حَوْلَ العِلمِ وَ العُلَمَاءِ العَرَبْ : يَومَ الأَوَلِ مِنْ أَيَّارْ

مع إطلالة ضياء يوم الجمعة في الأول من شهر أيار عام 2009 الجاري، أي في مناسبة ” عيد العمال العالمي ” العتيدة، ما كان لقلبنا الموله أبداً بالعلم و الفيزياء و الطاقة خصوصاً، أن يصمد بوجه معرفتنا لحقائق تردي ” مدرسة العلم العربية “، أو أمام التفاصيل الواقعية المحزنة التي تغشى حال أبناء المجتمع العلمي العربي اليوم.

 و كي لا نغرق القاريء العربي الكريم بهذه التفاصيل القاتلة لكل أمل حضاري بنهوض هذا المجتمع من وعثاء بقائه الراهن، و باعتبار أن معظم وجود أخوتنا من نساء و رجال العلم العرب، سالكين كانوا أم شباباً، متركزٌ داخل الجامعات الرسمية العربية، فإننا لن نجحف حق التزامنا بالبحث عن الحقيقة العلمية، عندما نذَكِرَ الشعب العربي، من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، بتقويمٍ متواضع سبق أن أبديناه في أكثر من مقام فكري- إعلامي حول وجودنا العلمي العربي، و بخاصة ذلك الذي أبديناه في مجلة ” عالم الفكر ” العتيدة، يوم أكرمتنا رئاسة إدارتها الكريمة عام 1995 بشرف تحرير عدد خاص بها حول ” التعليم العالي في الوطن العربي “. و في حينه تركز بحثنا الرئيس، بعنوان ” مسألة الجامعات العربية: منظور القبور الحية “، حول وصف و تحليل إشكالية بقاء و نماء الجامعات العربية الرئيسة بما موجزه: ” تضم القبور عادةً أموات البشرية، في حال تضم القبور الأكاديمية العربية اليوم أحياء، هم العلماء السالكين ( scholars ) و طلاب العلم الشباب، أولئك المتمسكون بالتزامهم بالبحث عن الحقيقة العلمية لصالح وفائهم بتقدم و تطور و إزدهار أمتهم العربية العظيمة “. و الجدير بالذكر في هذا المقام، هو تكرم أخي المرحوم الدكتور حافظ قبيسي، الأستاذ بالجامعة اللبنانية، و الرئيس الأسبق للمجلس الوطني اللبناني للبحوث العلمية، ببحث فريد و مميز بعنوان: ” التعليم العالي العربي: بين حق المواطن في العلم و حق المواطنة في النخبة “. كل ذلك إضافة إلى تكرم باقة طيبة من حملة جائزة نوبيل في التعقيب على ذلك البحث المميز الذي أكرمنا الأستاذ الدكتور مايكل شاتوك بتقديمه لصالح هذا العدد الخاص لمجلة ” عالم الفكر ” بعنوان: ” المهددات الداخلية و الخارجية لجامعة القرن الحادي و العشرين ” و قامت بتعريبه مشكورة الأستاذة هند مصطفى بجامعة دمشق وقتئذٍ ( أنظر التفاصيل مثلاً في العددين الأول و الثاني من مجلة عالم الفكر الصادرين في ديسمبر / كانون الأول من عام 1995 ).

 

و نعترف هنا بأن الذي حرض قلمنا المتواضع على كتابة هذا الرأي هو ما ورد من حقائق و آراء علمية و تقويمات تنموية تخص حرم 113 جامعة معتبرة في المملكة المتحدة، نشرت جميعاً في إطار تقرير بعنوان: ” الدليل الجامعي الكامل: نهاية الانقسام الكبير – The Complete University Guide 2010: End of the great divide ” ، و قامت صحيفة المستقلة البريطانية ( The Independent ) بنشر أبرز معطياته عند صباح يوم الخميس 30 نيسان 2009 ( أنظر التفاصيل في: www.independent.co.uk مثلاً ). و الذي نرى عرضه مفيداً من بين حقائق هذا التقرير بمناسبة عبد العمال العالمي هو التساؤل القائل : ” ما الوسطي المالي الذي يجنيه اليوم خريجو الجامعات البريطانية ؟ ” ، لنجد أن إجابة التقرير التفصيلية قد تركزت في بيان أن كسب هؤلاء الخريجين قد تراوح في بريطانيا ما بين 28897 و 23876 و 222543 و 17017 جنيه إسترليني في العام عند الأطباء و المهندسين و الفيزيائيين و الموسيقيين على التوالي. في حال أجد أحد أبناء أخوتي في العلم الشريف، و هو من بين الأطباء النجباء الشباب، ذلك العالم الذي أعتز بشهامته المهنية – الإنسانية، و بزخم مقدرته العلمية في مداواة إعياء قهر القلوب الوطنية – العربية (!؟)، و قد ” طفش ” من موطنه للعمل في مستوصف قرية نائية ما في أعماق شبه الجزيرة العربية، خصوصاً بعد أن ” ذبحه الجوع “، بل كاد إعياء الفقر و البطالة من حوله، حسب علمي، أن يصنع الاحتشاء القاتل في قلبه الإنساني – العلمي الكبير. كما كدت أصل حدَّ هذه المعاناة القاسية، عندما ذكرني سائق تكسي عربي شاب ما، توصلت معه أثناء محاورتنا السريعة، باعتراف قاتل مفاده: ” أنه ارتكب خطأ عمره الكبير عندما تخرج من جامعة عربية ما متخصصاً في الفيزياء ” (!؟)، و في حينه خجلتُ من نفسي كثيراً عندما تذكرت قيمة و دور و مكانة علماء الفيزياء في عالمي الشمال و الجنوب، و ليس في الوطن العربي مع مزيد الأسف.

 

و لا يسعني في ختام هذا المقام سوى الإشارة إلى أن ” عيد العمال العالمي ” الأول التالي لانطلاقة الحركة التصحيحة المجيدة، التي أطلقها القائد التاريخي الراحل حافظ الأسد، قد شهد على عميق إيماننا بتعزيز مكانة أبناء ” مدرسة العلم العربية ” في القطر العربي السوري، فكان أن أصدر الرئيس الراحل حافظ الأسد صيغة متقدمة لتنظيم الجامعات ، و لتوفير القدر المناسب و الممكن من الدعم الرسمي، بشقيه المعنوي و المادي اللازم لصنع قومة البحث العلمي المنشودة، بدءاً من ” تأكيد ” مجانية التعليم العالي و انتهاءاً بإلزام مؤسسات سورية التنموية باحتضان ” كلّ ” خريجي الجامعات في مختلف فعاليات بناء الوطن و تعزيز صموده في وجه الأعداء سواء في الداخل أو الخارج. شاهدنا على سيادة هذه الحقيقة سابقاً متجسد دون ريب في استفادة معظم من هو في الصف الأول اليوم، ضمن قيادة الدولة و الحزب، من هذه الالتفاتة الحضارية الوطنية للرئيس الراحل حافظ الأسد طيب الله ثراه. و عليه، فما أحوجنا اليوم إلى تفعيل هذه المبادرة مجددا، و ” إستيعاب ” أبناء الفقراء وفق نهج الرئيس الراحل حافظ الأسد، فقد بات سيف ديموكليوس الرأسمالي قاب قوسين أو أدنى من أعناق هؤلاء الشباب، متمنين أن تعمل يد البعث العربي الاشتراكي المخلصة على استبعاده عنها قبل أن يحل عيد العمال العالمي المقبل، ” فلا خير في الصمت عند قول الحق ” كما قال أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه السلام.


طباعة المقال طباعة المقال

قد يعجبك ايضا

التعليقات متوقفه