إِنْطِبَاعَاتٍ حَوْلَ القِمَةِ الثَانِيَةِ العَرَبِيَةِ – الأمْريكِيَةِ الجَنُوبِيَةِ : إنَّ اللهَ لا يَخْلِفُ المِيْعَادْ

قَدَرَ الله، و هو القاهرُ فوق عباده حقاً، أن لا يذهب رجاؤنا لعزته سُدىً: بأن تتكلل توجهات الود العربية داخل النظام العربي الحاكم بالنجاح، و العزة، و أن ” يختم الصبر بعدنا بالتلاقي “، كما شدا عندليب العرب فريد الأطرش فرحاً بقرب أخوة العرب – كارامازوف (!؟) بعضهم من بعض،

 و ذلك بعد طول شجار مريب. و ليحمد الله معنا أخوتنا أبناء الشعب العربي، من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، بتحقق هذه النعمة قبيل ساعات من انعقاد ” القمة الثانية للعالم العربي و أمريكا الجنوبية “، في الدوحة يوم الثلاثاء 31 آذار 2009. فالإحسان الإنساني الكريم الذي اعتلى مركب قادة شعوب أمريكا الجنوبية الأخيار، كان لا بد له من أن يتلقاه، بمنتهى الشفافية و الصفاء، ” قلب عربي سليم ” مر هص بالانحسار الشمالي العكر، الذي تجاوز فيه هذا المقت العالمي الأسود تقدير البنك الدولي ( أي 1.0% ) و بلغ اليوم أعتاب ( 4.5 % ) قبيل إنعقاد قمة العشرين في لندن يوم الخميس الثاني من شهر نيسان 2009. و قبل الدخول في رسم الملامح الرئيسة لروح بيان قمة الدوحة الثانية للدول العربية و دول أمريكا الجنوبية ( 31 آذار 2009 )، يبدو من الضرورة بمكان الإشارة إلى بهجة الوطنيين – العرب و سعادتهم و هم يستمعون معنا إلى الرد المخلص / الجميل لرئيسة جمهورية التشيلي على السؤال الذكي المثير الذي تقدمت به مراسلة صحيفة الشرق التونسية خلال المؤتمر الصحافي الذي انعقد عند ختام هذه القمة، سؤال يقول بما معناه: ” ثمة تساؤل يدور بخلد الشارع العربي يقول: و قد عرفت أمم أمريكا الجنوبية بأن الوطن العربي يخضع حقاً لإرهاص الإمبريالية الجديدة و الصهيونية، فما الذي أجبر قادة هذه الأمم على التلاقي مع نظرائهم العرب؟، ألن يدخلهم هذا التوجه في عين إعصار الصراع العربي – الصهيوني؟، أو لن يخضعهم لأقدار تجاهد الأمة العربية للخلاص من ربقة الاستعمار الظلامي الجديد؟ “. فمن الجواب الحار للسيدة باتشيليت، رئيسة جمهورية التشيلي و رئيسة إتحاد أمم جنوب أمريكا – أوناسور: UNASUR ، يمكن لكل إنسان منصف التعرف حقاً إلى: ” امتزاج روح الأمل بالعمل ” حقاً في صلب إعلان الدوحة الخاص بهذه القمة التاريخية: فلقد أكدت السيدة باتشيليت بأنه: ” إنطلاقاً من تجربتنا الوطنية – الأمريكية الجنوبية في التحرر و بناء الذات، و التزامنا بالأمانة التي حملتنا إياها شعوبنا الصابرة، أدركنا قيمة الحرية العظيمة التي انتزعتها الوحدة الأمريكية الجنوبية من يد الاستعمار بدءاً من القديم الغابر و الجديد الغادر و حتى الإمبريالية القاهرة اليوم، و من هنا يرد مبرر و مصداقية تلاحمنا الكبير مع الوطن العربي، فشعوبنا تنطوي إلى جانب صلة القربى و وشائج التفاعل الحضاري عبر العصور. و بهذا الفعل، نحنُ لا نحقق مصلحة ذاتية اقتصادية و سياسية و تنموية و حضارية فحسب، بل نقدم لعالم الجنوب كله وسيلة فريدة من وسائل الدفاع عن النفس، فقد آن لأمم الجنوب أن تكسر طوق الاستعمار الشمالي الظلامي الغاشم من حولها، و هذا هو سبب وجودنا هنا في دوحة العرب ” ( يمكن الحصول على المزيد من التفاصيل عبر وقائع المؤتمر الصحفي الذي تم في أعقاب ختام القمة مساء يوم الثلاثاء 31 آذار 2009 ). و تأكيداً لهذا الشعور التحرري – الجنوبي الصادق، سبق للسيدة باتشيليت أن قامت بنشر عبير هذا التوجه الإنساني البديع و هي تتحدث في مستهل القمة قائلة مثلاً: “. إن اتحاد دول أمريكا الجنوبية الذي يضم 12 دولة ، ملتزم باليات التعاون العربي الامريكى الجنوبي وهو يمضى قدما في بذل جهوده الحثيثة لصالح الدول الأعضاء فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية …”. و أفاضت قائلةً: ” إن الاتحاد وعدد سكان دوله 388 مليون نسمة وتتوفر له ثروات عديدة وتنوع بيئي وثروة عرقية ولغوية، يعبر عن الإرادة السياسية لدول أمريكا الجنوبية فى سبيل تسريع وتعزيز عملية الاندماج الاقليمى والاجتماعي والتوافق السياسي ومعالجة تداعيات الأزمة المالية العالمية “. و لقد أشارت السيدة باتشيليت إلى ” أن إنشاء المجلس الامريكى الجنوبى للدفاع يشكل نقطة محورية للتعاون فى هذا الصعيد فضلا عن كونه هيئة استشارية وتنسيقية للتعاون بين الدول الأعضاء. كما انه أصبح وسيلة فاعلة لتطوير شبكة للتعاون على الصعيد التجاري “. و تابعت الرئيسية باتشيليت قائلة: ” ما من تقدم دون اندماج اجتماعي واحترام للبيئة وحقوق الإنسان. ولقد أصبح المجلس الامريكى الجنوبى الذي مضى على إنشائه عام واحد احد الآليات الأساسية فى أمريكا الجنوبية ومنطقة الكاريبي لتحقيق الاندماج بأشكاله المختلفة ونحن نرغب فى نقل هذه التجربة للمنطقة العربية لتعطى نتائج ملموسة على صعيد التعاون بيننا خاصة فى قطاعات التجارة والاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا “. كما عبرت رئيسة جمهورية تشيلي فى كلمتها عن الاعتزاز بالمبادرة التي أطلقها مجلس التعاون لدول الخليج العربية وسوق أمريكا الجنوبية للتعاون التجاري والاقتصادي بين الطرفين. و تأكيداً لهذا الوعي الإنساني – الجنوبي الشامل، جهر الرئيس البرازيلي لويس ايناسيو لولا دا سيلفا، و هو الأب الروحي لهذه القمة، مع الرئيسين موراليس و شافيز، ” بدعم التوجه العربي لحسم إشكالية الصراع العربي – الصهيوني من خلال عقد مؤتمر سلام ذي تمثيل عالمي على أعلى مستويات يتضمن أيضا تمثيل الدول النامية من اجل التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية “، و ذلك في إطار ” بناء فضاءات اقتصادية تضمن لنا المسؤوليات المشتركة مشيرا إلى انه تم في عام 2004 الإعلان عن جغرافية اقتصادية جديدة وجغرافية بديلة في العالم…”. كما أكد الرئيس دا سيلفا على أن ” لا بد من مواكبة هذا المسعى بخطوات ملموسة لتعزيز التعاون بين العالم العربي وأمريكا الجنوبية من خلال تقليص المسافات الجغرافية والتقارب والاندماج بين الشعوب والثقافات وتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية وتطوير طيران مباشر بين المنطقتين وإطلاق مشاريع تعاونية خاصة في مجال مكافحة التصحر “. وقال: ” إننا سننظر في إمكانيات مختلفة من اجل بناء الاقتصاد مشيرا في هذا الصدد إلى أن التبادلات التجارية بين دول الجنوب اتسعت من 11 مليار دولار عام 2004 إلى 30 مليار دولار العام الماضي … كما دخلت دول أمريكا الجنوبية في مفاوضات لعقد اتفاقيات للتجارة الحرة مع دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن واتفاقيات بشأن التعرفة الجمركية مع المغرب “. وحول الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية التي تعصف بأمم الأرض جميعاً أكد قادة أمم أمريكا الجنوبية و في مقدمهم الرئيسان موراليس و شافيز، على أن:
 شعوب أمريكا الجنوبية ماضية بكل ثقة وشجاعة في مواجهة هذه الأزمة العالمية، ” و نحن نطبق مشاريع الاستثمار لدينا، كما أننا واثقون تماماً من أن شعوبنا ستخرج من هذه الأزمة اقوي بكثير من ذي قبل..”.
 و قد خرقت هذه الأزمة الكثير من المسلمات في مركب التنمية العالمية، وأثرت تأثيرا كبيرا على الدول النامية والشعوب الفقيرة بخاصة، فقد أحدثت في المقابل تغيرات كبيرة وعميقة في البلدان المعرضة لهذه الأزمة أكثر من غيرها، و مع ذلك فإن دول أمريكا الجنوبية والدول العربية قادرة معاً على اقتراح تدابير تسمح بالحؤول دون تفشي هذه الأزمة حتى لا تصبح زلزالا سياسيا واقتصاديا،
 لا يمكن لأي دولة في العالم تخطي هذه الأزمة من خلال أعمال منفردة ودون التضامن والروح المشتركة والتنسيق الذي لا غنى عنه. و في هذا الصدد أعرب الرئيس دا سيلفا عن اعتقاده بأن ” التدابير الخاصة خلال هذه الأزمة لا يجب أن تؤدي إلى إجراءات حمائية حيث سنجد صعوبة في قلب الأمور والموازين لذلك نحن سندافع عن توصيات قمة الدوحة لنجعل التجارة محركا للتنمية “،
 و في جميع الأحوال يبدو أن لامناص للجميع من: اعتماد الشفافية في كافة التعاملات المالية و في تجاهد جميع الأطراف على إعادة التنسيق فيما بينها لاعادة التوازن لهذا العالم من خلال الائتمانات لكي تصبح التجارة العالمية أكثر فعالية ،

 

و في الكلمات الطيبة الملقاة أمام حضور مؤتمر القمة العربية 21 في الدوحة عبر: الرئيس السوري بشار الأسد و أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني و خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله، عن تمسكهم الواثق بأمر الله حين قال جلت قدرته: ” إن تنصروا الله ينصركم “، و حين استجابوا لأمر ربهم هذا، و كانت شعوبهم قد استجابت للأمر العَلِيِّ هذا من قبل، سارت مقررات قمة الدوحة منصورة في الاتجاه الصحيح نحو التعاضد العربي في وجه الأزمات التي تعصف بنا و لتشد، بعد طول تهاون لا مبرر له، من أزر العمل العربي المشترك، فكان أن صدق الله وعده فجاء بنصر آخر للعرب تجلى وضوحاً عبر شدَّ أزرهم جميعاً، صباح الثلاثاء 31 آذار 2009، بجنود صادقين من أمم أمريكا الجنوبية، بشخصيات إنسانية مرموقة، منحتهم شعوبهم ثقة قيادتها بمنتهى القوة و الديموقراطية ( و جاء على رأسهم: باتشيليت، دا سيلفا، شافيز، موراليس )، حتى ليؤكد الرئيس اللبناني ميشيل سليمان أن بعضهم جاؤا ممثلين ” لأحفادِ المهاجرين اللبنانيين خصوصاً منذ أواخر القرن التاسع عشر، أولئك الذين تنامى تعدادهم بالملايين ليبرز منهم رؤساء للجمهورية ورؤساء مجالس نيابية ونواب ووزراء وغيرهم…”، و ذلك في الوقت الذي دأب به أزلام كامب دايفيد، رعاة ” محرقة غزة هاشم ” على توسيع خرق سفينة الوحدة العربية و قد سارت في الاتجاه الصحيح و بخاصة قبيل حضورها المميز في قمة العشرين المقبلة ( لندن في الثاني من نيسان 2009 الجاري ). أليست هذه الظاهرة العجيبة الأخيرة مدعاة لحث أخوتنا الأحرار في كنانة الله كي ” يقوموا لله ” في وجه الطغيان حقاُ ؟، أَعْلَمُ ” بأن الله لا يخلف الميعاد “.

 

الدكتور عدنان مصطفى
وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية )
رئيس الجمعية الفيزيائية العربية
profamustafa@myway.com


طباعة المقال طباعة المقال

قد يعجبك ايضا

التعليقات متوقفه