صَوَاعِقُ لَدَىْ السُهُوبِ البِتْرُولِيَةِ ؟

الصاعقة، وفق المعرفة الصوفيزيائية، ” نارٌ تسقط من السماء راعدةً فلا تمرُّ بشيء إلا أحرقته مع وقعٍ شديد، و يمكن لفعلها الفيزيائي أن يتراوح مثلاً ما بين: الذي أصاب النبي موسى عليه السلام بعد تكليمه الله رب العالمين ( الرحمن الرحيم ) قائلاً: ” ربِّ أرني أنظر إليك، قال لن تراني،

و لكن أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني، فلما تجلى ربه للجبل جعله دكَّاً، و خرَّ موسى صَعِقَاً، فلما أفاق قال: سبحانك تبت إليك، و أنا أول المؤمنين ” ( القرآن الكريم، الأعراف، 143 ) من جهة، و بين ما سيتم عندما ينفخ الله ( الواحد القهار ) في الصور ليتم حسب قوله تعالى: ” فَصَعِقَ مَنْ فٍي السًمَاواتِ و مَنْ فِي الأَرضِ “، أي ماتوا من جهة أخرى ( القرآن الكريم، الزمر، 68 ). و في عالم الواقع المعاصر، أي بعد إطراد هزائم الإمبريالية الشمالية الجديدة على يد ” المقاومة الجنوبية عموماً، و العربي منها خصوصا، يبدو أننا اليوم أمام بداية سلسلة من مشاهد سقوطٍ صواعق على سهول الشمال البترولية. و يتجلى أحدث هذه المشاهد مثلاً في وقوع إحدى الأخوات الشقيقات الإمبراطورية الخمس، و هي شركة شل (Royal Dutch Shell )، في قفص محاكم الجنايات الأمريكية في نيويورك لمحاسبتها على ارتكابها أحد أفظع جرائم العصر المزدوجة المزلزلة، أي تلك المتجسدة في قتل الوطني – النيجري كين سارو- ويوا، و أحد المدافعين عن البيئة الأرضية، عن سابق إصرارٍ و ترصد في عام 1995، خلال تخريبها بيئة دلتا النيجر ( Niger Delta ). ففي يوم الأربعاء 27 أيار 2009، سيجري تذكير هذه الشقيقة الإمبراطورية البترولية مجدداً بأحلك فترات تاريخها ” البترولي ” من جهة، و سيكون هذا اليوم أيضاً موعداً مع اختبار عزم و مصداقية القضاء الأمريكي و هو يقف وجهاً لوجه أمام الإمبراطورية الظلامية البترولية دفاعاً عن حقوق الإنسان، خارج عالم الشمال من جهة أخرى. و بتعرض الشقيقة البترولية الكبرى ” شل ” لهذه الصاعقة، تمَّ إشعال النار في بيادر زيوان الإمبراطورية الأسود، ليرى الرأي العام الشمالي عبر توهجها تفاصيل حزمة مشينة من جرائم قتل و تعذيب، ارتكبها إداريو و أزلام شل ( أي نظام الرئيس ساني أباتشا الحاكم في النيجر ) بحق أهل دلتا نهر النيجر الغني بالبترول. كما كشفت نيران هذه الصاعقة حقائق سوداء عن ثنائية ” فساد ” شركة شل و وحشيتها القائمة على سحق الإرادة الوطنية لشعوب الجنوب و هي تقوم بسرقة ثرواتها البترولية. الأمر الذي أحرج رئيس الوزراء البريطاني وقتئذٍ ( أي جون ماجور ) و دفعه إلى تبني طرد النظام النيجيري الحاكم من فلك الكومنولث الإمبريالي العتيق. و قد أشعلت جريمة ” كين ويوا – شل ” هذه النار في سهل هذه الشقيقة الإمبراطورية البترولية، بات ممكناً اليوم لكل ذي بصيرة في الرأي العام العالمي، رؤية عمل آليات التآمر الإمبريالية الجديدة مع أنظمة الحكم الجنوبية الفاسدة التي تقيمها هنا و هناك، و ذلك كما فعلت شركات البترول الصغرى مثل ” شركة الغاز البريطانية ” في تثبيت رأس سلطة عباس الفلسطينية، و قلب سلطة كامب دايفيد الحاكمة في مصر، ليشهدا من منتجعات شرم الشيخ الصهيونية كيف تنفذ ” محرقة غزة ” الوحشية ( أنظر مقال رأينا بعنوان: حَوْلَ حُرُوبِ شَرْقِيِّ المُتَوَسِطِ البِتْرُولِيَةِ “، المنشور في موقع كلنا شركاء: www.all4syria.org ، 15/01/2009 مثلاً).

 

و على جانب الأطلسي الشرقي و في يوم الأربعاء ذاته ( 27 أيار 2009 )، سقطت صاعقة حارقة أخرى في رحابِ ” شركة شل الهولندية – البريطانية ( Royal Dutch Shell ) إياها، ليشهد الرأي العام الأوروبي كله، و البريطاني منه بخاصةٍ، استقالة ” سيدة البترول الأولى: الآنسة ليندا كوك ” ( مديرة شل التنفيذية )، برغم إغرائها بمكافأة قدرها 800 ألف جنيه إسترليني و عرض بترفيعها لمنصب الرئيس التنفيذي للشركة بديلاً عن جيروين فان دير فيير ( و في حال تحقق ذلك ستكون أول رئيس مؤنث لإحدى الشقيقات البترولية الخمس في التاريخ المعاصر ). و ليس بعيدا عن ” قَدَرِ ” صاعقة شل الأولى، تأتي صاعقة استقالة السيدة البترولية الأولى نتيجة للصراع الضاري القائم داخل إدارة هذه الشقيقة المراهقة ( أنظر بعض التفاصيل الخاصة بهذا الحدث في مقال سارة أرنوت، الصحفية بجريدة المستقلة البريطانية، بعنوان:” ‘First lady’ of oil quits Shell after bust-up “، و مقال رأي صحيفة المستقلة البريطانية ذاتها، المنشورين يوم الأربعاء 27 أيار 2009 Leading article: Big business and moral responsibility مثلاً ). و يمكن للقاريء الكريم ” لمس ” حرارة نار هذه الصاعقة من معرفة أن: الآنسة كوك تشكل واحدة من عظام الرقبة الإمبراطورية البترولية، و التي أمضت ما لا يقل عن ثلاثة عقود من شبابها في إدارة شل، لكنها انهزمت عجباً أمام ” جيوش ” الضابط المالي الأول للشركة السيد بيتر فوسر. و بذلك بدأت هزائم المستثمرين في شل، بل ذهبت أصوات 59 % منهم مع الريح و هم يطالبون، تحت مظلة صاعقة محاكمة نيويورك المشار إليها أنفاً، بإقالة الرؤوس الكبيرة التي نهبت تعويضاتهم و أفسدت مع الحكومة النيجيرية الفاسدة مصالحهم.

 

و ما بين هاتين الصاعقتين، يبدو احتمال سقوط صاعقة ثالثة، ستسقط قريباً على رأس النظام النيجيري الحاكم: كون هذا النظام قد سكت بشكل مشين على سلوك المؤسسات الإمبراطورية البترولية. فلأكثر من 30 سنة دأبت شل و شقيقاتها تحديداً على تلويث و تشويه بيئة دلتا النيجر الطبيعية بأوكسيد الفحم و الفضلات الصناعية البترولية من جهة، كما شكل هذا النظام المعاصر أداة جريمة قتل الدكتور سارو – ويوا النيجيري وقطع صوت احتجاجه على ” هدر الغاز الطبيعي النيجيري حرقاً ” من جهة أخرى. و الأدهي في أمر هذه الصاعقة الثالثة هو استفادة إحدى مؤسسات ضبط الفساد الأمريكية من النفس النظيف الذي تطرحه إدارة الرئيس باراك أوباما، و العمل على تحري تفاصيل التآمر المالية و الجمركية المشبوهة لشركة بانالبينا ( Panalpina ) السويسرية و غيرها تحت مظلة الشقيقة البترولية شل ذاتها، و ذلك في كل من نيجيريا و كازاخستان و المملكة العربية السعودية. و لا نعتقد بأن سقوط هذه الصواعق سيتوقف بعد أفول شمس إدارة المرسل التلمودي جورج والكر بوش، حيث سنشهد صواعق أدهى و أمرّْ في مختلف السهول البترولية الدولية، ذاكرين في مثل هذا الشأن، قول الإمام محمد بن علي الباقر ( رضوان الله عليه و سلامه ): ” الصواعق تصيبُ المؤمن و غير المؤمن، و لا تصيب الذاكر “، فهل سيكون عرب اليوم من الذاكرين؟، نرجو الله.

 

الدكتور عدنان مصطفى
وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية )
رئيس الجمعية الفيزيائية العربية
[email protected]


طباعة المقال طباعة المقال

قد يعجبك ايضا

التعليقات متوقفه