أسعار النفط العالمية … إلى أين تتجه
باتت أسعار النفط اليوم وتحركها صعودا وهبوطا الشغل الشاغل ليس فقط للمهتمين بقطاع البترول ومتعلقاته والعاملين فيه بل لمعظم الناس نظرا لتأثير ذلك على مناحي الحياة المتعددة من خلال الاستخدام الواسع لأنواع الوقود المشتقة منه : في السكن والنقل بأشكاله المختلفة والصناعة ومنتجاتها وتوليد الكهرباء والزراعة وغير ذلك .
ومن أجل التوصل إلى إجابات مقنعة منطقية وواقعية على تساؤلات مشروعة عن حقيقة ما تشهده الأسواق النفطية من أحداث لابد من التطرق إلى العوامل التي أدت إلى تأرجح الأسعار وتغيراتها الكبيرة . ولعل من أكثرها تأثيراً في التغييرات الكبيرة خلال العام الحالي والعامين الماضيين هو الوضع الجيوسياسي والأمني الذي يسود منطقة الشرق الأوسط وبخاصة منطقة الخليج العربي بسبب الحروب القائمة فيها والاضطرابات العسكرية. ويلتحق بذلك عامل المضاربات والمراهنات السعرية التي يمارسها خبراء البورصات العالمية بقصد الربح من جهة وتسجيل مواقف اقتصادية سياسية من جهة أخرى. هذا و يبقى العامل المرجعي لتحول أسعار النفط هو العرض والطلب الذي غطت عليه العوامل المذكورة سابقاً وكان دوره محدوداً في هذه الفترة التي نتكلم عنها. إذ كما نعلم ان اوبك زادت الانتاج ثم خفضته إلا أن ذلك لم يعكس تأثيراً كبيراً على الأسعار.
لا شك أنه يوجد عوامل أخرى متعددة تلقي بفعلها أحياناً في حركة أسعار النفط ، منها المخزون النفطي التجاري لدى شركات النفط والمخزون النفطي الاستراتيجي الأمريكي ومحدودية كميات المشتقات النفطية يسبب قلة عدد المصافي في العالم ، فحركة أسعارها تتبادل التأثير مع أسعار النفط الخام.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو هل ستواصل أسعار النفط ارتفاعاتها في هذه الفترة بعدما حلقت إلى حوالي 150 دولار للبرميل وانخفضت بسرعة إلى 32 دولار للبرميل؟
أي سعر سيصل إليه النفط الخام مع نهاية العام الحالي. و هل الارتفاعات الحالية في أسعار النفط هي انعكاس حقيقي وارتباط بالنشاط التجاري العالمي في حقل الأزمة المالية العالمية و دوران العجلة الاقتصادية.
إن وصول سعر النفط الخام حتى60 دولار للبرميل وأعلى منذ بداية العام الحالي يمثل ارتفاعا بنسبة 80% منذ شهر كانون الثاني الماضي ويرتفع سعر النفط الخام في الوقت الذي يتوازن العرض والطلب العالمي تقريباً. إلا أن العوامل الجيوسياسية لازالت موجودة في الساحة وتلعب دورها باعتدال حالياً وكذلك تأثير النمو الاقتصادي السريع للصين والهند بالإضافة إلى ذلك هناك تأثير ناتج عن انخفاض سعر صرف الدولار الأمريكي عالمياً.
من الصعب التوقع بان أسعار النفط سترتفع تلقائيا دون تحسن في الأداء للاقتصاد العالمي العام وعلى الأغلب لا نتوقع أن تزيد أسعار النفط عن معدل ال 70 دولار مع نهاية العام الحالي دون زيادة في معدلات الطلب العالمي على النفط ، أو تخفيض الدول المنتجة للنفط إنتاجها و خاصة دول منظمة ‘ أوبك’ .
إن السعر الحالي للنفط هو معقول إلى حد ما وقد يقبله المنطق في ظل الظروف الاقتصادية و المالية العالمية . وإذا ما رجعنا إلى السعر المدروس بدقة لمنظمة أوبك خلال أعوام 2000 – 2002 إذ كان يقدر ب 35 دولار للبرميل على أساس أنه يحقق توازناً بين المنتج والمستهلك، وإذا ما قمنا بحسابات اقتصادية شاملة بعد مرور 7-8 سنوات، فإننا سنصل إلى السعر الحالي تقريباً.
الدكتور ابراهيم حداد
وزير النفط السابق
مستشار رئيس مجلس الوزراء لشؤون الطاقة

التعليقات متوقفه