الْطَلَبُ العَرَبِيُّ عَلَى الْطَاقَةِ:تَشَابُكُ الوَاقِعِ بِالْخَيالِ
في الوقت الذي يحاور فيه معظم المفكرين الطاقيين العرب شؤون العرض و الطلب البترولية الإقليمية و الدولية، ثمة قلة منهم تحاول التدقيق في حقائق الطلب العربي ( بشقيه القطري و الإقليمي ) على الطاقة،
و ذلك بالرغم من توقعها الاصطدام المباشر بندرة الحقائق الموضوعية الوثيقة الواجب توفرها لصياغة أي قانون ينظم هذا الطلب من جهة، و بمعاناتها من قسوة ” الحظر السياسي ” المفروض على نشر مختلف المعطيات الأصيلة من جهة أخرى. و في جميع الأحوال، من يسعفه الحظ في تجاوز هاتين العقبتين المريرتين، يصبح ” مالكاً ” جدلاً للموثوقية التحليلية العلمية – التنموية التي تمكنه، في الحد الأدنى، من تعزيز “ قوة رأي ما ” لازمة و كافية لتكوين أي قرار وطني – عربي يحكم هذا الطلب في المنظورين العاجل و الآجل. و بتدقيق وقائع التاريخ المعاصر اليوم، و التبصر بعبره المضمخة بدماء أخوتنا العرب في كل من فلسطين و لبنان و العراق، لا يمكن البتة إنكار أثر الإدمان الإمبريالي الطاقي، بل توحش الطلب الشمالي على الطاقة، ذلك الناظم لكل قرارات الحرب و السلام المطبقة على الأمة العربية منذ مؤامرة سايكس و بيكو الاستعمارية القديمة و حتى اليوم. فهل نتوقع من صناع القرار الوطني – التنموي – العربي أن يصحوا الآن على هذه العبرة، قبل فوات الأوان، أم لا؟. و في حالي السلب و الإيجاب على هذا السؤال الوطني – العربي الكبير، يبدو أن لا مناص لنا نحن أبناء المجتمع العلمي العربي من أن نتشمر حقاً لأداء هذا الواجب، كوننا نعرف حقاً مربط الفرس في هذا الشأن، و نؤمن فعلاًً بأن التجاهد في هذا السبيل سيقودنا حتماً إلى البحث عن ” طبيعة أشياء ” ذلك البقاء العربي العزيز الذي طالما حلمنا به منذ مطلع القرن العشرين الفارط و حتى اليوم. فمن هذا المنطلق، يأتي مبرر كتابتنا هذا الرأي الطاقي – الوطني المتواضع.
و قبل الدخول في تفصيل هذه الرسالة التبشيرية – الوطنية، لا بد لنا من تذكر عبرتين تاريخيتين مجيدتين حول مثل هذا التجاهد هما:
1. ما خَلَّدَهُ القائد الصيني الخالد سان تزو قائلاً في ” فن الحرب “: ” إذا عرفت أعداءك و عرفت نفسك، سوف تخرج منصوراً من مئة معركة. و حين لا تعرف أعداءك، بل تعرف نفسك، عندها تتساوى انتصاراتك مع خسائرك، لكنه في حال لا تعرف نفسك و لا تعرف عدوك فسوف يصيبك الدمار في كل معركة تدخلها..”، و
2. ما رواه الصحابي الخالد أويسٍ القرني عن جدنا المصطفى، خاتم الأنبياء و المرسلين، صلى الله عليه و سلم، قائلاً: ” احفظوني في أصحابي، فإن من أشراط الساعة أن يلعن آخر هذه الأمة أولها، و عند ذلك يقع المقتُ على الأرض و أهلها، فمن أدرك ذلك فليضع سيفه على عاتقه ثم ليلق ربه تعالى شهيداً، فإن لم يفعل فلا يلومن إلا نفسه”.
و باعتبار أن ” الجهل ” في الشأن الطاقي، و البترولي منه بخاصة، هو عدم معرفة بمتطلبات الذات و طموحات الأعداء، و ” مقت ” شديد واقع الآن على الأرض، نعتبر التجاهد المباشر لمعرفة ” هيئة ” الطلب العربي على الطاقة في مناخ الإمبريالية الظلامية الموحل السائد اليوم، هو السيف الذي وصفه لنا الرسول الأعظم كي ننهي عصر الخسائر العربية المهين.
و في متابعة للسير على درب هذا التجاهد، سبق لنا منذ بداية العقد الأخير من القرن العشرين الماضي أن أجرينا مواكبةً لمثل هذا التبشير الحضاري مع استغلال حيازتنا لمعطيات طاقية عربية متقدمة في حينها مع معرفاتنا الرياضية – الفيزيائية المتواضعة في هذا الشأن، و بدأنا رسم هيئة الطلب العربي على الطاقة، فتوصلنا إلى نتائج طيبة تم نشرها في التقرير الذي حققناه بدعم معنوي من أخٍ عظيم لنا في الفيزياء هو المرحوم الأستاذ الدكتور محمد عبد السلام و كان بعنوان: ” الطاقة العربية: حقائق و قضايا للبحث و التطوير “، نشر في عام 1993 و قدمنا بعض نتاجه في أكثر من مقام عربي و دولي. و الذي يهمنا في هذه الرسالة التبشيرية هو أن الوطن العربي و قد تجاوز سكانه 350 مليون نسمة في مطلع هذا العام، و صعد استهلاكه الطاقي العام إلى ما لا يقل عن ( 5.4 مليون ) مكافي برميل نفط في اليوم، بل ( 6.2 % ) من الطلب العالمي على الطاقة، هل تفسح لنا معرفتنا الراهنة بالعدو الإمبراطوري بأنه سيتركنا نتابع شأننا التنموي العربي دون حدوث أية خسائر تذكر؟. الجواب، لا، مؤكد ذلك ما نقلته محطة أي بي سي الأمريكية عن الرئيس الأمريكي المهزوم، جورج والكر بوش إياه، من اعترافات صارخةٍ بآثامه الدموية الرهيبة، التي ارتكبها بحقنا العربي، ظلماً و عدواناً، وهو يحزم حقائبه السوداء فراراً من البيت الأبيض، ليتابع مهمته التلمودية – الدموية مع بقية أزلام الإمبراطورية في موقع قريبٍ آخر (!؟). و الجدير بالذكر هو أنه في متابعةٍ لرسالتنا التبشيرية هذه، اقترحنا على أخوتنا الكرام في منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول النظر في التكاتف معنا لتحقيق بحث حول ” الطلب العربي على الطاقة “، متمنين عليهم، و على كل المفكرين الطاقيين العرب الانضمام إلينا، بشكل مناسب ما، في الدخول من باب التجاهد المتواضع هذا ذاكرين – عند رحاب الأعياد الإسلامية و المسيحية المجيدة – نداء كلمة الله عيسى عليه السلام، الذي قال فيه: ” ربِّ ساعدني على الدخول من الباب الضيق “.
الدكتور عدنان مصطفى
وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية )
profamustafa@myway.com

التعليقات متوقفه