قِمَةُ الدَوْحَةِ العَرَبِيَّةِ – اللاتِينِيَّةِ 2009 : بَيْنَ الأَمَلِ وَ العَمَلِ

لا يختلف اثنان اليوم حول تحقق حدوث الانحسار الاقتصادي العالمي الرهيب ( Horrible Depression ) تحت شمس كوكب الأرض، ليعود وعيُّ هذا الضرُّ المقيت، الجاثم على صدر البشرية، بذاكرة الناس لماضي أهوال الانحسار الكبير ( Great Depression ) الذي جاءَ بنذر الحرب العالمية الثانية عام 1933.

كما لا نجد إنساناً حقيقيا واحداًً لم يدرك بعدُ حتى الآن إنطلاقة ” فأس ” الانحسار الاقتصادي القائم ما بين 1 – 2 % ( كما أكده الدكتور روبرت زوليك، رئيس البنك الدولي مؤخراً )، ذلك الكيد الغاشم الذي قذفته الأيادي الرأسمالية الفاسدة، و الملطخة بدماء شعوب الجنوب المستضعفة، ليصيب بشكل ما رأس أمم الجنوب جميعاً، و بخاصة تلك التي حباها الله عزَّ و جلَّ بمصادر طاقية وفيرة ( كالبترول، و الغاز الطبيعي، و اليورانيوم مثلاًُ )، فهل ستدخل هذه الفأس في الرأس المطلوب ؟، أم ستعمل رياح الصراع الشمالية الأنانية بدايةً، على تحويله، عبر قمة العشرين (G20 ) ( المنظور انعقادها في لندن 2 نيسان 2009 )، لفأسٍ مرتدٍ ( boomerang ) يمكن أن يصيب رأس الذين سببوا مثل هذا الانحسار الرهيب؟. و عليه، يمكن أن يتم تجنب حدوث الحروب الطاقية التي تنبأ بها المدير العام لصندوق النقد الدولي ( IMF ) الدكتور دومينيك شتراوس – كاهن ( أثناء مؤتمر منظمة العمل الدولية ILO في سويسرا مؤخراً )، و عزا قيامها لظلامية القوى الرأسمالية التي تكمن اليوم وراء معاناة شعوب بقاء / نماء البشرية جمعاء. و في المقابل، لم يعد خافياً بعدُ ذلك الابتهاج الظاهر لدى معظم مفكري الجنوب و المنبثق عن إدراكهم الفعلي لتكشف ردة فعل نظرائهم في عالم الشمال ( و بخاصة صناع القرار التنموي الأخيار الذين يأتي في مقدمهم الرئيس الأمريكي الجديد الدكتور باراك أوباما ) حول المشاهد البشعة لتكسر البنى الرأسمالية عبر العالم، و بذلك ” يقارب ” محورا الفكر الإنساني الأصيل بعضهما البعض، ربما ليجابها معاً، و بأشكال عملية مختلفة، شبح الحرب العالمية المنظورة ( التي أكد على قيامها مدير صندوق النقد الدولي مؤخراً )، فلعلهما يجنبا البشرية جمعاء حرباً عالمية أخرى. و رغم تنامي عزم القوى الفاعلة في صنع هذا ” التقارب “، تمضي الأنانية الرأسمالية الشمالية في تعظيم شقة ” التباعد ” بين أمم الأرض، حتى لتجعله سيفاً مسلطاً على عنق أمم الشمال بذاتها قبل غيرها. شاهد الأمر ما يتكشف عنه وباء الانحسار الرهيب هذا من جهة، و ما يبرزه الصراع القائم على جانبي الأطلسي قبيل إنعقاد قمة الرأسماليين الكبار ( G20 Summit – London, 2nd April 2009 ) من جهة أخرى.

 

و من العدل بمكان الإشارة هنا لظهور نبوءة حكماء التنمية البشرية المعاصرين، و الطاقيين منهم بخاصة، و القائلة بحتمية إشراق زمن إزدهارٍ جديد، مضاد للانحسار القائم، إزدهارٌ قادر فعلاً على جعلنا نبصرُ بعين الأمل عطاء ” القمة العربية – الأمريكية الجنوبية، الدوحة: 31 آذار 2009 ” مثلاً، فنتوقع مع هؤلاء الحكماء و القادة المخلصين لشعوبهم بدء جهد إقليمي / عالمي واقعي ما يرمي إلى ” استنهاض ” قومة خلاص جنوبية مشهودة، ليس بغرض إرساء أصول راسخة جديدة ” لاعتماد سياسي دولي متبادل ” بين الأمة العربية و أمم أمريكا اللاتينية فحسب، و إنما ” لتحريض ” المزيد من الخطى البراغماتية باتجاهِ ” إبتكار نظام إقتصادي جديد ” يحقق الازدهار بدايةً لكل المستضعفين في الأرض، و الذي يمكن وفقه إرساء أصول عالمية جديدة للعدل و الإنصاف بين الناس جميعاً من أدنى الأرض إلى أعلاها. و في الوقت الذي استندت نبوءة هؤلاء الحكماء الكرام لإخلاص، معظم المساهمين في هذه القمة، بالتمسك ” بعقيدة أوبيك / أوابيك ” العتيدة، باعتبارها السيف القاطع المشهر حتى اليوم بوجه أعداء ” الاعتماد المتبادل المنصف بين الناس “، يتعاظم مع مرور الأيام حسُّ هؤلاء القادة و المفكرين بتطبيق معظم ما جاء في ” إعلان برازيليا ” الصادر في شهر أيار من عام 2005. ففي الاجتماع المميز لوزراء خارجية الدول العربية و دول أمريكا اللاتينية مثلاً، الذي انعقد في العاصمة الأرجنتينية (بيونس أيرس ) ما بين 20 – 21 شباط من عام 2008 الماضي، تم التأكيد على أن ثمة حقائق مثيرة للاهتمام حول إمكان خروج ” قمة الدوحة المنظورة في 31 آذار 2009 ” بقرارات عملية تعزز بشكل رئيس من:

 

 ” تعاضد ” أمم ” منظمة الأقطار المصدرة للبترول – أوبيك ” مع أعضاء ” منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول – أوبيك ” في السراء و الضراء، بما يخدم تطبيق كل الجهود الرسمية و الشعبية الهادفة لصنع حسن الحوار و الاعتماد المتبادل ما بين قطبي المنتجين للبترول و المستهلكين له، فيشدون بذلك على الأيادي الإنسانية المخلصة الرامية لتعزيز السلام و الأمن الدوليين،

 

 و ” تكاتف ” شعوب الأمتين العربية و اللاتينية الأمريكية لتحويل كل من الإقليمين العربي و الأمريكي – اللاتيني موئلين حقيقيين ” للاعتماد المتبادل الصحيح ” بين أمم الجنوب المستضعفة، و بما يخدم ” الاندماج الحضاري ” من حول ” التنمية المستدامة ” لمختلف آفاق و مشاريع التمدن و تطوير ” نوعية الحياة “، و بناء الذات الوطنية على أسس عصرية تقنية متقدمة،

 

 ” تلاحم ” الجهود المخلصة لنزع فتيل الصراعات الإقليمية و الدولية التي أشعلها أشرار الإمبريالية الجديدة ما بين أفغانستان و غزة و لبنان، و التقدم باتجاه جلاء فضاء مشترك بين الإقليمين يقوم على التكافؤ والعدل والإنصاف واحترام المبادئ والقواعد التي تحكم التعايش بين الأمم، و ذلك في الوقت الذي يعيد به هذا التلاحم مختلف الحقوق المستلبة لأصحابها، و يرسي أسس السلام العادل و الشامل في الإقليمين العربي و الأمريكي – اللاتينيي بشكل خاص، و تعزيز

 

 ” إنسجام ” توجه الإقليمين العربي و الأمريكي – اللاتيني فيما يخص إنماء و تطوير مشاريعهم الطاقية المحلية و المشتركة و ذلك بشكل متواكبٍ مع تعميق الجهود الذاتية لدى الطرفين، و الرامية جميعاً إلى كشف آفاق جديدة و مصادر مؤملة قادرة على أن تحِلَّ مصادر جديدة و متجددة مكان مصادرهم الطاقية التقليدية قيد الاستخدام اليوم و ذلك مع نهوض العقد الثاني من القرن الحادي و العشرين الجاري.

 

و على هذه الأصول الرئيسة الأربعة، يمكن لشعوب و قادة الإقليمين العربي و الأمريكي – اللاتيني البدء بتولي مكانهم المناسب و الفعال في قيادة الجهود الإقليمية / الدولية الرئيسة الراغبة حقاً في أصلاح مركب ” الشأن التنموي الدولي ” المنهار اليوم، و بما يخدم مختلف الجهود الرسمية العامة و الشعبية المستقلة المخلصة فعلاً في رسم و تكوين و بناء ” نظام إقتصادي عالمي جديد “. و إنطلاقاً من التمسك بهذا الواجب، يمكن للمساهمين في مختلف أعمال ” قمة الدوحة المنظورة في 31 آذار 2009 ” الجهر مثلاً بقدرتهم و التزامهم الإنسانيين على النحو العملي المطبق مؤخراً في كل من ” قمة الدوحة – لنصرة غزة هاشم ” و ” قمة الكويت الاقتصادية ” العتيدة. فأولئك ” المتقين الله ” بواجب التمسك بأمانتهم – و كما وعد الله المحسنين – سوف ” يجزون الغرفة بما صبروا و يلقون فيها تحية و سلاماً ” ( صدق الله العظيم ).

 

و لا بد في الختام من الإقرار بأن الشأن الطاقي، و جانب البحث و التطوير فيه بخاصة، يتطلب المزيد من الوضوح و جلاء ” الهمة ” العربية – الأمريكية – اللاتينية المشتركة باتجاه حفظ حق أبناء الإقليمين العربي و الأمريكي اللاتينيي في إرساء أصول ذاتية مميزة يمكن من خلالها بناء و استغلال مشاريعهم الوطنية الطاقية الجديدة و المتجددة بشقيها العام و الخاص على حد سواء. و باعتبار أن مشاريع الطاقة الكهرونووية تأتي في مقدم المصادر الطاقية الجديدة و المتجددة البديلة للمصادر البترولية، و تثير جدلاً شماليا – جنوبياً حاداً حول الارتيابات الأمنية الكبيرة التي قد ينطوي عليها قيام مثل هذه المشاريع في عالم الجنوب مثلاً، فلا بد للقمة المنظورة من إيلاء هذا الشأن الوطني – الجنوبي الاستراتيجي اهتماماً مناسباً يساعد بشكل واقعي حكيم على شحذِ: ” عزيمة ” أمم الشمال “، و الأعضاء الفاعلين منهم تحديداً في مختلف القرارات السياسية – التنموية ” لمعهد اليورانيوم: The Uranium Institute ” ( المعروف عامة باسم النادي الكهرونووي، و الذي يعتبر مناظراً من الناحية الفعلية لمنظمتي أوبيك و أوابيك، حيث سبق لنا تسميته وفاقاً بمنظمة يوبيك: UPEC )( أنظر التفاصيل مثلا في: تقريرنا بعنوان: ” الندوة السنوية العاشرة لمعهد اليورانيوم، لندن، 3-5 أيلول / سبتمبر 1985 “، مجلة العربي، العدد 85، آذار 1986، 164-175 )، كي تضع ثقلها المؤثر في ” إخلاء ” فلسطين المحتلة بدايةً من أسلحة الدمار النووي الشامل، باعتبار أن الصهاينة فيها يمتلكون ما لا يقل عن 264 رأساً نووياً و نترونيا جدلاًً ( أنظر التفاصيل المؤكدة للأمر مثلاً في بحثنا المنشور بعنوان: ” إشكالية وجود السلاح النووي في البيئة العربية “، في مجلة المستقبل العربي، العدد 266، نيسان / أبريل 2001، 55- 81 ) من جهة، و إدراك ” وطنية القرار الكهرونووي في كل من الوطن العربي و إيران ” و حق الشعوب عامة في امتلاك مصادر طاقية جديدة و متجددة وفق المعايير التقنية الدولية السائدة من جهة أخرى. كما يمكن للقمة هذه دعوة أعضاء يوبيك عموماً للانخراط في المشاريع الكهرونووية المنظورة على شاطيء الخليج العربي، و بذلك يتم تبديد المخاوف الشمالية إن وجدت، و حسم أي شك في إحتمال تفشي السلاح النووي بأي شكل من الأشكال. و ” إن هذه تذكرةً فمن شاء إتخذ إلى ربه سبيلاً ” ( صدق الله العظيم ).

 

الدكتور عدنان مصطفى
وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية )
الأمين العام المساعد السابق ( أوابيك )
رئيس الجمعية الفيزيائية العربية
[email protected]
‏27‏/03‏/2009‏ 09:29:31 ص


طباعة المقال طباعة المقال

قد يعجبك ايضا

التعليقات متوقفه