صَنَائِعُ البِتْرُولِ وَ مَصَارِعُ السَوءِ
يضجُّ الإعلام الشمالي الآن بالتفجرات المثيرة للرأي العام البريطاني حول تعالق الانحسار الحضاري بذلك الانحسار الاقتصادي الرهيب الذي يمسك اليوم بخناق شعوب البشرية الشمالية قبل شعوب الجنوب المستضعفة. و إنقاذاً للفكر البريطاني تحديداً من الانحسار الأول،
عزمت القناة الرابعة في هيئة الإذاعة البريطانية ( BBC ) على بثِّ مسلسل تلفزيوني فني جديد، للإعلامي توني هارت، مكون من خمس حلقات، بعنوان: ” تَعّرٍّ قبل التاسعة: Naked before nine ” قام الصحافي مارك هيوز ( صحيفة الغارديان البريطانية ) في صباح 13 نيسان 2009 بتوضيح غايته قائلاً: ” سيتم في هذا البرنامج الجديد عرض موديلات نسائية عارية بهدف إذكاء وعي جديد ضمن فنون الرسم التقليدية…”، و بشر الصحافي هيوز ” بارتفاع متوقع في حرارة الأستوديو،…، لصالح المشاركين العراة،…، و يعلم الله ما الذي سيجنيه مخرجه توني هارت من هذا البرنامج التشكيلي ..”. و يمضي الصحافي هيوز قائلاً: ” لدى عرض هذا المسلسل في شهر تموز المقبل، سيهتم البرنامج بدعوة المشاهدين للرسم و سيقوم خبير فني في زاوية الشاشة بتقديم النصيحة لهم و هم يرسمون في منازلهم،…”. و أعترف بأن إشهار هذا الحدث الإعلامي قد حفزني على استرجاع أكثر من مشهد إعلامي تمًّ تحريكه على جسر ” التنشيط الإمبريالي الجديد ” المشار إليه أعلاه، إنما على ” محيط: ocean ” الوطن العربي المشبع باحتمالات أردأ الأنواء اليوم. و من أبرز مشاهد ” التنشيط ” هذا و المنشورة مؤخراً على صفحات العديد من أيام صحيفة الحياة العربية – اللندنية، ما جاء في سلسلة المقابلات التي أجريت مؤخراً مع أحد أبرز أزلام الإمبراطورية البترولية الظلامية، ليذكرني بأحد أبرز عتاة جواسيس الاستخبارات البريطانية ( MI6 ) في القرن العشرين الماضي، أي سيدني رايلي ” Sidney Reilly ” المعروف اليوم باسم ” فريد الجواسيس: Ace of Spies “. و ما كان سيدني رايلي – جاسوس شركة البترول البريطانية: BP – هذا أو ” لفريد جواسيس العرب ” الذي اعتنت صحيفة الحياة العربية – اللندنية بنشر مآثره الخيانية السوداء السافرة لبلاده العراق، ليشدَّ إهتمامي البتة لولا قيام شاهد برنامج ” تَعّرٍّ قبل التاسعة: Naked before nine ” بإثارة انتباهي لظاهرة ” تجرؤ: dare ” رؤوس أزلام إمبراطورية الظلام البترولي، و من أبناء الوطن العربي تحديداً، و خروجهم جهاراً، عراة، متباهين بأفعالهم السابقة و الجارية و ربما اللاحقة، مع توفر خبراء في الإعلام البترولي الدولي، ضمن زوايا الشاشات الإعلامية، لنصح المشاهدين العرب في ابتكار ” خطط طرق ” تجسس تشكيلية جديدة. و هذا ممكن بطبيعة حال النظام العربي الحاكم المعصوبة عيونه الأمنية – الوطنية – العربية حقاً عن ” ضبط هذه الخطط المعادية للوجود العربي “. لهذا، سيكتب للعباقرة السابقين و اللاحقين في الاستزلام الإمبراطوري الظلامي، المضي الهين في متابعاتهم التجسسية المريحة، أضف إلى ذلك ثقتهم الوثيقة بأن ذلك لن يوصلهم في نهاية طرقهم هذه للمصير الذي واجهه ” فريد الجواسيس: Ace of Spies “، سيدني رايلي البريطاني، أي كشفه في عام 1925 و اعترافه بمهمته التجسسية الرهيبة، الرامية إلى إسقاط حكومة الاتحاد السوفييتي وقتئذٍ و تنفيذ خطة طريق المخابرات البريطانية ( MI6 )، و من ثم بريتيش بتروليوم ( BP )، في تنصيب دولة رأسمالية روسية جديدة على تراب الاتحاد السوفيتي العتيد. الفارق بين فريد الجواسيس البريطاني رايلي هذا و فريد الجواسيس العراقيين رايلي ذاك ( أنظر مقابلاته الصحفية في صحيفة الحياة العربية – اللندنية مؤخراً ) أن الأخير ينعم الآن حقاً، و من خلف متاريس الدبابات الإمبريالية التلمودية المقامة على تراب بلاد الرافدين المقدس، بإدارة الدولة التي ساهم في إقامتها على التراب العربي الشريف، في حال تمكن الوطنيون – الروس الأمجاد، في عام 1925، من إرسال الجاسوس البترولي سيدني رايلي للجحيم و دفنه في مقبرة لوبيانكا الخاصة بقيادة شرطة عاصمة الاتحاد السوفييتي موسكو. و تأسيساً على هذه الحقيقة، أي توفير ” حصانة عدم اللمس: untouchability ” العربية لأزلام إمبراطورية الظلام البترولية اليوم، لا يسعنا سوى الإشارة إلى إستراتيجيتهم الجسورة ( daring ) عبر الوطن العربي، و المنفذة عملياً اليوم عبر التكتيكات التالية: (1) مبادرة بعض هؤلاء الأزلام إلى نصب مقار قياداتهم عند معابر النضال التحرري العربي، بغرض ” إعاقة ” مختلف الجهود الوطنية – العربية و الدولية المبذولة لنصرة أهلنا المحاصرين من المحيط إلى الخليج و بشكل خاص لدى معبر رفح في غزة هاشم مثلاً، (2) تحريك كتائبهم الأمنية / العسكرية السرية لضرب المقاومة الوطنية – العربية في عزِّ كفاحها، كما حدث أثناء عدوان تموز 2006 على جنوب لبنان، (3) إيقاظ حلفائهم النائمين في سراديب و متاهات مدن و غيطان النظام العربي الحاكم و دفعهم في مواجهة الجهود السياسية الوطنية – العربية المبذولة إقليمياً و دولياً بغرض رصِّ الصف الوطني – العربي في مواجهة الحروب السرية الإمبريالية – الصهيونية، و (4) بذل الأموال الطائلة لشراء الرأي العام الوطني – العربي، المستضعف بالفقر و المرض و الجهل اليوم، و تجييشه سياسياً و تنموياً لتعزيز عقائد الأسواق الرأسمالية – الاجتماعية الجديدة. و من بين ابرز دعاوى الإعلام العربي المنحاز لهذه العقائد، بل المأجور لقادتها، ربط تسارع زحف الانحسار الاقتصادي العالمي الرهيب من الشمال إلى الجنوب بتمسك الرأي العام العربي بخلفية الإنسان العربي الحضارية ” العتيقة ” حسب تعبيرهم. فتحت سمع و بصر المؤسسات الفكرية العربية الدائرة في فلك النظام العربي و خارجه، يجرى التبشير اليوم، و بمنتهى أشكال ” التعري ” الجنسية و الأخلاقية و العقائدية على دفع المفكرين العرب و الأدباء منهم خصوصاً، على ” نبذ ” التمسك بالماضي الحضاري العربي، و التحذير من أن عاقبة تواني الفكر العربي تحديداً عن القفز إلى قطار ” التعري ” المدني الشمالي، ستكون عواقبه وخيمة ستفضي – إن عاجلاً أم آجلاً – إلى إعجاز الشعب العربي عن صنع خلاصه الحاسم من إرهاصات بقائه، بل تعطيله عن تحقيق طموحات نمائه، الأمر الذي سيقود الأمة العربية إلى أرذل العمر دون ريب.
الدكتور عدنان مصطفى:
وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ، رئيس الجمعية الفيزيائية العربية

التعليقات متوقفه