الإِمْبرَاطُورِيَةُ البِتْرُولِيَةِ و الفُرَصُ الْضَائَعَةِ
أمم الجنوب المستضعفة، و هي تستمع مؤخراً إلى إعلان ” قمة غزة الطارئة، الدوحة، قطر، الجمعة 16 كانون الثاني 2009 ) “، ترجحت في مآقيها عَبْرَتان: حزينة سخينة على الدماء العربية البريئة المُراقَةُ بيد أدوات الإمبريالية – التلمودية الجديدة، ظلماً و عدواناً، على تراب غزة هاشم الشريف
( فلسطين المحتلة )،و عبرة رصينة سخية تفصح عن بهجة المستضعفين برؤية تعاقب الهزائم الإمبراطورية البترولية الظلامية الكبرى أمام ضربات المقاومة الشعبية العتيدة لها، سواءٌ تلك التي تجلت مرابطة على روابي أفغانستان أو تلك المتجسدة عازمة على تحقيق النصر فوق بطاح المشرق العربي الأبية و المرهصة اليوم بالتوحش الشمالي – البترولي الدموي الرهيب. و الإنسان العربي الذي أخرجته مستجدات انتصار مقاومته ( بشقيها الرسمية في قمة الدوحة و الشعبية في قمة انتصار غزة على الطغيان التلمودي ) من وعثاءِ إحباطه في الحياة الدنيا، بات يشهد كيف ” لاصت حسبة ” قادة العدوان التلمودي – الصهيوني – الأمريكي عند حدود قطاع غزة من جهة و كيف طاش حجر ” أزلام إمبراطورية البترولية الظلامية جهاراُ في كل من أوروبا و الوطن العربي على حدٍّ سواء من جهة أخرى. فعلى سبيل المثال لا الحصر في هذا المقام، و كي لا تضيع من يد الإمبراطورية الظلامية البترولية هذه ” فرص سيطرتها المنظورة ” على منطقة شرقي البحر الأبيض المتوسط باعتبارها تحمل آمال لا يستهان بها هايدروكاربونياً ( أي بترول و غاز طبيعي ) ( أنظر مقال رأينا بعنوان ” حَوْلَ حُرُوبِ شَرْقِيِّ الْمُتَوَسِطِ الْبِتْرُولِيّّةِ المنشور في موقعي: www.syria-oil.com ، و www.all4syria.org بتاريخ: 15/1/2009 )، جرى استدعاء وزيرة خارجية العدو الصهيوني ( تزيبي ليفني ) إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتعقد قبيل انعقاد القمة الاقتصادية العربية ( الكويت )، و وسط أجواء احتفالية مفعمة بالعناق الحار والغزل، اتفاقاً أمنياً مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ( FBI ) تحكم فيه القوات الإمبراطورية البترولية ” الخفية ” قبضتها على مقدرات كامل شرقي البحر الأبيض المتوسط و ذلك بعد أن: (1) تمكن الدكتور رجب طيب أردوغان ( رئيس وزراء الحكومة التركية ) من تحرير موقف تركيا الرسمي و الشعبي العتيق من إسار التواصل المصلحي البغيض مع دولة العدو الصهيوني في فلسطين المحتلة، و (2) تكشف عجز رئيس النظام الرسمي الحاكم في مصر ( أي حسني مبارك إياه ) عن زرع عصابات السلطة الفلسطينية في قلب الشعب الفلسطيني الصامد في كل من الضفة الغربية و غزة. و بتفعيل اتفاق ليفني – رايس الأمني – التلمودي عشية هزيمة الجيش الصهيوني – التلمودي عند أقدام قلعة صمود العرب في غزة هاشم، هاج قادة أوروبا و ماجوا في مناخ هذا الاتفاق، ليس رأفةً بالعدد الهائل من شهداء فلسطين الأبرياء كما أدعت ألسنتهم القذرة، بل خوفاً من انهيار نظام كامب دايفيد في مصر تحت وطأة القومة الشعبية العامة من أقصى العالم إلى أقصاه. فكما يعلم القاصي و الداني على هذا الكوكب، أن حكم طغمة حسني مبارك المهتريء بات قاب قوسين أو أدنى من الانهيار محلياً و عربياً، و بسقوطه المنظور سوف يمضي نظام عصابة أوسلو التلمودية إلى سقر دون ريب. و عليه، فقد طلب من الرئيس حسني مبارك و بطانته الالتجاء لحصن شرم الشيخ الإسرائيلي – المشاد له خصيصاً – بانتظار زيارة النجدة الأوروبية الموجهة من قبل الإمبراطورية البترولية لمواساة أزلام كامب دايفيد هناك. و قبيل تحرك وفد النجدة الأوروبية نحو شرم الشيخ، أعلنت حكومة العدوان الصهيوني عن وقف للنار – وحيد الجانب –من قبلها. الأمر الذي اضطر أصحاب المرؤة العربية للدعوة إلى قمة طارئ في دولة قطر ( الدوحة ) و ذلك قطعاً لأي طريق يمكن لأزلام الإمبراطورية في المنطقة إتباعه – تحت مظلة النجدة الأوروبية – لضرب انتصار المقاومة الفلسطينية في عز انتصارها. و بعزيمة عربية – إسلامية وطنية صادقة انعقدت ” قمة غزة الطارئة ” في الدوحة بحضور قوي لقادة 14 دولة عربية و بمشاركة عازمة للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد و الرئيس السنغالي عبد الله واد ( رئيس منظمة القمة الإسلامية ) و مبعوثين خاصين عن كل من رؤساء اندونيسيا و تركيا و فينيزويلا، حيث تم في ختامها تقديم إعلان مجيد غاضب حقاً، هدف مباشرةً إلى استنهاض همة و مسؤولية المجتمع الدولي و العربي و الإسلامي و حث الضمير العالمي على إلزام العدو الصهيوني ” بوقف عدوانه على أهلنا في فلسطين المحتلة، و سحب قواته فوراً بشكل شامل غير مشروط عن قطاع غزة، و رفع محاصرته قطاع غزة، مع العمل قانونياً على تحميله كل تبعات جرائم الابادة الدموية التي ارتكبها بموجب القانون الدولي “. و من بين ابرز قرارات إعلان الدوحة هذا ، و على سبيل المثال لا الحصر، مطالبة النظام العربي الحاكم المبادرة فوراً إلى: (1) ” تعليق المبادرة العربية للسلام التي أقرت في القمة العربية المنعقدة في بيروت عام 2002 ووقف كافة إشكال التطبيع بما فيها إعادة النظر في العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية “، و (2) ” إنشاء صندوق لإعادة إعمار غزة وتثمين تبرع دولة قطر لهذا الصندوق “. و إذ ميزت الإمبراطورية البترولية الظلامية سموِّ المقام الاستراتيجي لنجاح ” قمة غزة الطارئة، و هو شأن مستجد قادر على أن يقود إلى إحباط أزلامها في كل من الخليج العربي و بلاد الرافدين تحديداً، فتفقد عبر ذلك ما حصلت عليه من أنفال الحروب البترول العربية في هذين الموقعين، فقد حاولت قطع الطريق على عُلُوِّ همتها الوطنية – العربية ” بحثِّ كلّ ” متردد على ضرورة حضوره قمة الكويت الاقتصادية المنظورة. لهذا شهدت جلسة افتتاح هذه القمة حرباً استراتيجية باردة / دافئة ما أوصلت مجمل أعمالها إلى بيان تقني – اقتصادي بحت، لم يعره الكثير من أعضاء القمة الأغيار (!!) بضع دقائق من وقتهم لشهود إشهاره أصولاً، تماماً مثلما غيب عنه شأن مبرر انعقاده الرئيس، ألا و هو تنمية و تطوير الصناعة الطاقية العربية و توطيد منظور القضايا الاقتصادية الأخرى على أساسها ( أنظر مقال رأينا المنشور في مجلة العربي الكويتية بعنوان: ” الفرج بعد الشدة: نحو قمة اقتصادية عربية “، العدد 585، آب 2007 ). و رغم إدراكنا رفعة قدر العمل العربي المشترك لدى الكويت ( شعباً و حكومة )، و متابعتنا محاولتها المشهودة – عبر هذه القمة – لنقل هذا العمل الوحدوي العربي إلى مقام عملي متقدم جديد، فقد عملت الخاتمة غير الطبيعية للقمة الاقتصادية العربية هذه على تضييع فرصة إنهاض العمل العربي المشترك حقاً، و هو خطأ وطني – عربيٍّ جسيم لا تحمد عقباه البتة. و بناءً على ذلك، فإننا على اعتقاد تام بأن تبعات ” المحرقة التلمودية – الإسرائيلية ” في غزة ستعمل، كما فعلت قمة غزة الطارئة في الدوحة على إشعال فتيل فناء ما تبقى بعد من فرص معتبرة للاعتماد المتبادل بين الشمال و الجنوب، عندها يحق لأولى الأمر و النهي في الإمبريالية الشمالية التساؤل عن مبرر بقاء أزلامها تحت وهج شمس التحرر العربية الصاعدة، و عندها لا بد لنا أن نذكر أيضاً قول الله جلت قدرته: ” أيحسب الإنسان أن يترك سدى “.
الدكتور عدنان مصطفى
وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية )
طباعة المقال
التعليقات متوقفه