حَوْلَ صِبْيَانِ البِتْرُولِ وَ كَشِّ الحَمَامِ العَرَبِيّْ؟!
منذ أن حاق الفشل الذريع بتنفيذ ” المهمة الإمبراطورية البترولية ” سيق الذين أخفقوا إلى أتون ” الانحسار الرأسمالي – الشمالي ” زمراً، في حال فتحت أبواب الأمل أمام عزائم ” زمر ” شرفاء أمم الجنوب و هي تتقدم باتجاه منظور عزة و نماء شعوبها المستضعفة.
و في ” المكان الخاوي ” بين المثوى الوحشي – المظلم لقوى المتكبرين و مثوى المرابطين على ثغور حرية الجنوب المشرقة، تتكشف ثمة ظواهر شذوذ بارزة في سلوك التسلط البشري السائد مع أفول العقد الأول من القرن الحادي و العشرين الجاري. و تنبيهاً للغافلين، بل العرب المتابعين لنفوسهم على ما تشتهيها، نحاول في مقال رأينا المتواضع هذا تبسيط رؤيةٍ لشاهدين واقعيين على حدوث هذا الشذوذ في وطننا العربي المستضعف اليوم.
بدايةً، لا بد لنا من التأكيد على وجود ثمة ” إحباط “، غشا بشكل كاسح، أرواح ” شيوخ ” أزلام الإمبريالية التلمودية الجديدة فأرداها ” معنوياً ” عند أقدام قومة الصمود العربية المعاصرة، و ذلك بين هزائم الصهيونية في جنوب لبنان عام 2006 و ردِّ صدمة ” محرقة غزة ” عام 2009. و كي لا يفلت زمام التحكم بالمواقع الإمبراطورية في كل من بلاد الشام و الرافدين، كان لا بد لعتاة الإمبراطور من المبادرة إلى إدخال هذه الأرواح البترولية العربية الهائمة الآن، مواطن ” العناية الطبية المشددة ” هنا و هناك، و مواكبة ذلك بتسليم مقاليد النفوذ المحلية لأزلام شبابية جديدة، يمكن لها مثلاَ أن تعمل بأشكال شتى على تسكين روع ” الآباء الحكام الخائفين ” من جهة، و أن تهديء من جهة أخرى، قليلاً ما، من أعصاب قادة العصابات التلمودية الفاشية المستوطنة داخل فلسطين المحتلة و خارجها. و المفاجيء في مثل محاولات ” طب الطواريء ” هذه هو: حدوث ثمة ” تعثر جهري “، لا ريب فيه، لمعظم هذه العناصر الشبابية الصاعدة اليوم على مدارج ” رياض أطفال ” السلطة السياسية القطرية العربية ما بين لبنان و البحرين مثلاً. من يود التعمق في إدراك حقائق هذه الظاهرة، نتمنى عليه إجراء قراءة دقيقة لمقال مؤسف نشره أحد هؤلاء الشباب العاثرين في صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية، يوم الجمعة 17 تموز 2009 الجاري، أي قبيل احتفال العرب و المسلمين بذكرى إسراء جدنا المصطفى، خاتم الأنبياء و المرسلين، محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه و سلم )، حيث حمل هذا ” التوريط الطفولي السياسي ” عنواناً مثيراً يقول بمنتهى الجهل: ” العرب بحاجة إلى التخاطب مع الإسرائيليين: Arabs Need to Talk to the Israelis “. جدلاً، لن تجد عربياً، يؤمن بالله و بوطنه و باليوم الآخر، يتفق و لو بحرف واحد مع الذين خطّوا نصَّ هذا المقال المشين (!؟) لهذا المسئول المسكين الشاب. و إنطلاقاً من قول الله جلت قدرته: ” إن كثيراً من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض..”، و في أبسط التفسيرات لهذا الفعل المشين، لا نجد وطنياً – عربياً عاقلاً إلا و يدرك أن عصا توريطً مقصودة قام برميها بضعة من أزلام الإعلام العربي – التلمودي بين دواليب صعود هذا المسئول المسكين نحو السلطة المنظورة له. و تأكيداً لمضي هذا التوريط في غيه، يتابع هؤلاء الخلطاء العاملين في إطار إدارة هذا المسئول الإعلامية ” بالتطبيل و التزمـيـر ” لمثل هذا ” الـوهـن الـطـفـولي ” المتفاقم اليوم في النظام العربي الحاكم هنا و هناك. فمن بين مقالات ” التبشير ” لمثل هذا التعبير السقيم نتبين من يقول الكثير جهاراً: ” حول مبادرة ولي العهد !؟) حول عملية السلام “، ليخلص في منتهى الأحوال بالقول: ” العرب مدعوون لتصحيح خطئهم بترك الساحة الإعلامية لإسرائيل “، و المبادرة (!؟) إلى التمسك ” بمبادرة ” صاحب السمو (!) ” هذا، كونها تطرح رؤية ” لكيفية الحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني و دفع عملية السلام إلى الأمام (!؟)، لتخلق حالة من الحراك الفكري بشأن كيفية إدارة الصراع العربي الإسرائيلي، لما تضمنته المبادرة من رؤية جديدة تدعو إلى محاولة اختراق الحواجز والوصول إلى قلب الشارع والمجتمع الإسرائيلي لكشف الحقائق أمامه عن موقف الدول العربية الساعي للسلام العادل والشامل، وخطورة ما تقوم به الحكومات الإسرائيلية من تشدد وصلف على أمن واستقرار المنطقة “. و يمضي آخرون من أزلام الصهاينة العرب في تضليلهم بالتأكيد على أن: “ مبادرة صاحب السمو ولي العهد تكتسي أهمية من نوع خاص، فهي ربما تكون المبادرة الأولى من نوعها في هذا السياق منذ إقرار الدول العربية للمبادرة العربية للسلام في العام 2002 ، وتؤكد أن الدول العربية لديها من الآليات والوسائل التي من شأنها كشف ”زيف” الادعاءات الإسرائيلية أمام الرأي العام الإسرائيلي أولاً والدولي ثانياً، وعدم ترك ميدان الإعلام لإسرائيل لتلعب فيه منفردة كيفما تشاء مستغلة تراجع الخصم أو عدم رغبته في دخول الميدان “، فصدق أو لا تصدق مثل هذا البهتان المقيت. و في جميع الأحوال، لا نستغرب من هؤلاء المروجين التلموديين متابعتهم تنفيذ مثل هذه ” المهام الإمبراطورية السهلة “، فلقد سبق لهم تحقيق نجاحات أكبر على يد بعض كبار قادة الخليج العربي، و ذلك حين زينوا لبعضهم محاسن تسليم سيوفهم العربية لمرسل التلمودية المهزوم جورج والكر بوش و قاموا ” كوريوغرافياً ” بتصميم رقصات هذا التسليم، و هم الآن ماضون بتعليم ” صبيان ” هؤلاء القادة بالرقص فوق المقدسات العربية – الإسلامية قبل تسليمها ظلماً و عدواناً لحكومة نانتنياهو الصهيونية المتطرفة اليوم، و العياذ بالله.
و المثير في هذه الظاهرة أيضاً أنها: بدأت تأخذ اليوم صيغة أكثر إيلاما في لبنان العزيز، إن لم تكن قد باتت تحاكي ظاهرة التوحش المحلية التي قادت من قبل إلى إشعال نار الحرب اللبنانية الأهلية المقيتة الفارطة. و لا نجد في ختام هذا المقال تعبيراً يصف ظاهرة الشذوذ اللبنانية هذه أقوى من الذي أبداه أحد أبرز قادة المعارضة الوطنية اللبنانية حين سئل عن رأيه بخصوص تشكيل حكومة الوفاق الوطني المنظورة اليوم. فحين تمكن أحد الصحافيين اللبنانيين النابهين وقتئذٍ من سؤال هذا السياسي، الوطني المحنك، عن رأيه فيما يخص سلوك أحد البارزين السياسيين في قيادة جبهة الموالاة السياسية اللبنانية، قدم هذا القائد الوطني – العربي المعارض، أحد أجمل الإشارات الصوفية – السياسية في هذا الشأن، قائلاً ما معناه: ” كي نفهم حقاً سلوك هذا السياسي الموالي، أذكر بظاهرة كشِّ الحمام التقليدية في لبنان: فالأسراب تطرد في السماء لتختلط ببعضها، و حين ينتاب التعب أجنحة الحمام، يقوم كشاشة الحمام بنداء أسرابهم، ليعود كلها أو بعضها مع بعض التائهين في أسراب الآخرين، عندها يكون كشاش الحمام هذا و ذاك مستعداً لصيد حمام الآخرين التائه…!؟”. و لا نجد ثمة ابتعاد يذكر في قوة هذه الإشارة السياسية الذكية لوصف حال التوجه الإمبريالي – التلمودي – البترولي السائد اليوم عموما في الوطن العربيً، و بخاصة ذلك الذي أشرنا إليه بدايةً. و السؤال الوطني – العربي الكبير الواجب طرحه اليوم و ليس غداً هو: “ إلى متى سيسمح الشعب العربي العظيم باستمرار التلاعب السياسي بالصبيان؟!، بل و إلى متى سيسمح باستمرار كشِّ الحمام في سماوات وجودنا التنموي الملوثة ” بالطوز البترولي ” المقيت؟!، إلى متى؟.
الدكتور عدنان مصطفى
وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية )
رئيس الجمعية الفيزيائية العربية
طباعة المقال
التعليقات متوقفه