أَنَاشِيْدَ طَاقِيَةٍ مُسْتَقْبَلِيَةٍ جَدِيْدَةٍ ؟
مع إشراقة شمس يوم 25 أيار 2009 ، تبرز جَهَاراً حقيقة ظاهرة الاستقطاب الجديدة التي تأخذ في شمولها بقاء و نماء البشرية ما بين أعلى الأرض ( الشمال ) و أدناها ( الجنوب ).
ففي الوقت الذي يحتفل العديد من شعوب الجنوب المستضعفة، و العربي منها خصوصاً، بتعاظم تحركها باتجاه إنعتاقها من أعتى إرهاصات ضيم الإمبريالية – التلمودية، أي سيطرة قوى إمبراطورية الظلام البترولية، يشهد معظم كيانات الشمال الكبرى، و الولايات المتحدة الأمريكية في مقدمها، بتفاقم تقهقرها تحت وطأة الانحسار ( recession ) بشتى أشكاله الاقتصادي و المدني و الحضاري، ليؤكد هذا ” القَدَرُ ” العالمي الكاسح دنو ” الاستقطاب العالمي الحضاري ” من مقام استقراره بلا رجعة قريبة ما. و تعبيراً عن الإحساس الشعبي الصادق بسيادة ظاهرة الاستقطاب هذه، ينطلق اليوم في سماء لبنان الأبيّ الزرقاء ” نشيد انتصار المقاومة اللبنانية ” مبشراً بقرب ” قومة ” الأمة العربية الشاملة في وجه أعدائها في الداخل و الخارج. و في هذه المناسبة الوطنية – العربية العظيمة، لا يسعني – في إطار هذا المقال – سوى ترديد وجيز مقام ( theme ) هذا النشيد المعبر عنه بلسان أحد مراسلي قناة المنار العتيدة حين قال: ” في مثل هذا اليوم قبل تسع سنين خلت كانت بوابة فاطمة تقفل على إثنين وعشرين عاماً من الاحتلال ( الصهيوني ) مع كل ما يعنيه الاحتلال ( التلمودي ) من عدوان وجرائم ودمار وانتهاك سيادة وكرامة. يد المقاومة ( الوطنية – العربية ) كانت حينها على الزناد، كما كانت قبل وبعد واليوم في جاهزية تحسباً لأي مناورة أو مراوغة، وعين جمهور المقاومة ( اللبنانية ) الممتد على اتساع العالم حتى آخر حدود الحرية كان يتابع مشهداً غير مسبوق في تاريخ صراعات التحرر. لكن اليوم، وفي مصادفة غير بريئة، تبدو عين العدو الإسرائيلي على النيل من حزب المقاومة- حزب الله، شاخصة من نافذة اقتناص الفرص بعد أن تبددت فرص العدو المباشرة احتلالاً وشبكات تجسس….” ( ضياء أبو طعام، قناة المنار اللبنانية، 24/05/2009 ). و في المقابل، أي عند القطب المضاد، ينفرد ثنائي ناتانياهو – ليبرمان التلمودي الدموي ” بنعيقٍ ” صوت عدوانِ صهيوني قديم / جديد يقول ما معناه: ” لن ننسحب إلى حدود عام 1967 كونه لا يضمن – كموضوعة ” إقامة الدولتين الإسرائيلية و الفلسطينية ” – السلام و الأمن المنشودين من قبلنا لإسرائيل، و سنمضي قدماً في بناء المستوطنات عبر الأراضي العربية المحتلة. و باعتبار أن القدس ليست مستوطنة، فسنواصل طرد المقدسيين العرب منها، لنعيد بنيان القدس على النحو التلمودي المخطط،….الخ “. و تأثراً بهذا ” النشاز الصهيوني “، ضجت نخب الإعلام الشمالي المحايدة في الصراع العربي – الإسرائيلي، و المواكبة لتوجه الإدارة الأمريكية الجديدة ( برئاسة الدكتور باراك أوباما )، بنقدٍ شديد لهذا التحدي الصلف للإدارة الأمريكية الراغبة في تنفيذ مبادرة سلام جديدة. كما عبر اجتماع وزراء خارجية ” منظمة المؤتمر الإسلامي “، المنعقد يوم 24 أيار 2009 بدمشق، عن ” رفضه الشديد ” لنشيد الحرب العربي – الإسرائيلي الجديد هذا، مؤكداً على: ” ضرورة تمسك العرب جميعا بحقوقهم ومواقفهم وعدم تجزئتها تحت عناوين ” مبادرات وإشارات حسن نية “، خصوصا و أن العرب سبق لهم أن عبروا مراراً و تكراراً عن مثولهم للمرجعيات الدولية وبقيت إسرائيل الوحيدة التي ترفض هذه المرجعيات “. و إنفعالاً بتصور عواقب هذه الظاهرة الوحشية لدى الرأي العام الشمالي، يبدي المرهصون بأعباء حياتهم في ظل الانحسار الاقتصادي الذي يغشى بقاءهم / نمائهم اليوم، أضعف الإيمان في حسم معاناتهم عبر إطلاق ” أناشيد طاقية مستقبلية: Songs about the future “، لا تبتعد مقاماتها الغنائية – السياسية عن تلك التي ألفها و لحنها العديد من المفكرين المستوطنين تحت عباءة النظام العربي الحاكم. و في هذا الصدد و على الصعيد العام، أعجبني تعبير أصدره مواطن بريطاني في أحد الصحف المحلية هناك حول اصطفاء الأناشيد و بخاصة الأفلام المقدمة لمهرجان كان الفرنسي قال فيه: ” إلى أين نحن ذاهبون؟، لسنا بحاجة إلى ( خرائط ) طرق، ليتكم تنادوني باسم ” السيد المجادل: Mr Controversy”، و أقول بأن ما جاء في القائمتين A و B المختارتين عظيم، و ثمة تسميات ذكية نشرت خلال الأيام السبعة الماضية، انطوت على مواقع افتراضية في كل مكان، اختيرت من عوالم منسية، و ذكريات طفولية ترد من كواكب ميتافيزيائية إلى صلب عقولنا…”. و إنطلاقاً من هذا التفكير الشمالي لقي الفيلم العربي “الزمن الباقي” للمخرج الفلسطيني إيليا سليمان استجابة إيجابية كبيرة في مهرجان كان الدولي للسينما 2009. فوفق منطق ” السيد مجادل البريطاني ” يمكن القول بأن : ” البساطة و الوضوح في عرض يوميات مواطن فلسطيني لا يزال يعيش في فلسطين 1948 بكل ما يحمله ذلك من عنف نفسي و إحباطات إنسانية لا سابق لها البتة “، كان وراء رؤية المحكمين لتميز عمل المخرج سليمان في هذا المهرجان الدولي. و ثمة من فسر إعلامياً عدم منح فيلم إيليا سليمان أية جائزة مباشرة كونه حمل رسالة وطنية – عربية أدانت بمنتهى الوضوح طغيان الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، و دمغته بالوحشية المفرطة، مؤكدة على انتهاكه حق الانسان العربي في العيش بسلام في وطنه. و أعتقد بأن هذا النشيد / الفيلم الفني – الوطني – العربي لم يبتعد كثيراً عن سياق المقام الموسيقي الوطني – العربي الذي تقوم المقاومة العربية العتيد بانشاده عملياً ما بين بلاد الرافدين و غزة هاشم و لبنان تحديداً. و وفق منطق ” السيد مجادل البريطاني ” أيضاً، يمكن الإنصات بمسؤولية إلى ” قصيد ” ( حسب التعبير البدوي العربي ) الأستاذ فريد بيرغستين، أحد أبرز إعلاميي مجلة الاقتصادي البريطانية الشهيرة ( The Economist ) حول المخاطر التي ووَرَثَتْهَا الحروب الإمبراطورية البترولية الأخيرة للاقتصاد العالمي. فلقد أكد ” النشيد المستقبلي ” هذا على ضرورة المبادرة إلى رأب صدع مخاطر: (1) الزيادات الحادة في عجز الحساب الأمريكي المالي الجاري، و (2) تفجر هيئة الميزانيات الشمالية و الأمريكي منه بخاصة، (3) و انفلات الحماية التجارية الشمالية، و على صعيد الصين،(4) ثمة خطر قد ينشأ بنتيجة حدوث هبوطٍ قاسٍ متوقعٍ بعد الصعود المميز في نمائها، و (5) ثمة احتمال حدوث صعود في الأسعار البترولية مجدداً ما بين 60 – 70 دولار للبرميل الواحد، هكذا (!؟) دون حصول أي عمل تخريبي ما في الصناعة البترولية الدولية. و يمضي الأستاذ بيرغستين في ” تغريده الاقتصادي ” هذا، قائلاً: ” لا ريب في معظم هذه المخاطر سيفعل البعض منها بالآخر: فحصول هزة بترولية جديدة، و إنهيار في قيمة الدولار، و تضخم في العجز الاقتصادي الأمريكي، سيقود مثلاً إلى فحش في التضخم و في معدلات الفائدة…..، و في حال حدوث خطرين أو ثلاث، ناهيك عن حدوث الخمسة معاً، عندها يحدث الانتكاس بل الانعكاس في منظور التقدم العالمي…”، و ذلك هو نشيد الخسران الرأسمالي المبين، ليس في عالم الشمال الحزين اليوم فحسب، بل سيكون المحفز الرئيس لتشكيل أوركسترات حروب بترولية جديدة، سيكون وقودها الناس و الحجارة في الوطن العربي و العياذ بالله، و عندها لا بد لنا من التذكير بقول الله جل و علا: ” إقترب للناس حسابهم و هم في غفلة معرضون “، صدق الله العلي العظيم.
الدكتور عدنان مصطفى
وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية )
رئيس الجمعية الفيزيائية العربية

التعليقات متوقفه