبيرـ ثم يعقب ذلك قلب كل حكومة و جعلها مقطورة إلى سلطتنا، تابعة طائعة…” ( بروتوكولات حكماء صهيون، البروتوكول العاشر، 1897 ميلادي ). على أي حال، ثمة من يذهب في الاتجاه المعاكس في البحث عن ” العلة ” ليعزو تعالي زخم و صَخَبِ أمواج الانحسار الاقتصادي العالمي الجديد هذا، مثل ” الوكالة الدولية للطاقة – IEA ” تحديداً، إلى ” تقاعس ” دول منظمة البلدان المصدرة للبترول – OPEC ” الكبير في ” فكِّ أكياسها المالية الكبرى” و تبرعها بتقديم الاستثمارات المالية، المنظورة لدى إمبرطورية الظلام البترولية إياها، لتأكيد المزيد من الاحتياطيات البترولية لديها، و ذلك بغرض دعم العرض البترولي العام في الأسواق البترولية الدولية (!؟). كما يمضي آخرون، وفق هذا الاتجاه المعاكس إياه، في إرهاص صناع القرار التنموي – البترولي في منظمة أوبيك، و إتهامهم بتطبيق ” نظرية المؤامرة – conspiracy theory “، الأمر الذي أفسد بنظرهم إستقرار الأسواق البترولية الدولية اليوم (!!؟). حتى ليأخذ التطرف السياسي بحال بعضهم إلى قمة ” التجديف ” الاعلامي، بالقول على نطاق واسع: ” أن منظمة أوبيك لم تتوقف البتة عن إعتماد هذه النظرية في خططها و ذلك منذ قيامها و حتى الآن (!) “. كما يعتقد معظم المنظرين الطاقيين المتطرفين في الشمال، و في الوكالة الدولية للطاقة ( IEA ) خصوصاً، بأن أمم أوبيك، هي القوة المحركة الوحيدة القادرة على إخراج أمم الشمال، المستهلكة للبترول خصوصاً، من إعياء حالها التنموي، أي ذلك الذي استشرى في عقائده الراسمالية الأنانية فايروس، بل ” فوبيا التدحرج ” المخيف، على منزلقات ما بعد قمة الوفرة البترولية العالمية السائدة اليوم، و ليس فايروسات إنفلونزا الطيور و الخنازير إياها التي بات يبثها أزلام الموساد و المخابرات المركزية الأمريكية في القارة الآسيوية اليوم (!!!!؟). و بناءً على هذا الايمان الشمالي – و هو باعتقادنا العلمي جدلاً من نمط إيمان العجائز ليس إلا – يمكن فهم معظم التكتيكات السياسية و العسكرية و الأمنية الدائرة في قلب الوطن العربي و على محيطه، مثل التشاغل السياسي وفق ” منطق الضرورة الموضوعية ” في بلاد الشام تارةً ( ” كالشدّ على يد ” قوى الموالاة الامبريالية في لبنان، و ” إيقاظ الأزلام االأمنيين ” في فلسطين المحتلة و خارجها بغية تنصيبهم المباشر و السريع تحت شعار ” ضخُّ دم سياسي جديد ” في سدة السلطة الفلسطينية، و ذلك في إطار شرعية (!؟) مؤتمر منظمة التحرير الفلسطينية الجاري اليوم، ….الخ )، و التلاعب الأمني المكشوف عبر المناورات العسكرية الأمريكية – الصهيونية المشتركة المزمع تنفيذها بعد بضعة أيام في شواطيء شرقي المتوسط البترولية تارة أخرى. أنا لا أعتقد بأن ” الخائفين ” و المنزلقين ” و ” المتقلبين ” على منحدرات ما بعد الوفرة البترولية، و هم بمعظمهم من الذين هزموا بقسوة، في كل من أفغانستان و العراق و غزة هاشم منذ مطلع العقد الأول من القرن الحادي و العشرين الجاري و حتى اليوم، سوف يترددوا كثيراً في دخول تجربة دموية جديدة في بلاد الشام، كونهم أدمنوا على شرب كوكتيل الدم – البترول العربي الرخيص، و ذلك رغم الاشارة الحضارية المقدسة الكبرى، التي أبداها للبشرية جمعاء، كلمة الله ” عيسى ” عليه السلام، و ذلك حين قال: ” و لا تدخلني في تجربة “.

 

الدكتور عدنان مصطفى
وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية )
رئيس الجمعية الفيزيائية العربية
[email protected]


طباعة المقال طباعة المقال

قد يعجبك ايضا

التعليقات متوقفه