- أخبار النفط والغاز السوري - https://www.syria-oil.com -

الْبَقَاءُ الْعَرَبِيُّ: مِنْ مَنْظُورِ الْحَقِيْقَةِ العَالَمِيَّةِ

في لقاء ضم تنوعاً من الأصدقاء، المهمومين بتردي الوجود العربي الراهن عند أعتاب ” قمة الدوحة العربية – 2009 ” المقبلة قريباً، تركز حوار جديٌّ عميق حول ” احتمالات تحسن / سوء البقاء العربي ” في ظلِّ تشرخ مرآة البشرية بفعل إرهاص طموحات هيمنة الإمبريالية الجديدة.

لقد أشعل فتيل الحوار ذكر بعض حقائق، سبق ذكرها في آخر مقالات الرأي المتواضعة التي تشرفت بنشرها في كل بعض الصحف العربية خصوصاً و ضمن بعض المواقع الوطنية العربية الالكترونية عموماً. و أعترف بأن الشرارة قد انطلقت من تساؤلٍ كبير يقول: ” هل العرب المرهصون، منذ بضعة عقود خلت، بقوى التجزئة القطرية، و المحاصرون بقوى تحالف الشمال الأمريكية – التلمودية، قادرون بشكل ما، سواء في المنظور العاجل أو الآجل، على حفظ بقائهم الحق تحت شمس هذا الكوكب أم لا ؟ “. قال أحد المتشائمين: ” كيف يمكن للانسان العربي المستضعف أن ينهض من كبوته أمام العديد من النظم العربية الحاكمة و هو منعدم الطاقة – بشقيها المادي و المعنوي – لينطلق متحركاً نحو المستقبل ؟ “. أضاف مفكرٌ آخر قائلاً: ” لا يمكن البتة إنكار احتمال قومة هذا الإنسان في وجه الهيمنة، فالتاريخ الحضاري العربي حافل بمؤكدات تكرر حدوث ذلك دون خوف، إلا أن المشكلة تكمن في الانحسار المتعاظم في شفافية ( transparency ) حكم من يدير شؤون معاشه و بقائه !؟ “. قال ثالثٌ: ” أيها الناس، قبل كل شيء، لا يمكنكم تجاوز حال التردي الآخذ بناصية النمو الإنساني العربي، المشهر حاله جهاراً عبر مؤشر النماء الإنساني العالمي ( أي: Human Development Index – HDI )، فبدون تخليص هذا المؤشر من إعيائه الراهن، لا يمكن للشعب العربي التقدم خطوة معتبرة نحو البقاء العزيز في المنظور العاجل “. و أقرُّ، كفيزيائي تجريبي، أنه رغم تفاؤلي بقدرتنا التاريخية العربية على تخطي الصعاب، لم تستطع حواراتي المتفائلة الصمود كثيراً أمام زمرتي الحقائق التجريبية الرهيبة التاليتين:

 

ü يشكل مؤشر الشفافية العالمية ( Transparency Index – TI ) اليوم معياراً لملاحظة شعوب العالم شأن استشراء الفساد فيها و تقويماً لانعكاسه على تفشي الفقر في البلاد، و انعكاس هذين المؤثرين على حياة العباد ( www.tranparancy.org، ألمانيا). و الجدير بالذكر أن البلد الذي يقترب مؤشره من الرقم ( عشرة ) يكون مقارباً لنظافته من الفساد في حال يكون البلد الذي يتجه مؤشره نحو ( الصفر) مغرقاً في الفساد حقاً. و بناءً على ذلك، تدلُّ معطيات مؤشر مراعاة الفساد – 2008 ( Corruption Perception Index – CPI ) على تكدر شفافية النظام العربي الحاكم اليوم ( Blurred Transparency of Arab Governance )، حيث تحتل الأقطار العربية ” الأنظف نسبياً من الفساد ” المراتب: 32، 34، و 46، و هي على التوالي: قطر و الإمارات العربية المتحدة و البحرين ( و مؤشراتها: 6.2، 5.7، 5.0)، في حال يعيث الفساد في السودان و العراق و الصومال لتحتل اليوم المراتب: 172، 178 و 179 ( و مؤشراتها: 1.8، 1.5، و 1.4على التوالي ). علماً بأن ثلاثي الدانمارك و فنلندا و نيوزيلندا بات يحتل اليوم ” المرتبة الأولى في النظافة ” من الفساد ( مؤشرها: 9.4 )، بينما تحتل بريطانيا و فرنسا و الولايات المتحدة الأمريكية المراتب: 12، 19 و 20 ( و مؤشراتها: 8.4، 7.3، و 7.2 على التوالي ). و عليه، يمكن وصف شأن ” نظافة ” النظام العربي الحاكم إختصاراً بالقول: ” أن العرب قد حاروا اليوم في متاهات فساد عاصفة تكاد تضع حال عيشهم عند حافة سيف شرائع الغاب، و هيمنة المستوطنين الماكيافيلليين، تجار السياسة الإمبريالية الباغية، الأمر الذي سوف يفقد الإنسان العربي حقه في العيش الحرِّ الكريم في المنظور العاجل مثلاً “.

 

ü و منذ أن ابتكر الاقتصاديان محبوب الحق ( باكستاني ) و ريتشارد جوللي ( بريطاني ) معيار النمو الإنساني العالمي ( Human Development Index – HDI ) عام 1990، بات يجسد مؤشره دليلاً قوياً على ” طبيعة أشياء قوة بقاء و نمو الشعوب في العالم “. فالأمة التي يقترب مؤشرها من ( الواحد ) تكون على الجانب الأشد من هذه القوة في حال يدل اقتراب مؤشر الأمة من ( الصفر ) من ضعف و خَوَرِ بقائها ونموها. ففي عام 2007 مثلاً احتلت أيسلندا (1)، النرويج (2) و استراليا (3) رأس سلم مؤشر النماء الإنساني لعام 2007 ( ومؤشراتها: 0.968، 0.968، و 0.962 على التوالي )، في حال وقفت دول غينيا – بيساو ( 175 ) و بوركينا فاسو ( 176 ) و سييرا ليون ( 177 ) عند أسفل السلم ( مؤشراتها: 0.374، 0.370، و 0.336 على التوالي )، و لم تتمكن السودان و جيبوتي و اليمن العربية من تجاوز الدرجات ( 147، 149، 153 ) ( و مؤشراتها 0.526، 0.516، و 0.505 على التوالي ). و رغم فلاح الكويت و قطر و الإمارات العربية المتحدة في صعود السلم للدرجات 33، 35 و 39 ( و مؤشراتها..891، 0.875 و 0.868 على التوالي ) فإنها لم تزل تحتاج إلى بذل الكثير من الجهد في رعاية صحة الناس و تطوير تعليمهم و تحسين نوعية حباتهم…الخ لتقترب من موضع فرنسا ( 10 ) و الولايات المتحدة الأمريكية ( 12 ) و بريطانيا ( 16 ) مثلاً، و ذلك في الوقت الذي تضخ هذه الدول العربية ما لا يقل عن سبعة ملايين برميل بترول يومياً (!؟) لمثل أمم الشمال الإمبريالية هذه والعياذُ بالله (!؟)،

 

و بناءً على هذه الخلفية المؤثرة، وقف الكلام المتفائلٌ على رأس قلبي حسرةً حَرَّىْ، و لم يتبقى أمامي حتى الآن سوى أن أدعو الله جلت قدرته كي يعيننا نحن العرب المستضعفين على مصابنا البقائي / التنموى هذا، ذلك لأن الله مع الصابرين.

 

الدكتور عدنان مصطفى

وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية )

رئيس الجمعية الفيزيائية العربية

[email protected]

28/3/2009 5:14:18 AM