عِلْمُ الجَنُوْبِ وَ شَبَحُ ” جَزِّ الأَعْنَاقِ “

حدثان عالميان، أحدها مضحكٌ و آخر مبكٍ، شكلا مصدر العزم على كتابة مقال الرأي هذا هما:

أولاَ: مضحكُ ” توظيف ” السلطة السياسية – النووية المشهودة للوكالة الدولية للطاقة الذرية ( IAEA ) إياها ” لابتداعِ ” شكل من أشكال ” الإمساك بتلابيب ” سورية و تلويثها إشعاعياً بتهمة شروع سورية في ” اختراع الدولاب النووي “. فلقد نقلت وكالة أنباء ( CNN ) العالمية العتيدة نبأً نشرته صباح السبت 21 شباط الجاري 2009 يقول: ” أن مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط بالوكالة جيفري فلتمان – المنسق السنيوري ( من تعبير seniority ) لعدوان تموز 2006 التلمودي على لبنان إياه – طلب اللقاء بسفير سورية في واشنطن عماد مصطفى و ذلك في أعقاب ” نشر تقريرٍ للوكالة الدولية للطاقة الذرية ( فيينا ) يندد بنقص تعاون دمشق في التحقيق حول برنامجها النووي المفترض… (!!!؟)”، حيث أشار الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية إلى ” أن غاية هذا اللقاء هي بحث القلق الذي ينتابنا مع السوريين في هذا الشأن….الخ ” ( www.arabic.cnn.com : السبت 21 فبراير 2009 03:02 GMT). و المضحك مبدئياً في هذا الحدث أنه: ” في الوقت الذي تغض به هذه الوكالة – المثيرة للعجب الحضاري – عن حقيقة استخدام أحد المطارات البشمرغية – الإسرائيلية العاملة في شمال العراق المحتل لضرب موقع ” الكبر ” في شمال شرق سورية، و حيازة العدو الإسرائيلي ما لا يقل عن بضعة مئات من القنابل النترونية و النووية التقليدية، لا تتردد البتة في تحرير تقارير مُسيَّسة الغرض، للتحرش بسورية الصمود الوطني – العربي و ذلك بُعيدُ الهزيمة الكبرى التي ألحقتها المقاومة العربية بصناع ” المحرقة الصهيونية ” في غزة هاشم الأبية. أما الذي يُغرق أكثر في الضحك العلمي على ” مبتدعي ” تقرير الوكالة، هو أنهم يعبثون بعقل الناس عبر العالم، و ذلك عبر ” الإطاحة ” بحقيقة وفرة المواد الإشعاعية في القشرة الأرضية، فليس ثمة مكان ما تحت الشمس إلا و يحمل إشعاعاً ما. فلو وفر ” صناع ” قرار الوكالة مشقة السفر إلى سورية و قاموا بقياس الإشعاع القائم تحت إدارة الوكالة إياها، لتأكد للقاصي و الداني و بخاصة للدموي التلمودي جيفري فيلتمان إياه، أن هذا الموقع، و ليس موقع الكبر قرب أهلنا ” أخوة بَطَّا ” في دير الزور، هو مشعع إلى حدٍ كاف لاستضعاف عقول مستشاريه الكرام. و ربما يذكر الكثير من طلابنا الكرام في مطلع عقد السبعينيات من القرن العشرين الفارط، و أكثرهم بات اليوم يحتل مواقع علمية – سياسية مميزة في سورية، كيف قاموا برسم خارطة إشعاعية سورية، حيث تبين لنا لاحقاً، و أثناء إدارتنا لشؤون وزارة النفط و الثروة المعدنية، بأنها لا تقل قدراً عن الخارطة الإشعاعية التي حققها و نشرها الخبراء الروس الأصدقاء من قبل. و أقرُّ بأن النجاح في رسم هذه الخارطة قد اعتمد على جمع أوراق خضراء من البيئة الطبيعية السورية و قياس الإشعاع الصادر عنه وفق منهج بحثي دقيق. و عليه، فإننا نقترح على سعادة السفير السوري في واشنطن أن يقول لجيفري فيلتمان و نيابة عن كل علماء الأمة العربية بأن: ” يخيط بغير مسلة ” وكالة الطاقة الذرية الصدئة،

 

ثانياً: و مبكي: ” كشف المستور ” مؤخراً عن مشروع تلمودي – شمالي “ لجزِّ أعناق علماء الجنوب “، ( أنظر على سبيل المثال لا الحصر: مقال غوردون توماس، بعنوان: ” الموساد – آلة القتل الأكفأ في العالم ” www.jihadwatch.com: October 12, 2004 9:12:57 AM). و هو شأن ” عتيق “، سبق أن ساهمتُ في التنبيه إلى وجوده، مواكبا لليقظة القومية العربية في العصر الحديث، و ذلك مع الكثير من علماء الجنوب عامة، و العرب منهم خاصة. و لتيسير فهم الأسباب التي دعتنا إلى تنبيه الشعب العربي لهذا الخطر المحيق بنا اليوم، لا بد لنا من التمهيد للأمر بالقول أنه: قبل أربعة عقود خلت من الزمان، و في اليوم الأول لمباشرتي بحثي العلمي الفيزيائي بجامعة ساوثمبتون ( بريطانيا )، و أثناء استراحة القهوة الصباحية في قسم الفيزياء، و بعد استئذان مباشر من قبل أستاذي المشرف على بحثي، أبدى الأستاذ الكبير الدكتور ج. هتشنسون ( رئيس قسم الفيزياء ) رغبته في أن أزوره في مكتبه للتعرف على أول طالب علم عربي دخل حِمَاه. و بعد إشعاري بأنه يعرف، من أستاذي المشرف على دراستي بشكل عام، كل ما يتعلق بحقائق عشقي للمعرفة الفيزيائية، و تضحيتي بكل مغريات مستقبلي السياسي في بلدي من أجل العلم، و بعد مباسطتي إنسانياً عبر الإقرار ” معتزاً مثلي باشتراكيته “، و التأكيد على أنه من أتباع الأستاذ الدكتور برتراند راسل، فاجأني بسؤال مثير يقول: ” هل تعتقد بأن درجة الدكتوراه، التي أنت بصدد حيازتها منذ الآن، ستعلي باب دارك السياسية في سورية…؟ “. أجبته وقتئذٍ: ” بدايةً، أعترف بأنني ما جئت لمثل هذا الغرض، بل تخطيت في الواقع ذلك الباب السياسي الوطني المرتفع فعلاً، و جئت عازماً على ولوج باب العلم الفيزيائي الأرفع لديكم. و أوكد لكم – أيها الأستاذ المبجل – أنه لا يعلو أي شيء في قلبي فوق عشق المعرفة، فالمعرفة في عقيدة ” مدرسة العلم العربية ” هي مبعث قوة الإنسان عموماً، و باعتبار أن الإنسان العربي كان منذ نهوض الاستعمار القديم و لم يزل مستضعفاً، فلن يجد فرجه من هذه الشدة إلا عبر عمل أبنائه الشباب – في الشمال والجنوب – على إعلاء باب دار هذه المدرسة العتيدة… ألم تفعلوا أنتم: علماء بريطانيا الشباب، و في إطار مدرسة العلم البريطانية المجيدة، لتباهوا بأعمالكم العبقرية أمم العالم عموماً و أمم القارة الأوربية خصوصاً؟… لكنكم كما أكد قائدكم الأستاذ برتراند رسل، في أكثر من مناسبةٍ، أنكم قد تهاونتم في تقويم جنف البحث العلمي البريطاني عندما سكت عن انصراف مؤسساته عن متابعة المعرفة الخيرة، و عندما تشتت بها السبل نحو الشرِّ باتجاه دعم الطموحات السياسية الإمبريالية..أليس كذلك؟ “. و أثناء وداعي للأستاذ هتشنسون، عائداً للوطن منصوراً بما ارتحلت من أجله بعون الله، ذكرني، و بمنتهى أدبه العلمي الرفيع، بسابق محاورتنا الأولى هذه مؤكداً على ضرورة التمسك لاحقاً بما آمنت به. و لا بد لي من الاعتراف مجدداً بأن ثمة شرف متميز آخر خصني الله به و هو الذي تجسد عبر التلاحم العقائدي – الجنوبي – العلمي مع ذلك العَلَمِ الباكستاني في ” مدرسة العلم الإنساني العالمية “، أي الأخ الأستاذ الدكتور محمد عبد السلام ( حامل جائزة نوبيل في الفيزياء ) رحمه الله. فهذا الإنسان المسلم الحق كانت له يد طولي في تعزيز زخم التزامي ” بالعلم الذي ينفع “. و من هذا المنطلق أيضاً، سعينا إلى ” تنسيق ” هذا النمط الاستراتيجي للعلم العربي من خلال إرساء و تعزيز ” وحدة أبناء المجتمعات العلمية العربية “. فكان أن أنشأنا في مطلع السبعينيات من القرن العشرين الماضي كيان ” الجمعية الفيزيائية العربية – بيروت” و ساهمنا في إنهاض ” إتحاد الفيزيائيين و الرياضيين العرب – بغداد “، و ” أكاديمية العالم الثالث للعلوم – تريستى ” تحت راية المرحوم محمد عبد السلام، و من ثم التجاهد لإعلاء شأن كيان ” الأكاديمية العربية للعلوم ” حتى اليوم. و لا أخفي سرّاً إن قلتُ بأننا لم نوفر أي جهد ممكن يذكر في هذا الأمر المصيري الكبير، و من بينها مخاطبة القمم السياسية العربية و إثارة نخوتها و مسؤوليتها في جمع شتات العلماء العرب و الحؤول دون ” جزِّ أعناقهم ” داخلياً و خارجيا، دون جدوى تذكر. شاهد ذلك تبشيرنا البراغماتي القائل بنهضة ” مدرسة العلم العربية ” من خلال الأمل الكبير بانعقاد القمة الاقتصادية العربية في الكويت ( أنظر مثلاً – على سبيل المثال لا الحصر – مقال رأينا: “ الفرج بعد الشدة: نحو قمة عربية اقتصادية “، المنشور في مجلة العربي الكويتية العتيدة، آب 2007، 22-25 ).

 

و الآن، و بعد ” إهتراء ” الغطاء العربي الأمني المسئول فوق رؤساء أبناء المجتمع العلمي العربي – من أقصى الوطن العربي إلى أقصاه – و توالي موثوق أخبار مكائد أزلام الإمبريالية الظلامية علينا في كل مكان، و مضي الصهاينة و حلفائهم ” بقتل و اغتيال ” العلماء العرب خصوصاً في الداخل و الخارج ضمن إطار البرنامج الصهيوني – الشمالي القائم اليوم على ” جزِّ أعناق علماء الجنوب “، نعتبر هذا المقال دعوةً لإشهار حقائق هذا العدوان التلمودي الرهيب، و ” إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً “.

 

الدكتور عدنان مصطفى
وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية )
رئيس الجمعية الفيزيائية العربية
[email protected]
2/21/2009 12:38:31 PM


طباعة المقال طباعة المقال

قد يعجبك ايضا

التعليقات متوقفه