الْطَاقَةُ وَ صِرَاعُ الأُمَمِ
” بِكُلِّ يُسْرِ يَمْكِنُ تَقَوَّيمُ الغُصنَ الأَخْضَرَ، فإذِا تَخَشَبَ فَلن يُقَوّمُ هذا المَتَصَلِبُ إلا بالنار “، هو ذا شاهدٌ صوفيٌّ: يمكن اتخاذه هنا كمعيارٍ حضاريٍ، يتناسب و مصارحتنا الموضوعية، الرامية إلى تحقيق ” جلاءٍ ” مبدأيِ لأفعالِ العقائد الطاقية الراهنة المحركة لشتى صراعات العصر الضارية اليوم.
و إذ لم تشهد البشرية بعد تحقق اختلاف شخصين ما حول رؤية أي إنسانٍ ” ضلَّ ” و قد سار على ” الطريق القويم “، كما يقول شاهدٌ صوفي آخر، فلا يمكن البتة إنكار وجود الضلال السائد اليوم في إدارات بقاء / نماء الوجود الإنساني من أقصى الشمال لأدنى الجنوب، ذلك الناجم ” بطبيعة الحال ” عن التفشي الحاد في وباء ” التصلب ” المشهودِ في ضمير العديد من صناع قرار بقاء / نماء البشرية. و لا ريب في أن هذا ” التصلب المزمن ” بات يشكل اليوم تغذيةً عكسية ( feedback ) و مصدراً حقيقيٍاً مؤثراً لمزيد من ” جنف ” هذه الإدارات عن طريق الصواب، فانعكس هذا الانحراف المتجدد بصورة ” إنحناء في تمدن البشرية ” عموماً، و بهيئة اندفاع أمم الشمال المشهود اليوم باتجاه التوحش الدموي الرهيب ما بين أفغانستان و غزة هاشم اليوم خصوصاً. الأمر الذي يقودنا إلى الاعتقاد بأنه: ” لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال، و بغير النار، تحقيق أي فلاحٍ يذكر في تقويم عِلَةِ قلب الإمبريالية الجديدة هذه “، بل و في تخليصه من داء ” التخشب الدموي الضاري ” الذي يغشاه اليوم (!؟). و من هذا المنطلق، يمكن إدراك أسباب توقد نيران ” المقاومة الوطنية ” في العالم. فكما يعلم القاصي و الداني تحت شمس الكوكب، أن ” طبيعة أشياء ” هذه المقاومة قد تراوح معظم أشكالها بين: استخدام نيران الحروب السياسية الباردة ( كالتي تخوضها سورية الصمود العربي اليوم )، و اعتماد أكثرها حرارة ( كالتي تخوضها المقاومة الجنوبية ما بين أفغانستان و بلاد الشام )، و ذلك عند تغاير ظروف محاولاتها، مجبورةً، ” تقويم جنف ذلك ” الظلم الإمبريالي الجديد المبدى على حق الأمم في العيش الحر الكريم. و من يتبصر اليوم هدوءاً في صلب فكر فلاسفة ” الإمبريالية الجديدة “، سيجد أن معظمه موجه بطبيعة الحال، نحو التبشير بمبررات و تدابير قوات تحالف الشمال الضاربة اليوم تحت راية ” إمبراطورية الظلام البترولية ” لاستخدام مختلف أشكال ” النار ” في ” الحرب على الإرهاب ” باعتبار أن أية مقاومة وطنية قد تقوم في وجه الزحف الإمبراطوري البترولي على مقدرات الشعوب البترولية لا يعتبر إلا شكلاً من أشكال الإرهاب الدولي، الذي يتطلب ” تعديله ” منتهى سطوة النار. و كي لا نذهب بعيداً في التحاور الأكاديمي التقليدي السائد حول هذا الشأن، نكتفي هنا بالإشارة إلى أحد ابرز حوارات هذه العقيدة و هو الذي نشره الأستاذ الدكتور صموئيل هانتنغتون ( Samuel P. Huntington ) في صيف عام 1993 تحت عنوان: ” صراع الحضارات: The Clash of Civilizations? “. و إثباتاً لحال ” التخشب ” الذي بات ينظم هذا التبشير، نجد من المفيد لقارئنا الكريم إيراد تلخيص مفيد، نشرته مجلة ” الشؤون الخارجية الأمريكية: Foreign Affairs “، لمقولة الأستاذ هانتنغتون، جاء فيه بالحرف الواحد تحديداً ما يلي: ” تدخل السياسية الدولية طوراً جديداً، يتكشف عن شروخـات كبرى في كـيـان البشرية، و سيكون مصدر الصراع السائد فيها حضارياً ( cultural ). و تتمايز المدنيات ( civilizations ) – التي تضم أعلى الناس حضارةً – عن بعضها بالدين، و التاريخ، و اللغة، و التقاليد، مبرزة بذلك شروخاً متميزة عميقة، متعاظمة الأهمية، تمتد ما بين يوغوسلافيا، مروراً بالشرق الأوسط، و وسط آسيا، حيث تشكل حروف هذه الشروخ خطوط معارك المستقبل. و ضمن هذه حقبة الصراع الحضاري الصاعدة هذه، يتوجب على الولايات المتحدة الأمريكية صهر تحالفات مع حضارات مثيلة لديها (!؟) تقوم من خلالها بنشر قيمها حيثما هو ممكن. فمع ” مدنيات دخيلة ” يتوجب على الغرب أن يتموضع و لو أمكن ذلك بالصراع. و في جميع الأحوال، يخلص تحليلنا إلى أنه يتوجب على المدنيات أن تتعلم كيف يتحمل بعضها الآخر ” ( www.foreignaffairs.org ). و على صعيد الواقع اليوم، و نحن نشهد أعمال ” المؤتمر الدولي لإنعاش الاقتصاد الفلسطيني و إعادة إعمار غزة “، لن يسعف المؤتمرين الحظ في رؤية إنسان منصف واحد – خصوصاً إذا شهد جهاراً دموية ” المحرقة الصهيونية ” في غزة هاشم – يقتنع بأن ” مليارات الدولارات الفرضية : virtual billions ” التي تم عرضها في صباح يوم الاثنين 2 آذار 2009 لاعمار غزة المحاصرة و المسحوقة اليوم حتى العظم، ستتمكن ” بنار المال الإمبراطوري ” من موضعة الحضارة العربية المجيدة تحت عباءة ” التمدن الوحشي المنحنية “. و بإدراك حرج بعض ممثلي النظام العربي الحاكم بحضورهم هذا المؤتمر الشمالي البحت، لا يسعنا سوى الإشادة بالمسئولين العرب الشجعان، من رجال الخليج العربي الأبرار، الذين غردوا خارج السرب الإمبريالي و جهروا بمنتهى الشجاعة – بعيداً عن جوقات الانبطاح العربي المعروفة – بما ينسجم و رؤية الشاهد الصوفين الواردين في مطلع رأينا المتواضع هذا، و” ما ربك بغافل عما تعملون “.
الدكتور عدنان مصطفى
وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية )
رئيس الجمعية الفيزيائية العربية
[email protected]
3/2/2009 7:44:30 PM
طباعة المقال
التعليقات متوقفه