عِنْدَ حَدِّ السَيْفِ البِتْرُولِيّ؟

ثمة عدد لا يستهان به من القراء العرب الكرام لا يترددون البتة في توجيه ” العتاب ” لنا لتعاملنا الفكري ” اللين: softness ” في مخاطبة صنَّاع القرار البترولي الرئيس في إطار منظمة البلدان المصدرة للبترول ( أوبيك: OPEC )، و إبداء ” طراوة: susceptibility” ظاهرية ما في تقويم قراراتهم الوزارية بين الحين و الآخر،

و هو ردُّ فعل حق لا ريب فيه. و إنصافاً لذلك، و هو رد فعلنا الحق أيضاً، لا بد لنا من الجهر صراحةًً بأنه: ” لا يمكن أن تبلغ بنا ” القساوة: rigidity ” الوطنية – العربية حدَّ عدم إبصار سطوة سيف الرهبة الخفية المسلط على عنق هؤلاء الأخوة الكرام حين تمَّ تكليفهم بإدارة الشأن الطاقي الدولي و البترولي منه بخاصة “، فينطبق بذلك علينا قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه و على آله الأطهار السلام ): ” يغلب المقدار على التقدير حتى تكون الآفة في التدبير “. و كوننا لا نقبل بالتعرض ” لقدسية ” عقيدة الأوبيك بأي شكل من الأشكال، باعتبارها السيف الوطني – الجنوبي المشرع حقَّاً في وجه جميع أعداء ” الاعتماد المتبادل ” بين أمم الأرض، لا مناص لنا البتة من ” تشجيع ” أي قرار يتسق و هذه العقيدة من جهة، و الثناء الصادق على أخوتنا المساكين الكرام الذين يتقون ربهم في حفظ الأمانة الوطنية من جهة أخرى، و ذلك التزاماً منا مع توجيه جدنا المصطفى ( صلى الله عليه و سلم ) القائل: ” قيل: يا رسول الله، من أكرم الناس؟، قال: أتقاهم ” و هو أمرٌ يتفق تماماً مع أمر الله عز و جلّ القائل: ” فإذا خفتِ عليه فألقيه في اليم ” ( القرآن الكريم، القصص، 7 ). فالثقة بأخيار الأُخْوَةِ هي عينُ إشهارٌ التقوى، و هي أيضاً مثيلة الشاهد الصوفي المؤكد على أنها تشكل ” أمن العبد من فوت المقدور و انتقاص المسطور “.

 

و في الوقت الذي يخفي به بعضُ صناع القرار التنموي العربي إنعكاس وميض حافة السيف الإمبراطوري البترولي المشهر فوق رؤوسهم الخاضعة حقاً للإمبريالية الجديدة، لا يخفي صناع قرار / بقاء التنمية العالمية خوفهم الكبير من التلاعب بسيف ” الانحسار العالمي ” المشهر اليوم على البشرية جمعاء و ليس على مختلف أمم الشمال الذين يمثلونها في السرِّ و العّلّن فحسب، حيث يأتي في مقدمهم مثلاً المدير العام لصندوق النقد الدولي ( IMF ) الدكتور دومينيك شتراوس – كاهن. فلقد أشعل الأخير في يوم 25 آذار 2009 الجاري، شرارة مثيرة في صلب سلسلة الإنذارات، التي دأب على إطلاقها رجال السياسة و المال الكبار في عالم الشمال، و المؤكدة جميعاً على حقيقة تعاظم نذر حرب عالمية كارثية جديدة, و في تبرير توقعه قيام السابعة في سلسلة الحروب البترولية العالمية، أكد الدكتور شتراوس – كاهن أمام الاجتماع العام لمنظمة العمل الدولية ( ILO ) المنعقد مؤخراً في سويسرا، بأن مؤسسته ” تتوقع إنحداراً لا يقل عن 1 % في الاقتصاد العالمي خلال عام 2009 الجاري، الذي سيسدد – وفق تعبيره المباشر – الطعنة الكارثية الأولى لاقتصاد العالم عبر نصف قرن مضى “. و من أول عواقب هذه الحرب المنظورة سيأتي، برأي شتراوس – كاهن، تعاظم البطالة عبر العالم، لتشكل مبعث إنتفاضات إجتماعية كاسحة لمختلف أصول عقائد الديموقراطية السائدة في الشمال، في حال تبقى بعض أمم الشمال القوية بمنأىً عن مثل هذه الكوارث (!؟). و بذلك جاء توقع صندوق النقد الدولي هذا تأكيداً مبيناً على واقعية التشاؤم الذي أبدته ” منظمة العمل الدولية ” حول إمكان توفير قرابة 50 مليون وظيفة عمل متوقعة لهذا العام عبر العالم. و تجدر الإشارة إلى أن تصريح شتراوس – كاهن قد أزعج مهندسي النظام الرأسمالي الكبار، و دفعهم إلى إعتباره قولا خارجاً على قانونهم: كما أنه جاء في زمن ضعفٍ شمالي يمكن عبره تأجيج المزيد من الصراع داخل معسكرات الإمبريالية الجديدة و ذلك على النحو الذي تم في عام 1933 ( أي زمن الانحسار الكبير: Great Depression ) و أصبح بالتالي مبعث الحرب العالمية الثانية. أضف إلى ذلك بأنه سيوحي بالمزيدِ من الكوارث الاقتصادية و الانتفاضات القاسية داخل المجتمعات الفقيرة في العالم من جهة، و مشتتاً من جهة أخرى لجهود إعادة بناء النظام الرأسمالي العالمي التي سينظر فيها خلال قمة العشرين الشمالية ( G20 ) المقرر عقدها في العاصمة البريطانية لندن في مطلع شهر نيسان المقبل.

 

و إذ لا نتوقع لِقِمَةِ الإمبريالية الجديدة ( G20 ) شحذ قوة مؤثرة كافية قادرة على أن: (1) تنسق ما بين توجهات الأمم الرأسمالية المختلفة بعيداً عن المصالح الخاصة لدول هذه القمة، و (2) تدفع بالجميع نحو كبح عنان الانحسار الرهيب الآخذ بناصية بقاء / نماء البشرية اليوم، و (3) إطلاق مبادرة جماعية قادرة على ” استنهاض عون كاف لاستعادة رشد الطلب العالمي عموماً ” حسب تعبير الرئيس الأمريكي باراك أوباما، فإننا لن نجد أنفسنا، نحن العرب جميعاً، ببعيدين عن منظور الحرب السابعة إياها، أي تلك التي صورها لنا رئيس صندوق النقد الدولي أعلاه، ذلك لأننا نرى هذه الحرب ” بعين العلم ” تبدأ ” قريباً ” حرباً إمبراطورية بترولية جديدة، و تراها ” عين النظام العربي الحاكم ” التي تحاول أن لا تنام (!؟) ” بعيداً “. هذا إن لم يتصور هذا النظام و ازلامه، أن تأخذ الحرب في حال حدوثها، ما بعد ” قمة الدوحة العربية ” المقبلة، شكل ” ضربة بترولية استباقية ” محدودة فقط: تستند إلى ” وعدٍ عشائريٍ شماليٍ / عربيٍ ” جديدٍ ً يقول جازماً: ” بالمال يا عُربان و لا بالرجال “، و لكم يا ” بعض عربان القمة ” في الأرض مستقرٌ و متاعٌ إلى حينْ. و إن كان لا بد للسيف من أن يهدر بعض الدماء هنا و هناك، فليكن ذلك من طالبان أو الصين (!؟).

 

الدكتور عدنان مصطفى

وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية )

رئيس الجمعية الفيزيائية العربية

‏‏26‏/03‏/2009‏ 08:08 ص


طباعة المقال طباعة المقال

قد يعجبك ايضا

التعليقات متوقفه