ما هي الدول العربية المستفيدة من أسعار الغاز التاريخية؟.. قطر والجزائر الأبرز

يتزايد القلق العالمي من الصعود التاريخي لأسعار الغاز الطبيعي منذ بداية العام الجاري وسط شحّ الإمدادات، وما تبع ذلك من أزمات، فضلًا عن ارتفاع أسعار الكهرباء في البلدان التي تعتمد على استيراد الغاز.

وأمام ذلك، هناك دول عربية تستفيد خزائنها من هذا الصعود القياسي في تكاليف الطاقة، ما يدعم موازنتها للعام الجاري، إذ تضم المنطقة العربية نحو 9 دول مصدّرة للنفط والغاز الطبيعي.

وشهدت أسعار الغاز الطبيعي في بورصة نيويورك للسلع قفزة قوية منذ بداية العام الجاري وحتى منتصف أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بلغت 113% تقريبًا، ليتخطى حاجز الـ5 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، كما زاد سعر الغاز في أوروبا بأكثر من 400% في المدة نفسها.

ويتزامن ذلك مع توقعات باستمرار ارتفاع الطلب على الغاز -بدخول فصل الشتاء- خصوصًا من القارّة الأوروبية التي تعاني من نقص التخزين اللازم مقارنة بالأعوام السابقة.

وتعدّ قطر والجزائر أكثر الدول العربية المستفيدة من ارتفاع الغاز عالميًا، كونها من بين أكبر الدول المصدّرة لتلك السلعة في المنطقة العربية، حتى إنهما تحتلان مركزًا في قائمة العشرة الكبار بإنتاج الغاز عالميًا وتصديره كذلك.

وتعتمد الدول العربية في أغلب تعاقداتها على نظام تسعير الغاز القائم على الربط بسعر برميل النفط، وبعقود طويلة المدة، وفقًا لمنظمة الأقطار العربية المصدّرة للبترول (أوابك).

قطر

بفضل ارتفاع أسعار النفط والغاز منذ بداية العام الجاري، نجحت قطر خلال الربع الثاني من العام الجاري في تحقيق إيرادات أعلى من التي توقعتها عند إعداد موزانة 2021، إذ تخطى سعر البرميل في الأسواق نظيره الذي تستند عليه الموازنة والبالغ 40 دولارًا.

صادرات قطروبحسب بيانات وزارة المالية القطرية، تخطّت إيرادات الربع الثاني من العام الجاري (المدة من أبريل/نيسان- يونيو/حزيران)، ما توقعت الدولة العربية تحقيقه، لتسجل 50.1 مليار ريال قطري (13.75 مليار دولار).

وارتفعت إيرادات قطر من النفط والغاز إلى 30.7 مليار ريال قطري (8.43 مليار دولار) خلال الربع الثاني من العام الجاري، بنسبة نمو 17.1% مقارنة بنفس الربع من العام الماضي، مدفوعًا بصعود أسعار الغاز لمستويات قياسية.

وتعدّ قطر أكبر مصدّر للغاز الطبيعي المسال على مستوى العالم، إذ بلغ إجمالي صادارتها خلال الربع الثاني من العام الجاري نحو 19.6 مليون طن بارتفاع 3.7% على أساس سنوي، لتتخطى بذلك أستراليا (صادراتها بلغت 18.4 مليون طن)، وفقًا لتقرير منظمة الأقطار العربية المصدّرة للبترول (أوابك).

ومع ارتفاع الأسعار غير المسبوق، توقّع معهد التمويل الدولي أن تشهد موازنة قطر أدنى نقطة تعادل مالي لسعر النفط في منطقة الخليج عند 44 دولارًا للبرميل خلال العام المقبل، وذلك انخفاضًا من 52 دولارًا للبرميل خلال 2021.

ويُقصد بسعر التعادل المالي للنفط، سعر النفط الضروري لتحقيق التوازن في موازنة الدول المصدّرة للخام وخفض عجز الموازنة.

وبالفعل، نجحت قطر خلال الربع الثاني من العام الجاري بتحقيق فائض بالموازنة العامة للدولة بلغ 3.8 مليار ريال قطري (1.04 مليار دولار)، مدفوعة بتحسّن الإيرادات مع الارتفاع التاريخي لأسعار الغاز، وكذلك السيطرة على النفقات، وفقًا لبيانات وزارة المالية القطرية عن أداء الموازنة خلال الربع الثاني من 2021.

وتوقّع معهد التمويل حدوث تعافٍ قوي للنمو الاقتصادي في دول الخليج خلال عامي 2021 و2022 مدفوعًا بصعود أسعار النفط والغاز، ومنها تسارع النمو لدولة قطر العام المقبل، ليسجّل 3.8%، مقابل توسّع متوقع عند 3.1% هذا العام.

وتبلغ الطاقة الإنتاجية للغاز الطبيعي المسال في قطر نحو 77 مليون طن متري سنويًا، مع سعي الدولة إلى زيادة الإنتاج إلى 110 ملايين طن متري سنويًا.

الجزائر

مشروع خط الغاز العابر للصحراء

من المتوقع أن تستفيد الجزائر كذلك بالصعود الكبير في أسعار الغاز، كونها إحدى الدول الرائدة في إنتاج الغاز، كما إنها أول دولة تقوم بتصدير الغاز المسال في العالم.

وقامت الجزائر باعتماد موازنة العام الجاري مع توقّع إيراداتها بناءً على سعر مرجعي للنفط في حدود 40 دولارًا للبرميل (مقابل 50 دولارًا في موازنة 2020)، وهو ما تخطّته السوق خلال الوقت الراهن، بل وتجاوزت حاجز 80 دولارًا للبرميل، أي أكثر من الضعف.

ونتيجة ارتفاع أسعار النفط والغاز، استطاعت شركة النفط والغاز الجزائرية (سوناطراك) خلال أول 8 أشهر فقط من العام الجاري حتى نهاية أغسطس/آب الماضي، تحقيق إيرادات بلغت نحو 20 مليار دولار، وهو ما يعادل إيرادات الشركة كافة في 2020، وفقًا للمدير العامّ للشركة، توفيق حكار.

وفي يونيو/حزيران الماضي، توقّع حكار نجاح الشركة في تحقيق إيرادات تتراوح بين 30 إلى 33 مليار دولار بنهاية العام الجاري حال استمرار أسعار خام النفط في نطاق يتراوح بين 65 و75 دولارًا للبرميل.

ووفقًا لمنظمة أوابك، ارتفعت صادرات الجزائر من الغاز الطبيعي المسال خلال الربع الثاني من هذا العام إلى 3.1 مليون طن، مقابل 2.9 مليون طن خلال الربع نفسه من العام الماضي 2020، بزيادة 6.9% على أساس سنوي.

وارتفعت صادرات الغاز المسال الجزائري خلال الربع الثاني من 2021 -بحسب تقرير أوابك- بفضل دخول منشأة إسالة الغاز في سكيكدة حيز التشغيل الكامل بعد توقّف لعدّة أشهر خلال 2020.

وفي عام 2020، جاءت الجزائر في المركز الثامن ضمن قائمة أكبر مصدّري الغاز الطبيعي المسال في العالم، إذ بلغت صادراتها 15 مليار متر مكعب مقابل 16.6 مليار متر مكعب، وفقًا لبيانات بي بي البريطانية.

ودفعت أسعار الغاز التاريخية الجزائر لاتخاذ قرار بتوجيه جزء من مبيعات الغاز الطبيعي الجزائري إلى السوق الفورية الحرة للاستفادة من الأسعار الحالية، وفقًا لمدير عامّ شركة النفط والغاز الحكومية (سوناطراك).

وبحسب معهد التمويل الدولي، من المتوقع أن تستفيد الجزائر كذلك من تسريع وتيرة النمو الاقتصادي، مع انخفاض نقطة التعادل المالي لأسعار النفط، فإذا كانت أقلّ من أسعار السوق فمن المرجح تحقيق فائض في الموازنة أو إلغاء العجز القائم.

وتوقع التقرير أن تحقق الجزائر انخفاضًا في التعادل المالي بالنسبة للموزانة؛ ليصبح 72 دولارًا للبرميل في 2022، مقابل 77 دولارًا للبرميل العام الجاري.

مصر

رغم أن إيرادات موازنة مصر لا تعتمد بشكل كبير على العائد من بيع المحروقات مثل قطر والجزائر، إذ تُشكّل الضرائب أكثر من 78% من إجمالي إيرادات البلاد، فإن ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي بمثابة أمر ايجابي كذلك لخزنة مصر فهي دولة مصدّرة لتلك السلعة في الوقت الراهن، ولكن ليس بشكل كامل، مع استحواذ الشريك الأجنبي على جزء من مبيعات الغاز.

حقل غاز ظُهْر في مصر
حقل غاز ظُهْر في مصر

وفي الموازنة الجديدة لمصر، والتي بدأ العمل بها يوليو/تموز الماضي، افترضت المالية عند إعداد الموازنة أن يسجل متوسط سعر برميل النفط نحو 60 دولارًا على المدى المتوسط، وهو السعر الذي تخطّته الأسواق.

وارتفعت صادرات مصر البترولية خلال العام المالي الماضي -المدة من يوليو/تموز 2020 حتى نهاية يونيو/حزيران 2021- لتسجل 8.6 مليار دولار، مقابل 8.5 مليار دولار خلال العام المالي السابق له، وفقًا لبيانات البنك المركزي المصري.

وبسبب تهاوي أسعار الغاز الفورية العام الماضي، لم تقم مصر بتصدير أيّ شحنة غاز خلال الربع الثاني من 2020، ولكن مع صعود الأسعار صدرت مصر شحنات من الغاز الطبيعي المسال خلال الربع الثاني من 2021 بلغت نحو 1.4 مليون طن، وفقًا لتقرير منظمة أوابك.

وبحسب أوابك، يعدّ انخفاض الأسعار الفورية للغاز لأقلّ من 5 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية سلبًا في الجدوى الاقتصادية للتصدير بالنسبة لمصر.

سلطنة عمان والإمارات

تعدّ سلطنة عمان كذلك من الدول المستفيدة من ارتفاع أسعار الغاز، فقد بلغت صادراتها خلال الربع الثاني من العام الجاري نحو 2.6 مليون طن، مقابل 2.1 مليون طن خلال الربع نفسه من العام الماضي.

كما تأتي الإمارات ضمن الدول المستفيدة من ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، إذ ارتفعت صادراتها خلال الربع الثاني من العام الجاري إلى 1.6 مليون طن باجمالي 8 شحنات، مقابل 1.4 مليون طن خلال الربع نفسه من 2020.

الأسعار وصلت لمستوى غير مرحّب به

رغم استفادة خزائن الدول المصدّرة للغاز الطبيعي من ارتفاع الأسعار، فإن المستوى التاريخي الذي وصلت إليه الأسعار يُنذر بأزمة تهدد استقرار الأسواق العالمية للغاز مع دخول فصل الشتاء، وتسبّبها بضغط على شركات الكهرباء في الأسواق الأوروبية، لعدم القدرة على مواجهة تلك الأسعار.

وعبّرت دولة قطر -أكثر المستفيدين من ارتفاع الأسعار- على لسان وزير الدولة لشؤون الطاقة، سعد بن شريدة الكعبي، عن عدم رضاها بسبب ارتفاع أسعار الغاز.

وقال الوزير القطري في تعليقه على الصعود التاريخي لأسعار الغاز: “أنا غير سعيد بارتفاع أسعار الغاز… فهو أمر سلبي للمشترين، ورضا المشترين أهمّ أمر بالنسبة لنا.. ولا نعتقد أنها مفيدة للمستهلكين، وقطر لا تريد أن يكون السعر دولارين أو 20 دولارًا.. نريد أن يكون لدينا سعر معقول ومستدام”.

ويرى الكعبي، أن أزمة ارتفاع أسعار الغاز ترجع إلى عدم استثمار السوق بشكل كافٍ في القطاع، معربًا عن قلقه لما تتعرض له السوق الأوروبية مع دخول فصل الشتاء وتدنّي مستوى تخزين الغاز في القارة العجوز.

كما عدّت الأمانة العامة لمنظمة الأقطار العربية المصدّرة للبترول (أوابك)، أن الصعود الكبير في أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا يهدد بأزمة من شأنها الضغط على استقرار السوق العالمية للغاز، خصوصًا مع قرب دخول فصل الشتاء الذي يشهد ذروة في الطلب عادةً.

وأوضحت أن ارتفاع الغاز يأتي في ظل استمرار شحّ الإمدادات من بعض الدول المصدّرة، وتراجع مخزونات الغاز في السوق الأوروبية لأدنى مستوى مقارنة بالمدة نفسها من كل عام.

وتلتزم الدول العربية المصدّرة للغاز الطبيعي بتوفير إمدادات الغاز إلى عملائها، مع عمل محطات إسالة الغاز في أغلب الدول المصدّرة بكامل طاقاتها لتلبّية 30% من الطلب العالمي، وهو ما أشادت به أوابك.

وترى المنظمة أهمية نظام التسعير القائم على الربط بأسعار النفط (خام برنت) وبعقود طويلة المدة، مؤكدة أن هذا النظام يضمن استقرار أسعار الغاز الطبيعي، ويحدّ من تقلّباتها.

ولتحقيق توازن العرض والطلب على المدى المتوسط والطويل، شدّدت أوابك على ضرورة الاستمرار في ضخّ الاستثمارات بقطاع الغاز الطبيعي لرفع مستويات الإنتاج.

متابعة : همام الكركوش


طباعة المقال طباعة المقال

قد يعجبك ايضا

التعليقات متوقفه