الموجة العالمية لغلاء السلع ودور منظمة «أوبك»
بادئ ذي بدء، يجب التنبيه إلى أمور أزمة في الموضوع الذي نحن في صدده. أولاً، ان الموجة العالمية لغلاء السلع والأزمة التي يمر بها الاقتصاد العالمي لا علاقة لهما بأسعار النفط،
فحقيقة الأمر ان أسباب غلاء الغذاء ناجمة عن عوامل كثيرة، منها ارتفاع مستوى المعيشة في دول آسيوية مهمة مثل الصين، وإنتاج الوقود الحيوي بصورة تجارية في الولايات المتحدة، ما قلص المساحات الزراعية المخصصة لزراعة القمح والشعير، ومن ثم النقص في إمدادات الطحين المخصص للخبز والمعجنات، وارتفاع الأسعار العالمية، وعلى رغم تخصيص مساحات أوسع لزراعة نبات الذرة، إلا ان كميات كبيرة من الإنتاج حُولت إلى صنع وقود للمركبات بدلاً من علف للحيوانات، ما أدى بدوره إلى نقص كميات اللحوم المسوقة عالمياً، وارتفاع أسعارها. أما بالنسبة إلى الأزمة الاقتصادية العالمية، فمردها، كما هو معروف، الى أزمة الرهن العقاري الأميركي، وعدم شفافية المصارف حول حجم هذه الديون. وتتمثل خطورة هذه الأزمة، التي تشير التقديرات الأولية تاة أنها أدت حتى الآن إلى خسارة نحو تريليون دولار، في عدم معرفة مداها الفعلي، إذ يتوقع ان تتوسع مستقبلاً لتشمل ديون بطاقات الائتمان. وعلى رغم عدم وجود دور للنفط الخام في هاتين الأزمتين، إلا ان من الواضح ان الرأي العام العالمي يربط بين موجة الغلاء العالمية والزيادة غير العقلانية في أسعار النفط الخام. ويكفي ان نشير إلى ان أسعار النفط ترتفع يوماً بعد يوم، بل ساعة بعد ساعة، من دون أسباب واضحة، وأن سعر النفط الخام يتراوح حول 115 دولاراً. ويكفي ان يقتنع الرأي العام بتقرير إعلامي واحد يشير إلى دور أسعار النفط العالية في كلفة نقل المواد الغذائية، ومن ثم الربط ما بين ارتفاع أسباب الغذاء والنفط، على رغم الفروق الكبيرة وراء الحدثين. زتااتغن في هذه التطورات هو ان زيادة سعر الغذاء ترافقت مع تغيرات أساسية وواسعة في إنتاج محاصيل زراعية وطريقة استهلاكها، ناهيك عن النقصان الفعلي الذي طرأ على منتجات مهمة. وفي الوقت ذاته نجد فيه إمدادات كافية من النفط، ليس فقط لتلبية طلب المستهلكين بل أيضاً لأغراض التخزين. ان الاستقرار المستمر للإمدادات إلى الأسواق بفضل مرونة دول «أوبك»، أوجد نوعاً من الحالة الفصامية بين سوق النفط (العرض والطلب) وأسعاره. والسبب وراء هذا الوضع هو انخفاض قيمة الدولار والمضاربات، إذ يلجأ المستثمرون إلى أسواق النفط والمواد الأولية لضمان تحقيق الأرباح العالية والسريعة، بعيداً من تقلب قيمة العملات أو الأسهم. وبلجوئهم الواسع هذا، يرفعون اكثر وأكثر أسعار النفط. ويجدر التنويه هنا بصدور توقعات مهمة في الأيام الماضية، من قبل منظمة «أوبك» ووكالة الطاقة الدولية، حول احتمال انخفاض الطلب على النفط في الأشهر المقبلة، بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي. ماذا تعني هذه التطورات الاقتصادية لمنظمة «أوبك»؟ أولاً، تؤكد هذه التطورات والتوقعات صحة وصدقية ما يردده وزراء منظمة «أوبك»، من ان الإمدادات النفطية كافية، وأن أي زيادة كبيرة في الآن قد تغرق الأسعار، بالذات مع توقع انخفاض الطلب عام 2008. ثانيا، يجب تأكيد المقولة الثانية لوزراء المنظمة بأن الأسعار الحالية لا تعكس أساسيات السوق، بل هي نتيجة المضاربات وانخفاض قيمة الدولار. ثالثاً، على رغم أهمية وصحة المقولتين أعلاه، هناك أمر لا مفر منه، ويتوجب على الدول المنتجة التعامل معه. فمنظمة «أوبك»، بحكم دورها كمؤسسة اقتصادية دولية مهمة وناجحة، وبحكم تعاملها مع مادة استراتيجية كالنفط، يتوجب عليها على ضوء هذه المعطيات ان تتعامل بصورة فاعلة، وليس تبني سياسة مستسلمة لتطورات الأسعار التي أخذت المبادرات تتحكم فيها وتأخذ المبادرة بدلاً من المنظمة، على رغم الفوائد الكبيرة والواضحة الناجمة عن ارتفاع الأسعار، والتي هي فوق تصور جميع المسؤولين وتوقعاتهم. ان دول «أوبك»، في نهاية المطاف، هي جزء من دول العالم الثالث، فزيادة الشعور بالفقر والغلاء الذي من الصعب التعامل معه ستؤدي إلى تفاقم الأزمات السياسية والاجتماعية. وما شاهدناه في مصر أخيراً بسبب أزمة الخبز ليس إلا مثالاً واحداً على ما نورده هنا. وهناك مؤشرات لاحتمال توسع هذه الظاهرة في دول عربية أخرى. ومن الواضح، بالذات في الدول العربية، أننا بغنى عن مشاكل وأزمات إضافية. رابعاً، مما لا شك فيه ان استمرار مستوى أسباب النفط على هذه المعدلات العالية سيسرع في تطوير واستعمال البدائل الطاقوية. فمن غير المستغرب اليوم استعمال سيارة هجينة في الدول الصناعية الغربية واليابان، والتي تستهلك نحو 80 كيلومتراً في الغالون. طبعاً، لا يمكن هذه البدائل ان تشكل خطراً على سوق النفط، بالذات في قطاع المواصلات وفي المستقبل المنظور، أعلاه ان استمرار الأزمات الاقتصادية العالمية لفترة طويلة واحتمال تصاعدها والارتفاع اليومي غير العقلاني لأسعار النفط قد يؤدي إلى مفاجآت غير محسوبة، ناهيك عن شعور الرأي العام بدور النفط في هذه التطورات. كاتب متخصص في شؤون الطاقة
جريدة الحياة

التعليقات متوقفه