اَلْبِتْرُوْلُ الْعَرَبِيُّ وَ الاسْتِقْطَابُ الْحَضَارِيُ العَالمَِيُّ

على رأس أسباب المبررات الحضارية- الإنسانية لجدوى قيام منظمة الأقطار المصدرة للبترول ( أوبيك ) و منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول ( أوابيك ) يتجسد حق أمم الجنوب النامية في وقف خسف أسعار نفوطها، حيث كان وقتئذ في حدود بضعة سنتات، و في التحكم في آليات هدرها حرقاً ( حيث كان و لم يزل وقوداً لآليات الجنس البشري )،

و أذكر حواراً لنا جرى مع أحد مدراء شركة أمريكية كبرى في ” مؤتمر البترول العالمي العاشر – بوخارست، رومانيا ” تحدثنا فيه بتواضع عن العقيدة الحضارية لمبرري إنصاف السعر ووقف الهدر، حيث ردَّ هذا الشخص و السيكار الكوبي على طـــرف فمه قـائـلاً: ” فيما يخص الهدر، أنا لن أتوقف عن استعمال سيارتي الكاديلاك لأُرضي ” رُكَّابُ الجِمَالِ ” من العرب المطالبين بالحكمة في استخدام الطاقة (!)، كما لن تسمح الولايات المتحدة الأمريكية لأي كان بالتحكم في سعر وقود آلياتنا بأي شكل من الأشكال !”. في حينها نهض الكثير من حضور هذا النقاش البيزنطي ورائنا و خرجنا من المكان، و أثناء ذلك شدَّ وزير روماني اشتراكي محترم على يدي و قال: ” لا تكترث، هؤلاء الإمبرياليون مغرورون مدمنون على القوة والبطش و التسلط، حذار من التحرش بهم، خذوهم أيها العرب من الكتف الذي يوجعهم ؟!”.

 

صراحةً، إن الحافز الذي دفعني إلى تذكر هذه الحادثة هو بدايةً تلك القائمة الإمبريالية التي تلاها، صباح اليوم ( 2 تموز 2006 ) أحد أزلام الإمبراطورية الشمالية في العراق، متهمةً مفكرين مناضلين وحدويين عرب كبار بالتعاون مع الإرهاب في بلاد الرافدين، كذلك التصريحات اليومية العيية الدون كيشوتية للرئيس الأمريكي جورج والكر بوش، و تحديداً ما جاء في خطاب الرئيس الأمريكي جورج بوش التقليدي حول حالة الاتحاد الأمريكي ( مساء الثلاثاء 30 كانون الثاني 2006 )، حين تطرق إلى ما اسماه ” إدمان أمريكا على استيراد النفط من مناطق غير مستقرة في العالم “، مبيناً أن ” استخدام التقنية هو أفضل سبيل للإقلاع عن هذا الإدمان “…” وأن استراتيجية إدارته الطاقية الجديدة ستهدف إلى تخفيض استيراد النفط من الشرق الأوسط ( أي الوطن العربي ) بنسبة 75 بالمائة بحلول 2025 ..(؟!)” من جهة، و أن الولايات المتحدة الأمريكية تدعــم الإصلاح الديمقراطي في أرجــاء الـشـرق الأوسط….” من جهة أخرى. لكنه ” تفذلك “، عَيياً كعادته، مؤكداً على أن “الديمقراطيات في الشرق الأوسط لن تبدو مثل ديمقراطيتنا لأنها ستعكس تقاليد مواطنيها…”، و هذا ما يكشف سرَّ سفيره الصهيوني الدموي جورج بولتون في الأمم المتحدة ( الذي نَصَبَهُ رسمياً قادة 14 آذار في لبنان، و على رأسهم فؤاد السنيورة إياه، فارساً جديداً من فرسان الأرز ؟!) و المتجسد في رفضه لحكومة حماس في فلسطين المحتلة، و منطلق صلفه في إرهاب القادة الأوربيين بعدم الخروج عن رأيه هذا من جهة أخرى. و حيث كنا نستمع إلى هذا الحديث في نشرات أخبار صباح هذا اليوم ( أي 2 تموز 2006 )، علقت طفلة من العائلة عندنا، و هي طالبة في الصف السادس ابتدائي، قائلةً: ” لو كان صادقاً حقاً لما احتلَّ مصادر النفط في العراق، و لما دعم جيش العدوان الإسرائيلي و هو يسحق النساء و الشيوخ و الأطفال ليل نهار و خصوصاً اليوم و هو يحتل قطاع غزة، و لو كانت ديمقراطيته أحسن من ديمقراطيتنا لترك طبيعته العدوانية، و البطش بالبشرية، و رفض رأي الشعب في فلسطين المحتلة عندما نجحت حماس هناك!؟”. و لقد غاب عن ذهن هذه الطفلة البريئة، التي يقتل أبناء عمومتها في فلسطين و العراق دون ذنب صباح مساء على يد الاحتلال الأمريكي – البريطاني، ما سيصيب أي أمةٍ من أمم الجنوب تنحو باتجاه الاعتماد على مصادر وطنية بديلة عن النفط و الغاز الطبيعي، كما يفعل الشعب الإيراني الآن. ما أورده الرئيس جورج بوش الابن في هذا الصدد، و في نفس خطابه الأخير، “… إن الحكومة الإيرانية تتحدى العالم بطموحاتها النووية، ويتعين على دول العالم ألا تسمح للنظام الإيراني بالحصول على أسلحة نووية “، في حال لا يرعوي البتة عن متابعة تقديم بلايين الدولارات دعماً لترسانات أسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها إسرائيل في أرض فلسطين المحتلة، حيث يأتي على رأس هذه الأسلحة ما لا يقل عن 250 قنبلة نووية تقليدية و نترونية حديثة ( انظر مثلاً بحثنا المنشور في مجلة المستقبل العربي بعنوان: ” إشكالية وجود السلاح النووي في البيئة العربية “، العدد 266، نيسان / ابريل 2001، بيروت، لبنان ).

 

و وفقاً لهذا الواقع، لا نتوقع من المفكرين الأحرار في عالم الجنوب عامة، و في الوطن العربي خاصةً، تجاوز حقيقة رسوخ ” شأنِ الاستقطاب الحضاري العالمي الجديد ” هذا في مختلف أبعاد بقاء و نماء الجنس البشري عبر الشمال و الجنوب دون حدود، و بشكل خاص في مختلف ميادين الطاقة و التنمية الإنسانية، الأمر الذي يدفعنا جميعاً إلى التشكيك حقاً بصدقية الدعوة الشمالية لمتابعة تنفيذ أصول ” الاعتماد المتبادل ” بين أمم الأرض. لهذا، نجد من المفيد في هذا المقام، إيراد بعض مواقف استقطابية رئيسة مميزة من خطاب الرئيس الأمريكي جورج و الكر بوش، حيثُ نعتقد أنها منبثقة أصولاً عن عقيدة تحاكي تلك التي تنظم توجه عصبة ( ” Priory of Sion “: www.priory-of-sion.com )، فربما يمكن من خلالها فكُّ رمز دافينشي، الذي أشار إليه المفكر الأمريكي رون هاوارد، و الخاص بهذا الرئيس الأمريكي المرسل لتطبيق هذه العقيدة الشاذة، و ذلك على النحو التالي:

 

* ذكرُ استقطاب القوي و الضعيف: قال الرئيس بوش تحديداً: ” أننا نسعى لإزالة الطغيان والاستبداد في عالمنا وسنحارب بعض الايدولوجيات الخاطئة”، مؤكداً أن بلاده لن تسمح للراديكالية الإسلامية بتحقيق أهدافها كما لن تستسلم لقوى الشرّ (!؟). و يذكرنا هذا القول بموقف تاريخي لأهلنا في المغرب العربي حينما قامت قوات الإمبراطورية الرومانية باحتلال تونس الخضراء طلباً ” للزيت ” التونسي الطيب: فعندما برزت وقتئذٍ مقاومة وطنية ضد هذا الاحتلال الغاشم، قام قائد الحملة الرومانية، و كان يملك سيفاً ثقيلاً حقاً، بفرض ضريبة موزونة من الذهب على الناس. و خلال عملية الوزن تخيل له أن أهل تونس يغشون في الوزن، عندها طلب إعادة الوزن من قبل ” الراديكاليين التونسيين الغشاشين (!؟) ” وهو يضيف سيفه الثقيل على وزنة القبان المعيارية قائلاً: ” أعيدو عملية هذه الوزن، و الويل للمغلوب”.

 

* ذكرُ حال المستضعفين: وحول العراق، أكد بوش أن الولايات المتحدة ستواصل مهمتها في العراق، قائلا ما معناه: إن انسحابا مفاجئا للقوات الأمريكية سيترك البلاد عرضة لأن يسيطر عليها متشددون مثل أسامة بن لادن و من خَلَفَ أبو مصعب الزرقاوي. وفي الشأن الفلسطيني أيضاً، دعا بوش حركة حماس، التي حققت فوزا ساحقا مفاجئا في الانتخابات الفلسطينية الأسبوع الماضي، إلى الاعتراف بإسرائيل وإلقاء السلاح والعمل من أجل السلام (!). و لا ريب في أن الإنسان المقهور في العراق سيتعجب من هذا التصريح قائلاً: ” من صنع و موَّلَ بن لادن بدايةً في أفغانستان أصلاً؟ و من صنع و يمول مجازر الاستيطان الصهيوني في فلسطين المحتلة بدايةً “،

 

* ذكرُ عقيدة القطب المتفرد: وأكد الرئيس بوش في الخطاب إن حالة الاتحاد الأمريكي قوية وسوية وتعهد بجعلها أكثر قوة، وباتخاذ خيارات تقرر مستقبل الولايات المتحدة بكل حزم ضد أعداء الحرية. وأكد بوش أن واشنطن ستتحرك بشجاعة للدفاع عن الحرية (!) وستحارب الطغيان في العالم (!؟) ( اقرأ مثلاً كتاب المفكر البريطاني جورج أوريل بعنوان: ” 1984 ” ، لجلاء أي غموض يخص هذا القول ). كما ستواصل الولايات المتحدة الأمريكية قيادة العالم “لأن طريق الانعزالية والحمائية يؤدي إلى الخطر”. وحدد الرئيس الاميركي جورج والكر بوش هدفا للولايات المتحدة يقضي بتقليص أكثر من 75% من الصادرات النفطية من الشرق الأوسط قبل نهاية العام 2025 (!؟). كما فسر الرئيس الأمريكي تجاهدَ بحوث و تطوير مصادر الطاقات الجديدة في أمريكا قائلاً: ” أن عمليات خرق وعمليات تكنولوجية أخرى سوف تساعدنا على الوصول إلى هدف آخر وهو أن نجد بديلاً لأكثر من 75% من استيرادنا للنفط من الشرق الأوسط قبل نهاية العام 2025″. و ثمة تساؤلات يمكن أن ترد بالبال مباشرة هنا و هي: ” من هو المعادي للحرية، و من هم الطغاة، و من هو المنعزل، و من هو الذي يخرق طبائع الأشياء و من هو الذي بات يهدد العالم؟؟”.

 

على أي حال، و وفقاً ” لفِقْهِ الرسولية “، الذي يستند إليه منطق الرئيس جورج والكر بوش إياه في كل آنٍ، نتبين جهاراً انطباقِ هذه التساؤلات حتماً على حال ذلك الإمبراطور البترولي الخفيّْ الجالس عارياً على رأس قلب البيت الأبيض الأمريكي، و ليس على العرب أو المسلمين دون ريب. و لا جدال في أن هذا الإمبراطور البترولي هو الذي يأمرُ أعوانه و أزلامه بتطبيق منتهى قسوة القوة الإمبريالية على الشعب العربي من المحيط إلى الخليج بخاصة، حيث يأتي في مقدم المجابهين لجبروت طغيانها كلُّ الكيانات المشروعة وطنياً و أخلاقياً لدى المقاومات اللبنانية و الفلسطينية و العراقية التي تتخذ من رسالة الحضارة و الحرية العربية الإسلامية مشعلاً لسيرها. و لن ينسى الشعب العربي كله اليوم مثلاً موقف المفكر العربي الكبير و المناضل الطود العتيد الدكتور معن بشور و هو يهزأ في بيروت صباح هذا اليوم ( أي 2 تموز 2006 ) من أزلام حلفاء الإمبريالية الشمالية، في العراق، الذين وضعوا اسمه على قائمة الإرهابيين المطلوب رأسهم من قبل أعداء العروبة و المسيحية و الإسلام و الحق، و ذلك في محاولة من هؤلاء الأزلام مؤازرة حلفائهم الخائبين في لبنان، و ” لِكُلِ نَبأٍ مُسْتَقَر وَ سَوفَ تَعْلَمُونْ “.

 

الدكتور عدنان مصطفى

وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية )

رئيس الجمعية الفيزيائية العربية

profamustafa@myway.com


طباعة المقال طباعة المقال

قد يعجبك ايضا

التعليقات متوقفه