يَدُ البِتْرُولِ : تَخُطُّ الضَرُوْرَةَ وَ التَارِيخَ
يملك الكيان البترولي العالمي، بمختلف مقامات مؤسساته و عبر شتى آليات صناعاته المعهودة، يدين: إحداها يمينية ثقيلة، تضرب الآخر دون رحمة كما يجري حالياَ في أفغانستان و العراق و فلسطين المحتلة، و أخرى يساريةٌ خفيفة على الآخرين، تضربهم في الوقت المناسب بمنتهى الأرب و اللين و ذلك في أحوال الضرورة (!؟)
كما يحدث الآن في لبنان. و في كلى الحالين لا يشهد الرحمة و لا اللين من لا يفكر قبل التعيش على الموائد الامبراطورية البترولية بتقشير التين (!!) كما يشير المثل الشعبي الحلبي. لهذا يقع قاريء التاريخ الطاقي الدولي في حيرة و هو يقرأ ما تخطة اليد البترولية و هي تسجل من جهةٍ وقائع سطوتها عبر الزمان المعاصر. في حال تقوم يد التاريخ، من جهة أخرى، بتسجيل وقائع أفعال البشرية و هي تسعى لتحقيق بقائها ونمائها منذ أن قال الله العزيز الجبار للأكوان أن تكون فكانت. و في إطار هذين المتناقضين، و بالعودة إلى رسم كارتوني بديعٍ للرأي، منشور بعنوان ” يد التاريخ “، في صباح الأحد 2 آب 2009 ضمن صحيفة الغارديان اليومية البريطانية ( politics.editor@guardianunlimited.co.uk ) ، أبدعته ريشة الفنان البريطاني كريس ريديل (Chris Riddell )، يمكن للمرء أن يميز الخلاصة المنظورة لحكم الرأي العام البريطاني على رئيس وزراء بريطانيا المهزوم ( طوني بلير: مرسل التلمودية الجديد إياه )، و ذلك قبل أن ينطلق التحقيق القضائي معه بخصوص كذبه و تلاعبه اللا أخلاقي بالشعب البريطاني لصالح إمبراطورية النفط الظلامية الكبرى، و من ثم تلطيخ ضمير البريطان بدماء الأبرياء من أبنائهم و أبناء غيرهم في بلاد الرافدين و بلاد الشام و بلاد البشتون الأفغانية خلال مذابح الحروب الامبريالية – التلمودية القائمة حتى اليوم. و في كاريكاتور الفنان ريدل، الذي يكاد ينطق، يبدو ثمة حوار يدور بين رئيس الوزراء الحالي غوردون براون و طوني بلير، قال فيه الأخير ما معناه: ” تعلم ياغوردون أنني لست من الذين تنالهم القرصات الصوتية، فأنا قادر على إخبار يد التاريخ التي تدق على كتفي بما لدي..؟!”، فيجيب براون قائلا ما معناه: ” لا تقلق يا طوني، إذا كان هذا الشيء منظم حقا، فذلك هو المكان الوحيد الذي ستشعر فيه أنت بسطوة يد التاريخ..”. و على نقيض هذه الصورة، يظهر الاعلام العربي بخاصةٍ رسومَ واقعيةَ ” شبه هزلية ؟!” ليد البترول اليسارية (!؟) و هي تدقُّ كتف العديد من زعماء النظام العربي السياسي القائم، مذكرة إياهم جهاراً باعتماد منطق ” الضرورة البترولية ” في تغيير وجهة سيرهم نحو موقع إمبراطوري جديد، سبق لنا توقع حدوثه قبل بضعة اسابيع في مقال رأينا المنشور بعنوان: ” حَوْلَ صِبْيَانِ البِتْرُولِ وَ كَشِّ الحَمَامِ العَرَبِيّْ؟! ” ، في الموقعين الالكترونيين المميزين: www.syria-oil.com و www.all4syria.info في 28/7/2009 . و بناءً على هذا اللين، و تجاهد ” مؤتمر فتح ” الجاري اليوم في رام الله ” لتقشير التين ” التلمودي، يبدو أن تقدم أزلام الامبراطورية باتجاه الزام الذات بمزيد من الجَلَدِ و الصبر المناسبين لمتابعة و تحمل توجهات ” الضرورة الموضوعية “، و جعلها تسير في الاتجاه الصحيح المناسب لها: بمعنى المحافظة على ترتيبات التحكم بالاستراتيجية البترولية، قيد التطبيق، في شواطيء شرقي المتوسط، و يأتي في مقدمها مثلاً الابقاء على الشرخ الوطني الفلسطيني اللازم لتسهيل مصالح ثلاثي: مبارك – بيريز – عباس البترولية. لهذا ستشهد ” السوق السياسية الفلسطينية التقليدية “، التي سيتحكم في تحريك ” مروناتها الاقتصادية – الأمنية “، و بدءً من مطلع شهر آب 2009 الجاري، كلٌ من هراوات السلطة الفلسطينية الملوثة بفايروسات انفلونزا الطيور و الخنازير، و بنادق سلطات الموساد التلمودية المزودة بعبوات اليورانيوم النافذ، الرامية جميعاً إلى تنفيذ خطط التنظيف العرقي العربي من داخل الثكنة العسكرية اليهودية المحتلة ( أي إسرائيل ) و تسريع جلاء الفلسطينيين العرب من القدس و الضفة الغربية و القاءهم في الجوار العربي. أما على الصعيد اللبناني العكر، فيبدو أن الوقت قد حان لا ستحضار ” نَفَسِ فلاديمير إيليتش لينين البراغماتي “، أي ذلك الذي ” برر “، في وقت ما من أزمان صراع الثورة لبلشفية مع أعدائها، استراتيجية ” خطوة للأمام خطوتان للوراء “. و وفق هذا الانقلاب السياسي اللبناني الجديد، تبدو يد الامبراطورية البترولية اليسرى، لا يَــد التاريــخ الأمينة، هي التي ستتحرك موجهةً بعض من تعثر ” بحكم الضرورة ” في متابعته موالاة أزلامها في: معسكر ” المحافظين الجدد في أمريكا “، خصوصاً بعد هزيمتة الأخير المزدوجة المشهودة في صميم قلب البيت الأمريكي الأبيض و في عقر دار طوني بلير في 10 داوننغ ستريت البريطانية. و في هذا الشأن، تؤكد محطة ( CNN ) العالمية على حقيقة ما أشرنا إليه بايجاز في الساحة البنانية، حين نشرت نبأ افتتاح الجمعية العمومية، لمؤتمر الحزب “التقدمي الاشتراكي” اللبناني العتيد، أعمالها في الثاني من شهر آب الجاري، و تحدث في مستهله أحد القادة السياسيين اللبنانيين قائلاً ما يلي:: ” لم يخض فريق 14 آذار معركة ذات مضمون سياسي… فكل معركته كانت قائمة على رفض الآخر من موقع مذهبي وقبلي وسياسي… لهذا لا مناص لنا من الخروج من الانحياز، و عدم الانجرار إلى اليمين، و العودة إلى الأصول و الثوابت و إلى اليسار تحديداً… و عندما نقول أننا انتصرنا في الانتخابات الأخيرة، لا يكتمل هذا الأمر إلا عندما نعطي العمال حقوقهم، و ننتصر عندما نخرج من اليمين !!!”. و تابع ذلك السياسي المميز (!؟) قائلاً: ” لقد ذهبنا إلى اللا معقول عندما التقينا موضوعياً مع المحافظين الجدد في أمريكا، من اجل حماية ما يسمى بثورة السيادة والحرية والاستقلال، و كان هذا لقاءً في غير طبيعته وفي غير سياقه التاريخي، أن نلتقي مع الذين عمموا الفوضى في منطقة الشرق؟!، والذين دمروا العراق وفلسطين، ربما كنا نستطيع ألا نذهب، ولكن ما حـدث قـد حــدث وذهبنا ولــم تكــن تلك إلا نــقــطــة ســوداء في تـــاريخ الحـــزب الأبيض….” ( www.arabic.cnn.com ، 2nd August 2009 ). و بشكل مواكب لهذا الأمر، لم تعطٍ ( CNN ) و لا غيرها من قوى الاعلام الشمالي الامبراطورية بالاً لتصريح خطير جداً قامت بطرحه الوكالة الدولية للطاقة ( IEA ) على لسان كبير خبرائها الاقتصاديين الدكتور فاتح بيرول ( و المسؤول عن تقويم إمدادات الطاقة في بلدان منظمة ( OECD ))، و قامت على استحياءٍ بتغطيته إعلامياً، صحيفة المستقلة البريطانية في 3 آب 2009 الجاري، تحت عنوان: ” إنذار: إن إمدادات البترول تنضب سريعاً؟! “. فلقد ارتكز محور هذا التصريح على بيان: ” أن العالم مقبل على كارثة طاقية قادرة على شلِّ الخروج من الانحسار الاقتصادي العالمي و ذلك بنتيجة تجاوز الحقول البترولية العالمية لقمة عطائها ( peak production ) …الخ “. و من بين القلة الذين تعاطوا مع هذه الانذار الكبير، يتساءل البعض معنا، حتى الآن، حول الاسلوب الذي سيتعاطى العالم به مع هذه الاشكالية؟. على أي حال، نحن نعتقد هنا بان يد الامبراطورية اليسارية هي التي ستقوم مبدئياً بالتعامل مع هذه الحقيقة: و ذلك بمنتهى الهدوء الاوبامي، و اللين البراوني، و بكل الحرص الأوروبي على تقشير التين العربي إن وجد، و إلا فإنه عند فشل هذا النهج السياسي الامبريالي الرصين ستضرب الامبراطورية حتماً بيدها اليمنى إياها، و لات حين مناص.
الدكتور عدنان مصطفى
وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية )
رئيس الجمعية الفيزيائية العربية
profamustafa@myway.com

التعليقات متوقفه