في‏‏‏العَصْرُ الرَمَاديُّ – البِتْرُولِيُّ العَرَبِيُّ: أَ ثَمَةَ عِيدٌ لَلْعُمَالِ؟

ثمة شبح إمبرياليٌ – ظلاميٌّ – وحشيٌّ بات يزحف بظله البشع عبر آفاق مصير أمم الجنوب الفقيرة – المهانة – المستغلة و هي تعيش ” حياة الكلاب ” الضالة اليوم.

و في إطار عقائد هذا العيش الظالمة، تعمل جيوش و أنظمة و أدوات و أزلام ” إمبراطورية الظلام البترولية ” مثلاً باستغلال معظم الثروات البترولية الجبارة المتوفرة لدى العديد من شعوب الجنوب المستضعفة، في الوقت الذي ينام أكثر هذه الشعوب و يصحو على معاناتهم من شظف و تخلف بقائهم فوق ضرام رمال ما ظهر و بطن من مخترص ” القبب البترولية العملاقة “. هذا الشبح الرأسمالي ” المستغل ” الضاري، و بُعَيْدَ إشتداد هبوب عواصف أنواء الانحسار الاقتصادي على وجود بقاء و نماء فقراء و عمال أمم الشمال قبل أمم الجنوب الآن، لن تنثني البتة أدواته العسكرية و الأمنية الضاربة عن تصعيد فعل هذا الطغيان الإمبريالي الجديد، و بمختلف الأشكال الرأسمالية البشعة، على أقدار بقاء و نماء شعوب الجنوب، و العربية منها خصوصا. هذا الشبح الدموي الظلاميُّ يتقدم في تحقيق غاياته الشيطانية الأنانية غير أبهٍ البتة بواقع بقاء / نماء هذه الشعوب حيث تشهد البشرية جمعاء اليوم: (1) حيرة عيش النساء و الأطفال و الشيوخ على بطاح أوطانهم المرهصة و المضرجة بدماء أهلهم المسفوحة من حولهم، و (2) بعطالة الأيادي العمالية و الزراعية و الفكرية عن العمل، و (3) بمعاناة الباحثين منهم عن وسائل تعالج كفاف لقمة عيش أهليهم و عن الدواء المناسب لعلاج أطفالهم المصابين بأحدث أسلحة الدمار الشامل الأمريكية – التلمودية، كل ذلك إلى مجاورتهم في العراء لهياكل البيوت الفقيرة المدمرة بالصواريخ و القنابل الذكية و تجرعهم مرارة أحزانهم على أجسام أبنائهم المحروقة بالقنابل الفوسفورية، و ذلك بدءاً من سهول و روابي و جبال أفغانستان الصامدة، و انتهاءاً بعرين المقاومة العربية الباسلة الصامدة في كلٍّ من غزة هاشم و لبنان، مروراً ببلاد الرافدين المحروقة اليوم ظلماً و عدواناً بنيران تحالف الشمال التلمودية. و في المقابل، و عند فجر الأول من شهر أيار، تنطلق الجماهير الكادحة المظلومة و المحرومة و المستغلة مشهرة رايتها القائلة: ” يا عمال العالم إتحدوا ” و الداعية إلى مجابهة ظلم و جور مختلف أشكال القوى التي تحمل تلك الراية الرمادية – الأرجوانية – البترولية المعبرة، بمنتهى الصلف، عن طموحات الشبح الإمبريالي – التلمودي البشع إياها. وعند كل صباح و مساء يمر على وجودنا البشري، المرهص بوباء خنازير الصراع الطبقي المزمن هذا، لن يتوقف المنصفون الأخيار عن التساؤل القائل: ” أيها الناس، أثمة عيد للعمال بعد ؟، و البلاء كاد أن يكسر عظام شعوب الجنوب المتقهقرة أمام بأس قوى الظلام الأمريكية – التلمودية، و اليأس الذي يكاد يسحق أرواح المستغلين ما بين أعلى الأرض و أدناها؟ “. الجواب اليوم هو ما نراه لا ما نسمعه اليوم: فلقد أحيا العالم أمس، بشقيه الشمالي و الجنوبي على حد سواء، مناسبة ” يوم الأول من أيار “، رغم تقدم الراية الرمادية – البترولية في إطار الانحسار الاقتصادي العالمي الرهيب الذي يكاد يسحق اليوم بقاء الطبقات العاملة. و تميزت مظاهر المناسبة هذا العام ” بمصادمات عنيفةٍ ” وقعت في بلدان عدة بين قوات الأمن ومتظاهرين يحملون حكوماتهم مسؤولية معاناتهم. فلقد شهد مختلف المدن الأوروبية مسيرات عمالية تضم مئات الألوف، حيث تخللتها اشتباكات ضارية. و لم تتردد الحركات اليسارية في العالم، و ليس في روسيا فحسب، بقيادة مسيرات حاشدة غاضبة شهدت الكثير من التصادمات و الاعتقالات، حيث كان أبرزها حرارة في ألمانيا و ذلك عندما رفع الكثير من العمال صوراً شبه عارية للمستشارة أنجيلا ميركل تعبيراً عن موالاتها لشهوات قادة الإمبراطورية الأمريكية – التلمودية من جهة و تمتعها بالجنس السلطوي في إطار المجموعة الأوروبية من جهة أخرى. وفي فرنسا، قام عشرات آلاف المتظاهرين بالتنديد بسياسة الرئيس نيكولا ساركوزي و إدارته، و اعتمادها منتهى الانتهازية السياسية التقليدية في معالجة الإشكاليات الاجتماعية و العلمية و الاقتصادية الناجمة عن ثنائية تنافس الحكومة الفرنسية مع مثيلتها البريطانية في ” التعري و الانبطاح على سرير الإمبراطور البترولي “. كما شهدت القارتين الأفريقية و الآسيوية زحف مئات الآلاف من الكادحين و الفقراء في مسيرات غاضبة و ذلك احتجاجاً على سوء معالجة حكوماتهم للأزمة الاقتصادية التي تغشاهم، و المتجلية مباشرة في تفاقم بلاء ” التضخم الاقتصادي ” الذي تجاوز حدود الألوف بالمائة، و ألقى ببقاء شعوبهم في أدنى قيعان البلاء في الحياة. و المثير للحسرة في هذا المقام، أن لا يشهد الوطن العربي مواقف مميزة تتسق و روح العزة و الكرامة التي حبا الله بها شعبنا العربي العظيم، و لا نميز أية قومة عمالية أو فلاحية أو فكرية جديرة بالاعتبار في مناسبة الأول من أيار، و كأن الذل قد اجتاح أرواحنا الوطنية –العربية كما حدث و تمَّ أثناء ” محرقة غزة هاشم ” قبل بضعة شهور خلت. و رغم إيماننا بقول الله عز و جل: ” وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (١٥٦) ( القرآن الكريم، البقرة )، فإننا كبقية الوطنيين – العرب المرابطون على ثغور الاشتراكية العربية الحقة لن يثنينا هذا البلاء عن التمسك بالأصول الفكرية الإنسانية العظيمة التي قامت عليها مناسبة أول أيار العقائدية العتيدة تحت شمس الكوكب، و على نحوٍ مواكب لتمسكنا الوثيق بالفكر الاشتراكي العربي الأصيل الذي طرحه رفيقنا الراحل الرئيس التاريخي حافظ الأسد و أطلق على أساسه حركته التصحيحة لإنصاف المستضعفين و المستغلين في القطر العربي السوري الصامد. و كم نتمنى على القادرين من أخوتنا الوطنيين العرب، أن يواكبوا كل تجاهد وطني يقود إلى إعلاء راية أهلنا المستضعفين – المستغلين العرب في وجه: (1) رياح الخواء الفكري السياسي المظلم، و (2) العبث الاقتصادي الهدام، السائدين اليوم ما بين المحيط الأطلسي و الخليج العربي. و للتاريخ لا بد لنا في ختام رأينا المتواضع هذا من إطلاق نفير الخطر الداهم، ذلك المحمول على أجنحة رياح الرأسمالية الجديدة، و الرامي إلى نشر عقائد السوق البائدة. فوا عَرَبَاه، تنبهوا و استفيقوا لخطر عقائد عتاة الفساد الرأسمالي القائم، علماً بأن ثلج هذه العقائد قد ذاب في دول مجموعة العشرين الرأسمالية الكبرى و انكشف سطو صناعها على ” عرق جبين ” الشعوب المدخرة في المؤسسات المالية الإقليمية و الدولية و الأممية. و مع ذلك فعواصف حروب الخلجان العربية المنظورة، ماضية دون ريب في هبوبها على وطننا العربي المستضعف بغرض تحريك مراكب عناصر الرأسمالية الإقليمية، و من يلوذ بها ضمن النظام العربي الحاكم. ذلك لأن العبث الإمبريالي – التلمودي، الجاري اليوم عبر النظام العربي الحاكم، لن يتوقف البتة باعتقادنا عن ” صنع جَنَفِ ” مسيرة شعبنا العربي العظيم باتجاه بناء الوحدة العربية، و تعزيز حرية الإنسان على تراب وطنه المقدس، في إطار عقائد إنماءٍ وطنية – عربية عادلة و منصفة، فانتبهوا يا أولي الأبصار.

 

الدكتور عدنان مصطفى

وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية )

رئيس الجمعية الفيزيائية العربية


طباعة المقال طباعة المقال

قد يعجبك ايضا

التعليقات متوقفه