الْبِتْرُولُ، الحِذَاءُ الْعَرَبِيُّ وَ الْكِلاَبُ

بعيداً عن ذكر «هامشية دور الإعلام البترولي ـ العربي» في استنهاض همة بقاء / نماء الوجود الوطني ـ العربي الراهن. و بعيداً عن الاشارة «لمقام قزمية الإعلام العربي العام» في إشهار عميق معاناة الإنسان العربي الحقة في الوجود ضمن وسائل الإعلام الإقليمية و الدولية الفاعلة الآن،

و البُعْدُ هنا قولٌ «يذهبُ» بخاصةٍ لبعض هذا الإعلام العربي القائم مقام «المهماز ـ الانتهازي ـ المأجور» المرتبط وثيقاً بالعَقِبِ الحديدية لإمبراطورية الظلام البترولية اليوم، حازت صحيفة التايمز اللندنية (Times Online) قصب السبق عندما نشرت في صباح اليوم، الاثنين 15 كانون الأول 2008، و بإسلوب هزلي متميز، نبأ تعرض ثنائي:


الرئيس الأمريكي المهزوم جورج والكر بوش و صاحبه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لقصف حذاء الصحافي العربي الشجاع منتظر الزيدي. و التميز هنا يأتي عبر إبداعِ الفنان الكاريكاتوري البريطاني مورتين مورلاند ( Morten Moreland ) بتصويره حشداً من المودعين البغداديين الذين يقومون بقذف السفاح بوش إياه بأحذيتهم، قائلين خذها بوجهك: good riddance. و في الواقع، و أثناء زيارة الرئيس الأمريكي المهزوم جورج بوش الدموي إياه المفاجئة لبغداد، مساء الأحد 14 كانون الأول 2008، نهض مراسل قناة البغدادية التلفزيونية، الصحافي منتظر الزيدي، و قذفَ في وجهه بفردتي حذائه، صارخاً بمنتهى الشجاعة: «هذه قبلة الوداع من الشعب العراقي، يا كلب»، و بذلك فرض منتظر الزيدي طبعة كعب حذائه على صدر «الاتفاقية الأمنية ـ البترولية: سوفا» نيابة عن كعب حذاء الوطنيين الأحرار في العراق، و ذلك قبل أن يجف حبر توقيع الثنائي بوش ـ المالكي عليها. ‏
و قد أذهل المالكي سلوك منتظر الزيدي (بل منتصر الزيدي) و أحزنه فشله في صدِّ قذيفة الحذاء الوطنية العراقية ، لم يتردد الأخير في التعبير ببرود قائلاً: «لقد قام (منتظر الزيدي) بذلك من اجل لفت الانتباه إليه. هذا الأمر لم يقلقني ولم يزعجني. اعتقد أن هذا الشخص أراد أن يقوم بعمل يسألني الصحافيون عنه. لم اشعر بأي تهديد». و أعتقد جازماً أن كاريكاتير مورلاند ـ آنف الذكر، سَيُلْحَقُ بتعبيرات أخرى يمكن أن يرسمها مورلاند نفسه، أو يقوم بابتكارها نظراؤه كمارتن روسون في صحيفة الغارديان البريطانية مثلاً. فنرى قريباً مثلاً: كاريكاتيراً يعبر عن حقيقة اللقاء الانبطاحي الذي يتم فيه منح الرئيس المهزوم بوش» صك عقدٍ بترولي خاصِ «تعبيراً عن امتنانها لهذا السفاح التلمودي و عربون عرفانها بجميله لوضعها في السلطة فوق جماجم ما لايقل عن مليون عربي شهيد منذ سقوط بغداد و حتى اليوم. و أعتقد أن خيال فنان الغارديان مارتن روسون لن يتوقف عند إظهار صورة هذا العقد الطالباني ـ التلمودي المبارك (!) بل سوف يظهر بضع مئات البراميل في اليوم المقدرة لمصلحة «المرسل التلمودي» جورج والكر بوش السفاح. و ربما يذهب رسامو الكاريكاتير الكبار في مجلتي التايم و النيوزويك الأمريكيتين مثلاً لرسم ملحق ثانٍ يصور الثلاثي تشيني ـ رايس ـ بوش و هم يشربون نخب أزلامهم، في الحكومة العراقية و من خلفها في المنطقة الخضراء، الذين بادروا سريعاً لتسديد بعض ديونهم، و بشكل يفوق ما سبق و منحتهم بعض دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، عقوداً بترولية خاصة في السرِّ و العلن(!). و ربما نبصر قريباً كاريكاتيراً ثالثاً يبين قيام الرئيس الأفغاني حامد كارزاي و هو يقدم للرئيس الأمريكي المهزوم بوش ذهباً صرفاً تمَّ انتقاؤه من ودائع المخدرات الأفغانية ـ الأطلسية. و ربما، ربما يشتاق الرئيس المهزوم بوش هذا لبعض من تقاعس في الخليج العربي في تسديد دينه لوالده من قبل لقاء مساعدتهم في حروب الخليج السابقة، و بذلك يعود إلى زوجته لورا كي تجره من يده المضرجة بالدماء الجنوبية، و العربية منها بشكل خاص، كي يضع ما حازه من «أنفال حروبه التلمودية»، على مذبح آل بوش الأنغليكاني ـ التلمودي ـ البترولي المقدس. و في المقابل، يمكن لنا تصور قيام بعض كتاب الرأي العربي ـ من أزلام الإمبراطورية البترولية المنظرين ـ بانتقاد البطل العربي الهمام منتظر الزيدي على وحشيته المهنية، و قذفه ثنائي بوش ـ المالكي بحذائه، ما يمثل برأيهم خروجاً عن «الأصول» المهنية الإعلامية الشمالية المقدسة، مطالبين منظمات الاعلام العربية و الإقليمية بوصم مثل هؤلاء بعار التمرد على قوانين «التمدن» الرأسمالية الوطيدة و نبذهم بعيداً عن المهنة، إن لم يذهب الحال بالعديد من الإعلاميين العرب الأزلام إلى إظهارهم كإرهابيين خطرين يتوجب إزالتهم من الوجود العربي بكل الأشكال السلطوية الممكنة، و ذلك حتى يأتي وعد الله، إن الله لا يخلف الميعاد.


بقلم: الدكتور عدنان مصطفى

* وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق (سورية) ‏


طباعة المقال طباعة المقال

قد يعجبك ايضا

التعليقات متوقفه