استفادة العرب من تحليق أسعار النفط..مقرونة بالشفافية والإصلاح النقدي وتطوير الأسواق المالية
مع ارتفاع أسعار النفط بشكل غير مسبوق فإن الظروف الحالية تمثل فرصة كبيرة لتنفيذ كثير من الاصلاحات الاقتصادية التي قد يصعب إجراءها وتقبلها شعبياً عندما تكون الظروف الاقتصادية صعبة وليست على ما يرام هذا وبالرغم من تعدد الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة في هذه المرحلة إلا أننا يمكننا الإشارة إلى بعضها على سبيل
المثال لا الحصر: 1. الحاجة إلى مزيد من تنظيم وتطوير الأسواق المالية العربية لتأكيد دورها في تعبئة المدخرات لتمويل المشاريع والاستثمارات المنتجة وتوفير فرص الاستثمارات المجدية والحرص على ألا تكون مجرد مكان للمضاربة والكسب السهل والسريع ويتطلب هذا الأمر قواعد وإجراءات متطورة حتى نضمن توظيف المدخرات في الاتجاه الصحيح وحماية صغار المستثمرين من التلاعب وتسريب المعلومات وتضارب المصالح والحرص على فصل الجانب الرقابي عن عملية إدارة البورصات كما يتطلب هذا أيضاً عدم السماح لشركات ومؤسسات وهمية من تداول أسهمها في البورصات إن المتعارف عليه بأن لايسمح بإدراج أسهم أية شركة دون أن يكون قد مضى عليها حد أدنى من سنوات العمل الجاد والملموس والمربح الذي يبرر قدرتها في جذب مدخرات وأموال المستثمرين كذلك ينبغي الحرص والتأكيد على ضرورة الالتزام بالافصاح والشفافية لضمان حصول المستثمر على المعلومات الكافية والسليمة التي تمكنه من اتخاذ قراراته الاستثمارية وفقاً لدراية ومعلومات مطمئنة إننا نعتقد بضرورة إلزام الشركات التي ترغب في إدراج أسهماً في البورصة أن يكون لها تصنيف ائتماني من مؤسسات التقييم المعتمدة والمعترف بها. 2. ضرورة زيادة مستويات الافصاح الشفافية حيث لازال دول عربية عديدة لاتوافق على نشر تقرير صندوق النقل الدولي حول أوضاعها الاقتصادية والذي يتم اعداده وفقاً للمادة الرابعة الخاصة بالمشاورات الدورية مع الصندوق كذلك فإن عرض ميزانيات الدول العربية يتم حتى الآن وفي كثير من الحالات بطريقة مبهمة وغير شفافة إن موضوع درجة الشفافية والافصاح ينطبق على الشركات والمؤسسات وإن ثقافة تصنيف الجدارة الائتمانية لم تتطور بعد في منطقتنا الأمر الذي يعكس نوعاً من التردد في التجاوب مع الشفافية والافصاح المطلوبين. 3. الحاجة إلى تفعيل السياسة النقدية العربية لكي تتعامل بشكل أفضل مع ارتفاع التضخم وتغيير أسعار الصرف العالمية واختلاف وتباين الدورات الاقتصادية التي تشهدها الاقتصاديات العربية إن تجربة الفورة المالية التي شهدتها الدول العربية المنتجة للبترول نتيجة للارتفاع الكبير في أسعاره وما ترتب عليها من سخونة الأنشطة الاقتصادية والارتفاع غير الطبيعي وغير الصحي لأسعار الأصول وخاصة المالية والعقارية وما ترتب على ذلك من زيادة كبيرة في تكاليف المعيشة وارتفاع مستويات التضخم التي وصلت إلى 7%. يشير إلى الحاجة المتزايدة لإعادة النظر في وضع السياسة النقدية وذلك لممارسة دورها الطبيعي في التعامل مع الدورات الاقتصادية ومكافحة التضخم وتحقيق استقرار الأسعار كذلك نجد أن مستوى تدفق السيولة ونمو معدلات عرض النقود التي قدرت بالمتوسط في حدود 20% سنوياً لم تكن متحفظة للحد من مضاعفات سخونة الاقتصاد ومجابهة خطر التضخم لقد ارتفع حجم الائتمان بشكل كبير خلال السنوات الثلاث الماضية من نسبة 36% إلى أكثر من 46% من الناتج الإجمالي. إن المفارقة الملفتة للنظر أنه في حالات الرواج الذي نحتاج خلاله إلى التخفيف من سخونة الاقتصاد نجد أن منح الائتمان يتزايد بشكل مخيف في هذا الوقت الذي يشح فيه مثل هذا الائتمان الذي نكون في أمس الحاجة إليه خلال أوقات الكساد وضعف النشاط الاقتصادي أما الملاحظة الأخرى في هذا الشأن أننا لم نلمس مبادرات أو محاولات لتعقيم (sterilization) الاقتصاد على اثر التدفقات المالية الهائلة التي ترتبت على ارتفاع الفوائض المالية وذلك حتى يمكن التخفيف من حدة ارتفاع الأسعار وفورة الانشطة الاقتصادية خلال هذه المرحلة، الملاحظة الأخيرة في هذا الصدد تتمثل باحتمال تدهور كبير في سعر صرف الدولار نظراً لتفاقم عجز الحساب الجاري الأمريكي الذي وصل إلى مستوى غير قابل للاستمرار إن مثل هذا الاحتمال إذا ماتحقق فإن من شأن ذلك أن يزيد كثيراً من المستوى المرتفع الذي وصلت إليه معدلات التضخم حالياً كما إن من شأن ذلك إضعاف القوة الشرائية للأفراد وامتصاص جزء كبير من الفوائض المالية من خلال ارتفاع فاتورة الاستيراد وإزاء هذه المعطيات نعتقد بضرورة تفعيل السياسة النقدية. 4. الحاجة إلى مزيد من التحسين في مناخ الاستثمار حيث أن درجة الحرية الاقتصادية والشفافية ومستوى الحكم الصالح والجدارة الائتمانية وتكاليف وإدارة الأعمال في الدول العربية لاتشجع كثيراً على الاستثمار في العالم العربي فوفقاً لمؤشر مؤسسة heritage foundation للحرية الاقتصادية فقد وجدنا أن هناك 13 دولة من 20 دولة عربية تعتبر ضعيفة أو ضعيفة جداً في مجال الحرية الاقتصادية كما أنه ووفقاً لمعايير المنظمة العالمية للشفافية ومستوى الفساد فقد وجدنا بأن هناك 6 دول عربية فقط وضعها مقبول والباقي دون المستوى أما فيما يخص مؤشر الحكم الصالح الذي أعده البنك الدولي فقد احتلت الدول العربية مراتب متواضعة كذلك على صعيد الجدارة الائتمانية فقد وجدنا أن هناك حتى الآن عدد قليل من الدول العربية يتمتع بدرجات استثمارية (investment grades) أما فيما يتعلق بظروف وبيئة الأعمال (doing business) فسواء تعلق الأمر بالاجراءات أو الحد الأدنى من رأس المال المطلوب لمباشرة أي اعمال أو اجراءات التوظيف والفصل أو قوانين الافلاس وغيره فإن بيئة الأعمال في الدول العربية تعتبر مكلفة وغير مشجعة . لذا لاينبغي أن نستغرب من ضعف جاذبية الدول العربية لرؤوس الأموال والاستثمار الأمر الذي يتطلب أن نعطي هذا الوضع الاهتمام اللازم في الاصلاحات المطلوبة.
طباعة المقال
التعليقات متوقفه