أَثَرُ الفَرَاشَةِ: يَجْتَاحُ العَصْرَ البِتْرُولِيَ العَرَبِيَّ
في أحد الحوارات الأكاديمية التي أكرمت بخوضها مع طلابنا الشباب الكرام في الحرم الجامعي العربي العتيد، و بخاصة تلك التي رافقت عرض القانون الثاني للتحريك الحراري، تحفز أحدهم ليقول ” بخيالية ” هذا القانون.
فلقد أكدَّ هذا القانون الجبار قائلاٍ: ” ثمة قّدّرٌ يقضي بانعدام انتظام الأكوان التي تحتوي وجودنا، حتى لتسود الفوضى مكان الأكوان عبر الزمان “. و في حينه، سألت محاوري المتحمس أن يقوم بتنفيذ تجربةٍ بسيطة في منزله يقوم خلالها: ” بإسقاط قطرة حبر ما في كأس ماء و ملاحظة ما يحدث لها، و أن يقوم إن أمكن بمحاولة إرجاع قطرة الحبر هذه سيرتها الأولى، و من ثم يعود إلينا غدا ليتحفنا بما قد يتوصل إليه “. و حين استمعنا و زملاؤه لاحقاً لتقرير تجربته، أقرَّ بسيادة فوضى جزيئات الحبر في كأس الماء، و بفشله في عكس العملية. و فيما يخص الجزء الثاني من تجربته، إعترف بأن الذي أنقذه من حيرته الفيزيائية التجريبية هو تدخل جدته المؤمنة ” بقضاء ” و ” قَدَرِ ” الله، و قيامها بأخذ الكأس من يده و نثر ما فيها على الأرض طالبة منه تجميع محتوياتها في الوقت الذي يشاء، و مذكرة إياه بالمثل الشعبي العربي الدارج: ” إنها يا بني ماء و انكبت “، عندها أقرَّ محاورنا الكريم، مع كامل رفاقه، بأن ” قدر ” القانون الثاني للتحريك الحراري يجسد خروج الممكنات من العدم إلى الوجود، واحداً بعد واحد، مطابقاً ” للقضاء “، علماً بأن ” القضاء في الأزل “، و ” القدر فيما لا يزال “. و الجدير بالذكر هنا أن ” الفوضى: chaos ” باتت تحتل اليوم حيزاًً علمياً كبيراً، حيث تنظمه ” نظرية الفوضى: chaos theory “. و الجدير بالذكر في هذا المقام أنه حدث في مطلع عقد السبعينيات من القرن العشرين الماضي أن قام عالم الأنواء الشهير الدكتور إدوارد لورنتز باستغلال نظرية الفوضى هذه لإخراج ” اثر الفراشة:The Butterfly Effect “. و يمكن تبسيط أثر الفراشة بالقول أنه: ” يمكن لخفقةٍ من جناحي فراشة في البرازيل أن تطلق إعصاراً في تكساس “. و هذا ما يحدث حقاً في ” العصر الإمبراطوري البترولي ” السائد اليوم، كيف؟. في بدء الإجابة على هذا التساؤل يمكن الإشارة إلى أن الفراشات الحالمة في كل من أفغانستان و العراق و لبنان و فلسطين مثلا، عندما حرمتها، آلة حرب تحالف الشمال الإمبريالي – التلمودي الزاحفة نحو السيطرة على مصادر الطاقة الأفغانية و العربية ( يورانيوم، بترول، غاز طبيعي…الخ ) من أحلامها السعيدة في جبال و سهول ووديان هذه البلدان المستضعفة، ” خفقت ” بأجنحتها فراراً إلى خالقها، فكان – حسب منظور أثر الفراشة هذا – أن أطلقت خلال النصف الأول من حزيران 2009 الجاري أعاصير طاقية – سياسية كاسحة في كل من أوروبا و الوطن العربي. يمكن إيضاح أبرز ملامحها على النحو التالي:
إعصار اليمين الأوروبي القاهر: الذي تعاظمت حدته مع انكشاف حال صناع القرار الأوروبي و تأكد تبعيتهم المطلقة للقرار الإمبريالي الأمريكي التلمودي الهادف إلى كف يد شعوب الجنوب عن قرار استغلال مصادرها الطاقية الطبيعية، و الهيمنة نهائياً على كل صناعاتها الوطنية مهما كلف الأمر. و في عين هذا الإعصار هذا، يمكن للإنسان العادي مثلاً، رؤية ” الديموقراطية الأوروبية العتيدة ” و هي تسحق تحت أقدام القوى اليمينية الظلامية الحمقاء. في حال نرى كيف تلفظ العاصفة في مجهول الرأي العام الأوروبي الغائم معظم القوى التقدمية اليسارية المتخاذلة، شاهد الحال قد تكشف جليـاً في ( الشكل الأول ). أضف
الشكل الأول
إلى ذلك، بروز حقيقة امتناع الرأي العام الأوروبي عن التصويت حيث بلغت حدود 57 % على مستوى القارة الأوروبية كله. و في هذا الصدد أعرب الرئيس المنتهية ولايته للبرلمان الأوروبي، الألماني هانز غيرت بوتيرينغ عن “أسفه لنسبة المشاركة الضعيفة جداً ”، معتبراً أن “على الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام بحث الوسائل الكفيلة بتحسين طريقة مواكبة رسالة الاتحاد الأوروبي”.
إعصار الولاء الإمبريالي اللبناني: الذي أثارته حوامات مسئولي إدارات الولايات المتحدة الأمريكية التي زارت لبنان مؤخراً، و طائرات العدو الصهيوني أثناء مناورات إسرائيل العسكرية الأخيرة، و طائرات التمويل الخاصة لبعض الأنظمة العربية الحاكمة التي عبثت بأجواء الرأي العام اللبناني خلال الأسبوع الأول من حزيران 2009 الجاري. و في عين إعصار الولاء الإمبريالي هذا، تم احتواء المغتربين اللبنانيين المستقدمين من مختلف أنحاء العالم و استثمار كرب الفقراء و المحتاجين المالية، و تجنيد النظام الأمني الحاكم لإرضاء عين الموالاة الزرقاء، في حال لفظ الإعصار كل القوى التقدمية الوطنية المستضعفة و المتحالفة من قريب أو بعيد مع قوى المقاومة اللبنانية العتيدة. شاهد ذلك مبين وضوحـاًً في ( الشكل الثاني ). و المثير حقاً في أمر هذا الإعصار، أنه قد عمل على تحريـك الصقور في
ركب أزلام الإمبريالية – التلمودية، فبدأت بالطيران الاستفزازي الكثيف، و ذلك تمهيداً لتحريك أعاصير صراع لبنانية داخلية و إقليمية لا يعرف إلا الله مداها.
و عبر تحقق هذين الإعصارين المتعاظمين في المنطقة اليورو آسيوية، لا نعتقد البتة أن خفق جناح الفراشات المهاجرة بترولياً من جور عملاء الموساد في شمال العراق سيمر جزافاً، فثمة أعاصير شعبية عربية جارفة نتوقع منها أن تكون قادرةً – بعون الله – على سحق الموالين المتباهين بحمل إشارات و شعارات على صدورهم تتماهي و علم العدو الصهيوني في كل مكان، ذلك لأن ” الله – جلت قدرته – لَمْ يُقَوِّ الأبرارَ بالجَبْرِ، إنما قَوَّاهُم باليقين “.
الدكتور عدنان مصطفى
وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية )
رئيس الجمعية الفيزيائية العربية
طباعة المقال
التعليقات متوقفه